مقالات الرأي

التضليل الإعلامي

بقلم: محي الدين توبا

يمثل الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع المصدر الرئيسي للمعلومات في السودان، علماً بأن النخب السياسية طوال تاريخه سيطرت على أجهزة الإعلام بصورة كلية.

حتي انقلاب 25 أكتوبر، ظل نظام البرهان بمحاولات حثيثة للتعتيم على المعلومات، حيث يقوم أحيانًا بقطع الإنترنت وأحيانًا باعتقال الفاعلين الإعلاميين المنتقدين للنظام، وفي المقابل يبث رسائل كاذبة في وسائل الإعلام العامة الخاضعة لسيطرة الجيش وأعوانه باستخدام أساليب نظام الانقاذ ، وهو التصرف في شؤون الشعب وفق رغبته وليس إرادة الشعب بالترهيب والتهديد والاعتقال والاعتداء والفصل التعسفي علي النشطاء والصحفيين ويضع قدمه في أفواه الملايين عبر التضليل الإعلامي وحجب المعلومات عن المجتمع. ولذلك فإن الصحافة السودانية كانت ولا تزال تعمل في التعتيم الإعلام بماكينة دعائية ضخمة ويطلقون عليها زورا وبهتانا التلفزيون القومي . ولذلك عندما كنا في الجامعات السودانية، في منابر الوعي ، كنا نتحدث عن معاناة أهل دارفور وأهل جبال النوبة، لم يكن أحد مستعدا لتصديق ما نقوله حتي اصدقاؤنا الطلاب ، وخاصة قضية الاغتصاب وحرق القرى، والقتل، واحتلال الأراضي، والسبب كان الإعلام السوداني الذي لعب دوراً فعالاً في تغطية جرائم الإنقاذ وبقية الأنظمة. الشمولية في السودان، لأن الإعلام ملحفة بالعاطفة لا المنطق، وتضييق طرق التفكير النقدي، ويبقي الشعب أسيراً لها.
وقد ذكر الكاتب هربت في كتابه ” المتلاعبون بالعقول ” كيف يتحول الإعلام من عملية تضليل إلى أداة للقهر والقمع. فهو يمثل إحدى الأدوات التي تسعى النخب من خلالها إلى إخضاع الجماهير لأهدافها الخاصة وكما شاهدنا في نهاية حكم الانقاذ كيف تم القمع ضد كوادر الجبهة الشعبية المتحدة U-P-F بعد ان تم اعتقالهم تعسفيا ووصفهم بالموساد الاسرائيلي وتم عرضهم في التلفزيون القومي للاعتراف بحرائم ارتكبها النظام ضد شعبها وهو قتل المتظاهرين وكشف عورتها فيما بعد ثورة ديسمبر العارمة .
وذكر المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه “السيطرة على الإعلام” كيف تقضي النخبة الديكتاتورية على تمرد قطيع الشعب، أي إسكات الأفواه والأقلام الحرة في الدولة الشمولية. كل ما عليه فعله هو أن يحمل الهراوات فوق رؤوس الناس، وإذا خرجوا عن الخط، كل ما عليه فعله هو تحطيم تلك الهراوات فوق رؤوسهم لذلك كل الهرسلة الإعلامية الشرسة المليئة بالأكاذيب والأخطاء القاتلة عليك متابعتها .
واذا اخترقت الشعب عالمهم الخاص لتوصيل الرسالة دون ترخيص، فالويل اولي بهم . وكما شاهدنا في السابق، كيف تم إغلاق القنوات الرسمية المنتقدة للنظام الخارجية والداخلية امثال راديو عافية دارفور والحوش وقناة امدرمان الفضائية ، واعتقال الصحفيين السياسيين والإعلاميين دون الحاجة إلى أمر قضائي. مع العلم أن ذلك مضمون ضمن الإطار القانوني. والدستور المؤقت المعتمد عام 2019 يكفل حرية الصحافة والحق في الوصول إلى المعلومات. لكن هناك بعض القوانين التي كانت مستخدمة في النظام السابق لا تزال سارية إلي يومنا هذا من أجل إسكات أفواه الإعلاميين. وفي العام 2020، صدر قانون بشأن الجرائم الإلكترونية، مما يحد من حرية الإعلاميين، وخاصة الفاعلين في شوشال ميديا، الذين يعملون ليلا نهارا، لإيصال المعلومات للجمهور للاستفادة منها دون أي مقابل مالي، وتوثيق جرائم الدعم السريع والجيش والأجهزة الأمنية والشرطية، ولكن لخطورة رسائلهم خاصة في أيام المواكب وكيف يتم جمع الثوار للمواكب وبث المقاطع التي تعبر عن وعي الشعب بقضيتهم وتوثيق الجرائم والانتهاكات كما تم بث مقاطع تتعلق بفض الاعتصام ، وعن قمع المتظاهرين في جميع ولايات السودان، التي يرتقي إلي جرائم حرب شأنه شأن قانون 2009 الذي يحد سبل الرقابة على المطبوعات أمام قانون الأمن وبدون الرقابة الامنية لايسمح لك بالنشر . وتبعه قانون آخر في العام 2010 يجرم نشر الأكاذيب والمعلومات الكاذبة. والغريب في الامر الأكاذيب والمعلومات الكاذبة في نظر النخبة تعني الحقائق والانتهاكات التي يرتكبونها في حق الشعب ولكن لا يمكن لأحد ان يبوح بها . لذلك من الطبيعي ان تجد توثيقات مجازر دارفور في الامم المتحدة ومجلس الأمن ولايمكن أن يتوفر في أعلامنا وأجهزتها كما نلاحظ في الحرب الحالي .
ويمارسون الكذب والتضليل بامتياز ويوجهون الإعلاميين ذوي المصالح الخاصة لترويج هذه الأكاذيب وتضليل المشاهد.
ولكن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المعلومات في متناول اليد. رغم أن بعضها كاذب أو غير دقيق، لأنها تفقد أحيانا معايير الكتابة الصحفية المكونة من الأسئلة الخمسة (اين ،متي، كيف، من، ماذا)، لكنها خالية من التسييس. كما يفعل السياسيون والإعلاميين وهو ما يعرف بـ (كيمياء الكذب)، فإنهم ينقلون 95% من الرسائل والأخبار الصادقة أولا بهدف كسب ثقة الناس، ومن ثم يمكن بث رسائل مضللة وكاذبة. ولذلك فإن وسائل الاتصال تصيب أحياناً بحالة من الارتباك أو التشويش، كما نلاحظ الآن في السودان. بلبلة إعلامية في… مواقع التواصل الاجتماعي تسببت بإغلاق بعض الحسابات في فيسبوك وتك توك ويوتيوب وتويتر .

ولذلك عزيزي القارئ الإعلام بشكل أشمل هو نقل الآراء والمفاهيم بقصد الإقناع وإحداث ترابط في الحركة و مشاركة في الأفكار والمعلومات بإرسال وتوجيه ثم تسيير ثم الاستقبال مع كفاءة معين ، ويبقى الإقناع هو الأثر القائم دون تزييف الحقائق، فاستمر في نشر الأخبار والآراء والرسائل التوعوية والرسائل الاحترازية في ظل الحرب ، ولكن كن صادقاً ومخلصا. ما تنقله للآخرين شرط الاقتران بالتواضع والمهنية.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x