هل يمكن للسودانيين اللجوء إلى الولاية القضائية الدولية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب؟
تقرير: حسن إسحق
منذ 15 أبريل 2023، تم ارتكاب فظائع انسانية وانتهاكات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مذبحة الجنينة في دارفور، بقوات الدعم السريع والميليشيات القبلية المتحالفة معها. كما شهدت مناطق أخرى، مثل الخرطوم والجزيرة وسنار وكردفان، عمليات عسكرية عنيفة وانتهاكات لحقوق الإنسان، مع اتهام الجيش السوداني باستهداف المدنيين بالطيران العسكري.
ومع تعمق الأزمة الإنسانية، تطرح أسئلة حول إمكانية تحقيق العدالة. هل يمكن استخدام الولاية القضائية الدولية – وهي آلية قانونية تسمح للمحاكم في بلد ما بمحاكمة الأفراد على الجرائم الانسانية المرتكبة في بلدان أخرى – لمحاسبة مجرمي الحرب في السودان؟.
المحكمة الجنائية الدولية وجرائم الحرب
بينما يعرف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جرائم الحرب، علي انها الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية علي النزاعات المسلحة، والانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية علي النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، وتنص الأنظمة الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، والمحكمة الخاصة لسيراليون، وكذلك لائحة الادارة الانتقالية للأمم المتحدة في تيمور الشرقية رقم 2000/15، علي الاختصاص في ما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني.
ماهية الولاية القضائية الدولية
الولاية القضائية الدولية، إنه مبدأ يُفهم على أنه مبدأ قانوني يسمح للدول أو يطلب منها أن تتخذ إجراءات جنائية معينة بحق متهمين أو مشتبه بهم بغض النظر عن موقع حدوث الجريمة أو جنسية الجاني أو الضحية، ترقى الولاية القضائية العالمية إلى مطالبة الدولة بملاحقة الجرائم في ظروف لا تتضمن أيا من الروابط التقليدية المتمثلة في الإقليمية أو الجنسية أو الشخصية السلبية أو المبدأ الحمائي في وقت ارتكاب الجريمة المزعومة.
يجب الاشارة الى بعض الامثلة التي طبقت فيها الولاية القضائية الدولية، ابرزها قضية محاكمة مسؤولين من السلفادور بتهمة قتل كهنة يسوعيين في اسبانيا 2009، حينها أصدر القاضي الاسباني الذي اكد الاتهامات اوامر باعتقال بحق 20 عضوا، وطالب من وكالات الولايات المتحدة الامريكية رفع السرية عن وثائق تتعلق بعمليات قتلهم.
يجب الاشارة الى قرارات محكمة كوبلنتس الالمانية بموافقتها علي تداول قضية السوري انور رسلان الذي حاكمته بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بالقول ان ’’ الكشف عن جرائم كبيرة وملاحقتها تأتي في مصلحة الانسانية جمعاء ‘‘.
أين دور المجتمع المدني السوداني؟
بينما ترى منظمة المبادرة العالمية من أجل العدالة والحقيقة والمصالحة ’’ Global initiative for justice, truth and reconciliation ‘‘، في ورقة لها بعنوان ’ توثيق المجتمع المدني من أجل المساءلة ‘‘، يجب علي منظمات المجتمع المدني جمع الادلة تشكل فائدة لهيئات المساءلة.
ينبغي أن يستخدم التوثيق الذي جمع في سبيل تزويد المحققين والقضاة او المدعين العامين، بمعلومات هامة قد ترشدهم إلى الضحايا او الشهود او المقابر الجماعية، اضافة لذلك، يجب أن تساعد منظمات المجتمع المدني علي إثبات عناصر معينة من الانتهاكات، علي سبيل السيطرة علي منطقة ما أو طبيعة ونمط الانتهاكات واسعة النطاق والممنهجة.
ويجب أن تكون الأدلة بمثابة أساس لشهادة المحكمة، مع مساعدة المحققين والمدعين العامين في التعرف علي الاحداث او المواقع المهمة، وتعزيز وعي المواطنين بعملية المقاضاة والثقة بها ودعمها، هي قد تدعم آليات الولاية القضائية الدولية في محاكمة من ارتكب الجرم.
خبراء قانونيون وناشطي منظمات المجتمع المدني
يوضح الناشط في منظمات المجتمع المدني علي عبدالله باسم مستعار جزء من التحديات التي تقف عائقا امام تحقيق الولاية القضائية الدولية في السودان، وخاصة الأفراد والمجموعات المتورطة في قتل الاف الابرياء، بسبب عدم تعاون العديد من الدول الافريقية في القبض عليهم، وكذلك، بعض الدول سمحت لأسماء معروفة بفتح استثمارات في دولها، وتساءل، كيف لهذه الدول تساعد في إنفاذ الولاية القضائية الدولية؟، بسبب فساد انظمة الحكم والرشاوي في القارة الافريقية، يعيق تحقيق المساءلة والعدالة.
يقول عبدالله إن المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تساعد في تحقيق الولاية القضائية الدولية، في حالة عدم تدخل الدول الأعضاء في مجلس الامن في اعاقة مسار العدالة، باتخاذ اجراءات سياسية تعرقل محاسبة ومعاقبة مرتكبي الجرائم، في حالة السودان التقاطعات الدولية ما زالت موجودة دول تدعم السودان مثل الصين وروسيا، هي لا تصب في مصلحة الضحايا، متورطي حرب دارفور قبل عشرين عاما، ما زالوا طلقاء.
أشار إلى دور منظمة العفو الدولية في وهيومان رايتس ووتش في لعب دور ايجابي في التوثيق والرصد، ومقابلة ضحايا الحرب، هي تساعد المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الاقليمية والدول التي تطبق الولاية القضائية العالمية، في محاكمة ومساءلة كل من تلطخت يداه بدماء أبرياء السودان.
محاكمة الجرائم الخطرة
يقول المحامي والقانوني عثمان صالح أن الولاية القضائية العالمية هي من المفاهيم الحديثة في القانون الدولي، جاءت الفكرة علي أساس الجرائم الخطيرة، جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، والابادة الجماعية، وتهديد السلم والأمن الدوليين، وطرق محاكمة الجناة في المحاكم الوطنية، في حال عدم رغبة المحاكم الوطنية، يمكن اللجوء إلى المحاكم الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية.
أضاف في كثير من القضايا أصبحت مسألة الإفلات من العقاب واردة، في دول لها استعداد واختصاص قضائي كي تحاكم مرتكبي الجرائم الجسيمة، وتهدد السلم والأمن الدوليين، ودائما يرتكبها المسؤولين وكبار العسكريين، حتى إذا، لم تقع الجريمة علي أرضها، او الضحايا من رعاياها، وهذه الدول التي تطبق الولاية القضائية العالمية، لها الحق في ملاحقة المشتبه بهم، ويحاكم في أراضيها.
يضيف عثمان، بعض لها الاختصاص للقيام بذلك، مثل، ألمانيا، وفرنسا، في دول تشترط في الولاية القضائية، أن يكون الشخص المشتبه داخل أراضيها، بعدها يمكن اتخاذ إجراءات المحاكمة، في دول تشترط أن يكون المشتبه بهم داخل أراضيها، في حال وجود الاختصاص الدولي يجب تتوفر شروط، كي يكون هناك اختصاص قضائي دولي، اولا تكون الجريمة من الجرائم الخطرة التي تؤثر علي السلم والأمن الدوليين، ثانيا، يجب تقديم شكوى أو ادعاء من جهة كي تحرك الاجراءات، ثالثا الشخص المشتبه او المتهم ان لا يكون قد تم محاكمته علي ذات في محكمة اخري.
أوضح عثمان هناك سوابق في الولاية القضائية العالمية، علي سبيل المثال، محاكمة ضابط الاستخبارات السوري أنور رسلان في دولة المانيا، كان مسؤولا عن سجن الخطيب، وثقت أكثر من اربعة ضحية، من ناشطي حقوق الإنسان ومدفعي حقوق،هو طلب لجوء في المانيا 2019، أثناء وجوده الناشطين رفعوا دعاوى ضده، تم قبول الدعوي، وتمت محاكمته، ويقضي الآن عقوبة السجن في ألمانيا، علي الرغم أن الجريمة لم ترتكب في ألمانيا، لكن الجرائم وقعت في سوريا ضد سوريين، لكن الاختصاص تم قبوله في ألمانيا، هي نموذج من الولاية القضائية العالمية.
آليات التقاضي
في ذات السياق، يقول المحامي والباحث في مؤسسة وايامو عبد الباسط الحاج أن أهمية الولاية القضائية العالمية، هي جزء من آليات المساءلة والتقاضي في مستوى عالي، جزء من الانتهاكات التي تقع أثناء الحروبات، تصنف علي أنها انتهاكات خطيرة، وجسيمة لحقوق الانسان، في حال انهيار الانظمة القضائية الوطنية، في الدول التي بها صراعات، يصعب فتح تحقيقات واقامة محاكم في الداخل، والجناة قد يهربون الي دول اخري.
يضيف يجب أن يكون الجاني والضحية في دول محددة، لها الاختصاص في الولاية القضائية العالمية، لجرائم وقعت خارج أراضيها، باعتبارها شرط أساسي للنظر في القضية، هي ايضا احدى الفرص المتاحة لتغطية العجز الموجود في المحكمة الجنائية الدولية، في مرات عديدة لا تستطيع النظر الى كل الجرائم، والولاية القضائية لها المقدرة علي محاصرة الجناة، وتقييم محاكم.
يضيف عبدالباسط ان الدور الذي يقوم القانونيين أن يتم تجهيز قضايا و ملفات وتحقيقات جاهزة تقدم الى الدول المحددة التي لها اختصاص الولاية القضائية العالمية، هذه الملفات يجب ان تحوي الادلة والشروط، وتحديد الجناة باسمائهم، وصورهم، مع دور منظمات المجتمع المدني، هي الية مهمة فعالة طبقت في دول مختلفة، في ألمانيا وهولندا، في مواجهة جناة هاربين من النظام السوري، يمكن أن تحقق نجاح في افريقيا، في حال توفر الرغبة.
فوائد الولاية القضائية الدولية
أن الفوائد المتوقعة من الولاية القضائية العالمية في السودان، تتمثل في التقليل من تكرار انتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة في السودان، و ان محاكمة المتورطين في قتل وتشريد واغتصاب السودانيات والسودانيين، وتهجيرهم بطريقة ممنهجة من اقاليهم، قد يجعلهم عبرة وعظة للاخرين، سوف تفكر القيادات السياسية والعسكرية الف مرة، قبل تتخذ خطوات اجرامية.
من الفوائد الأخرى للولاية القضائية الدولية، ايضا، ان ضحايا الحرب والابادة الجماعية والانتهاكات الفظيعة، لن يشعروا، انهم تركوا لوحدهم، بل ان العالم ومنظماتهم الحقوقية تعتبرهم افراد او مجموعات لها الحق، أن ترى مرتكبي الجرائم والمتورطين خلف القضبان، هذه النتيجة الطبيعية التي يجب ترى النور في المستقبل القريب.
مفهوم نظري
يرى بعض الخبراء أن نجاح الولاية القضائية العالمية يعتمد اعتمادا كبيرا على الإرادة السياسية للبلدان لممارسة هذه الولاية القضائي، وبدون استعداد الحكومات لمتابعة القضايا، ومحاسبة الأفراد المتورطين، تظل الولاية القضائية العالمية مجرد مفهوم نظري، قد تتحسب بعض الدول للعواقب الدبلوماسية المحتملة، والتوترات السياسية التي يمكن أن تنشأ عن محاكمة الأفراد الذين لديهم علاقات مع الدول القوية، وهذا يمكن أن يخلق تحديات كبيرة في تحقيق العدالة من خلال الولاية القضائية العالمية.
في الختام
أن الولاية القضائية الدولية تعني أن الدولة التي تطبق الولاية لها الحق في محاكمة المتورطين بتلك الجرائم، حتى و ان لم يكونوا مواطنين في تلك البلدان طالما هم داخل أراضيها, يعتقد أن الولاية القضائية العالمية مهمة، وأنها تقوم بدور تكاملي بين النظام القضائي الوطني، و المحكمة الجنائية الدولية، وهي تحد من ظاهرة الإفلات من العقاب، اعتبار أنها تحاكم كل الاشخاص متى ما توفرت الأدلة الكافية لذلك ومتى ما ثبت فعليا أن الشخص المتورط متواجد داخل أراضي الدولة التي تمارس الولاية القضائية العالمية وفق الجرائم الدولية المعروفة.