غير مصنف

صناديق الذخيرة لا تجلب الديمقراطية

بقلم: مزمل الغالي، المحامي والناشط الحقوقي

من أكبر الأكاذيب على الإطلاق في هذا العصر، هي أن هذه الحرب التي تدور الآن في السودان، والتي حطمت الأخضر واليابس، وأودت بحياة المئات من المدنيين الأبرياء، وأدت إلى تشريد الملايين من النازحين في أقاليم السودان المختلفة، بما في ذلك لاجئين خارج السودان. إن إدعاء الدعم السريع بأنها تقاتل من أجل الديمقراطية، تعد من أكبر الأكاذيب المضحكة. قبل أن نناقش تفاصيل الموضوع، هنا بعض الاقتباسات التي تعبر عن رؤية بعض المفكرين والفلاسفة والعلماء حول فكرة أن الديمقراطية لا تنبع من أفواه البنادق:

“الديمقراطية ليست مجرد قوة ملموسة، بل هي مبدأ أخلاقي وسلوكي يجب على الأفراد احتضانه وتطبيقه بشكل فعال. إنها ثقافة تعلم وحوار واحترام الآخرين.” – آمارتيا سن، عالم اقتصاد وفيلسوف هندي.

للديمقراطية أسسها وقيمها الخاصة التي تتطلب تربية الشعوب على التفكير النقدي والمشاركة المدنية، فقط عندما يكون لدى الناس وعيٌ بحقوقهم وواجباتهم، يمكنهم بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي.” – نيلسون مانديلا، زعيم جنوب أفريقيا السابق وناشط حقوقي.

“تحتاج الديمقراطية إلى تربية الأفراد على مبادئ المشاركة المدنية وحقوق الإنسان واحترام الآخرين. إنها ليست مجرد نظام سياسي، بل هي ثقافة وأسلوب حياة يجب أن يتم تنميتها وتعزيزها في جميع أنحاء المجتمع.” – أمارتي سين، عالم اقتصاد هندي حائز على جائزة نوبل.

“الديمقراطية تحتاج إلى توجيه وتنوير، وليس لها أي علاقة بأفواه البنادق. إنها تتطلب تثقيفاً ونقاشاً بناءً، حيث يشارك الأفراد بحرية في صنع القرارات والمساهمة في تطوير المجتمع.” – جان-جاك روسو، فيلسوف فرنسي.

يركز هؤلاء المفكرون والفلاسفة والعلماء على أهمية بناء ثقافة ديمقراطية قائمة على الحوار والتعلم والاحترام المتبادل، كذالك الديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي، بل هي قيمة تحتاج إلى التفاهم والتواصل البنّاء لتحقيق التقدم والعدالة في المجتمع.

إذا نظرنا إلى مجتمعنا السوداني، سنجد أن المواطن يفتقد الديمقراطية في ممارسات حياته اليومية، حتى في طريقة اتخاذ القرارات المنزلية، أي تعامل الأسرة فيما بينهم. نجد أنه لا يُعطى الأهمية الكافية للشورى والديمقراطية. يعود هذا الجهل إلى ترسيخ وتسليط مفهوم الذكورية وسط المجتمع، وتجاهل دور المرأة في التعبير عن آرائها ومشاركتها في صنع القرارات. ومن الأمور التي ساهمت في ذلك هو أن المدارس والجامعات السودانية لا تُولي اهتماماً كافياً ولا تشجع الطلاب والطالبات على ممارسة الديمقراطية والتدرب عليها من خلال الهيئات الطلابية.

ونتيجة لعدم وجود ثقافة ديمقراطية في المجتمع السوداني، يصعب أن نراها في حكومتنا. فالديمقراطية تبدأ من الأسفل وتمتد إلى الأعلى، بدءًا من المنزل، ثم الشارع، والمدرسة، ومن ثم الأحزاب السياسية، والنقابات، وأخيرًا الدولة.

من جهة أخرى، تتحمل الأحزاب السياسية مسؤولية جلب الديمقراطية، ولكن نجد أن بعض هذه الأحزاب تفتقد الديمقراطية في حد ذاتها. فنجد أن رئيس الحزب يبقى في منصبه منذ تأسيس الحزب حتى وفاته، مثلما حدث في حزب الأمة والمؤتمر الشعبي، حيث استمر الصادق المهدي والترابي في رئاسة أحزابهما حتى توفيا.

إذا لم نجد الديمقراطية في منازلنا وفي مجتمعنا وفي أحزابنا، هل نجدها في بنادق المليشيات؟ هذه تُعد كذبة أبريل، والمفارقة أن الحرب بدأت في منتصف أبريل، مما يعني أنها واحدة من أكبر كذبات أبريل.

إذا نظرنا إلى الدعم السريع منذ تأسيسه، نجد أنه تم إنشاؤه بطريقة لا تشبه الديمقراطية. ففي العام ٢٠١٧، انتهك المؤتمر الوطني إرادة أعضاء البرلمان الذين لا ينتمون إلى حزب المؤتمر الوطني، وذلك من خلال التلاعب والتدليس تحت اسم برلمان الشعب السوداني، والذي لا يمت للشعب السوداني بأي صلة، بل يعتبر تزويرًا لإرادة الشعب السوداني. وتمت إجازة قانون الدعم السريع والاعتراف به كقوة نظامية تتبع للجيش بهذه الطريقة الغير ديمقراطية.

إذا عدنا إلى الوراء وبحثنا عن سبب تشريع قانون الدعم السريع والاعتراف به من قبل البرلمان والإجراءات التي اتخذت في العام ٢٠١٧، نجد أنهم قاموا بسلوك عدواني ضد المدنيين في ذلك الوقت، في دارفور و كردفان من القتل و الاغتصاب و النهب وغيرها من الجرائم الشنيعة. ومن العجائب أن أحمد هارون، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول ووالي شمال كردفان في ذلك الوقت، استنكر و أدان سلوكهم وطالبهم بالخروج من الأبيض فورًا !!! تخيل أن أحمد هارون، المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، استنكر وأدان سلوك الدعم السريع!!! كثر الحديث في ذلك الوقت أن الدعم السريع عبارة عن قوات همجية تمارس سلوك إجرامي ضد المواطنين وليس لهم أصل ولا قانون يضبطهم، مما دعا المؤتمر الوطني عبر برلمانه بشرعنتهم و إعتبارهم قوة نظامية تتبع للقوات المسلحة.

ومن المفارقات العجيبة أيضاً أن بعض الأحزاب السياسية المتهمة بالوقوف مع الدعم السريع و توفير الغطاء السياسي لهم في هذه الحرب مثل المؤتمر السوداني وحزب الأمة، تجد أن قاداتهم كانوا من أوائل من تحدثوا عن إنتهاكات الدعم السريع وتم إعتقالهم لفترات طويلة بسبب الحديث عن انتهاكات الدعم السريع في ذات الوقت. ومن بينهم إبراهيم الشيخ، رئيس حزب المؤتمر السوداني، والسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، له الرحمة والمغفرة.

عزيزي القارئ، كما قال المفكرون والعلماء، تُعد الديمقراطية سلوكاً ينبع منه الفرد ويتشكل عليه، فهل نجد هذا السلوك والثقافة لدى قادة الدعم السريع، دعك من جنودهم؟ هل يعرف حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، مفهوم الديمقراطية؟ هل اختار شقيقه عبدالرحيم نائباً له وفقاً لمبدأ الديمقراطية؟ هل ينطبق قانون الدعم السريع على مفهوم الديمقراطية فيما يتعلق بالترقيات والانضمام وفقاً للقواعد العسكرية؟ إجابة كل هذه الأسئلة تؤكد أنه لا علاقة للدعم السريع بمبدأ الديمقراطية.

ومن جهة أخرى، إذا نظرنا إلى سلوك أفراد الدعم السريع خلال حرب 15 أبريل، فإننا نجد أنه مليء بجرائم بشعة ضد الإنسانية لا تمد للديمقراطية بصلة، مثل الاغتصاب والقتل والنهب والحرق، وغيرها من الجرائم الفظيعة.

إذا ألقينا نظرة على الأشخاص المؤيدين للدعم السريع، نجد أنهم ينقسمون إلى فئتين. الفئة الأولى تؤيد الدعم السريع بناءاً على أسس عرقية ومناطقية. أما الفئة الثانية، فتؤيد الدعم السريع بحجة محاربة الكيزان وقادة الجيش الفاسدين، وفقاً لوصفهم، وتشمل هذه الفئة السياسيين وأشخاصاً يكرهون الكيزان. يمكنني أن أفهم المنطق وراء ذلك، ولكن يكمن الخطر في الانصياع للعواطف والرغبات الذاتية على حساب مصلحة الوطن. نعم، ارتكب الكيزان جرائم بشعة ويجب أن يتم تقديمهم للمحاكمات العادلة، ولكن الطريقة التي يتبعها الدعم السريع وأنصاره في معاقبة الكيزان (عبر الحرب) تتعارض بذاتها مع مبادئ الديمقراطية وتسبب أضرارًا جسيمة لا تحصى ولا تعد، تدمر الحاضر والمستقبل. كما لا ننسى الجرائم التي ارتكبها الدعم السريع تكاد تكون أخطر من الجرائم التي ارتكبها الكيزان. لذا، قد يكون استبدال عصابة الكيزان بمليشيات الدعم السريع خيارًا لا يجب الاعتماد عليه أو غير موفق .

لذلك، إذا أردنا ان نبحث عن الديمقراطية، يجب أن نبحث عنها في صناديق الاقتراع وصفحات الكتب ونمارسها في حياتنا اليومية وفي أحزابنا السياسية ومؤسساتنا النقابية وليس في صناديق الذخائر. تحت حراسة و حماية جيش قومي وطني موحد، متمسك بالقيم الوطنية وليس بالعرق أو الأيدولوجيا.
والسلام.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x