مقالات الرأي

أزمة سلام جوبا للسودان وفتح الطريق للمليشيات في دارفور

عمار إسماعيل (فلسفة)

جاءت انتفاضة 19ديسمبر التي شهدتها جميع مدن السودان المختلفة والقرى البوادي، الحلال ،الفرقان أمتداداً للتراكم النضالي الطويل السابق الذي زلزل أركان النظام الذي فشل في حل قضايا الشعب، بل كانت امتداد لهبات جماهيرية لدكتاتورية الإسلامويين الفاشية التي اذاقت شعبنا العذابات والإنتهاكات بأنواعها، وجردته من أبسط مقومات الحياة.
انتفض الشعب السوداني لإقتلاع أكبر نظام ديكتاتوري على وجه الأرض بزعامة(عمر البشير ) وقد شملت هذه الثورة جميع أبناء وبنات الوطن من كافة المدن والولايات ، وسط حراك متميز ابتدأ بالنيل الازرق ومروراً ببقية المدن والولايات في: ولاية نهر النيل (عطبرة)
وشمال كردفان، والنيل الأبيض ، والشمالية ، وولايات دارفور وبورتسودان…..الخ) التي أحكمت فيها الجماهير المنتفضة والثائرة سيطرتها على بعض الولايات والمدن رغم القمع المفرط الذي أدي لإستشهاد المئات وجرح الآلاف واعتقال المئات من المتظاهرين.
اتسعت المظاهرات وحدث تضامن وتلاحم واسع بين الشعب السوداني لتحقيق مطالب الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي وتحقيق السلام الاجتماعي والسلام الشامل المستدام.
يوم 3 أكتوبر 2020م أُسدل الستار عن واحدة من أكبر عمليات التزوير في تاريخ السودان، ولا سيما في أزمة السودان في دارفور، حيث تم تزوير إرادة الشعوب كاملة من قبل الحرس الايدلوجي للسودان القديم وبرجوازية الدولة من قبل الراسمالية ،حيث وقعت الجبهة الثورية السودانية ، لا سيمت كل من حركة العدل والمساواة بزعامة(جبريل ابراهيم ) والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال فصيل( مالك عقار ) وحركة تحرير السودان بزعامة(مني اركو مناوي ) وحركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي( TC ) فصيل(الهادي إدريس) مع الحكومة الإنتقالية السودانية اتفاق جوبا لسلام السودان بالأحرف الأولى دون مناقشة القضايا الجوهرية للدولة السودانية وخاصة مشكلة الأمن والإستقرار بدارفور.
عندما نتحدث عن هذا الأقليم خصوصاً يتبادر في ذهن القاريء التهميش الثقافي ، السياسي ، والإقتصادي وغياب التنمية، أو بالأحرى الإبادة الجماعية جرائم الحرب ، والجرائم ضد الأنسانية التي ارتكبتها الحكومات الصفوية المتعاقبة على حكم الدولة ما بعد الاستعمار، وقصد منها إعادة هندسة الإقليم ديموغرافياً.
إقليم دارفور حرفياً تعني(المنطقة) أو أرض(الفور) باعتبارها آخر مصطلح رسي على المنطقة بعض التحولات السياسية التي مرت بها، وفي السابق ربما عرفت هذه المنطقة بأرض الداجو أو التنجر……الخ) ، ويفهم في هذا السياق التاريخي وموضوعياً تعني المنطقة الجغرافية التي تسكنها قومية الفور/المساليت/الزغاوة / الميدوب/ أبودرق/ الرزيقات/ المعاليا/ التنجر/ الداجو/ البرتي/ التاما/بنو هلبة/الفلاتة/ المراريت/ بني حسين/ قمر / مسيرية جبل/ترجم….. الخ)، وهي منطقة شاسعة تتمتع بتنوع اثني، وتعدد ثقافي عظيم.
ظل وما يزال إقليم دارفور ضحية لسياسات السودان القديم المستبدة والظالمة ولم يحظ بأي مشاركة حقيقية في إدارة نفسه ناهيك عن إدارة السودان، رغم الموارد الطبيعية التي يتمتع بها الإقليم.
لم تعالج هذه الإتفاقية أي مشكلة داخل الدولة السودانية وخاصة مشكلة الأمن في دارفور، لأنها لم تناقش جذور الازمة التاريخية منذ بدايتها والخروج من المأزق التاريخي.
بعد 66 عاماً من خروج المستعمر لا يزال السودان يعيش في أزمة وطنية عميقة وشاملة طبعت كل أوجه الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والروحية في الدولة السودانية منذ 56 وحتي الآن.
إن هذه الإتفاقية قد فتحت الطريق للمليشيات في دارفور في ظل الفراغ الأمني ، رغم أن بعض الحركات كانت لها تجارب في السلام من قبل.
جاءت تلك الحركات دون أن تعي أخطاءها السابقة وفشلهم في مناقشة نزع السلاح من ايدي المتفلتين، فمنذ توقيع اتفاقهم لا يزال هذا الإقليم يعاني من عدم الاستقرار الأمني وظل يشهد اندلاع احداثاً دامية يومياً ، أبرزها أحداث ولاية الجنينة بولاية غرب دارفور وأحداث محلية جبل مون واحداث محلية كرينك واحداث كريندق ومورني وكولقي وزمزم وطويلة والفاشر وغيرها، حتى سمي الإقليم بالمنطقة المنكوبة.

ظلت أزمة إقليم دارفور مكتومة ولم تسلط عليها الأضواء رغم معاناته على مدى العقود ، وللأسف يعيش الإقليم اوضاعاً مضطربة ولم يعرف السلام والاستقرار الأمني حتي الآن.
إن هذه الحركات ناضلت من أجل الشعب كما تقول دائماً ولكنها جاءت باتفاقيات من أجل المصالح الذاتية.
السؤال:
إلى متى يعيش إنسان دارفور في ظل هذه الأوضاع؟

وهل هذه الإتفاقية سوف تحقق طموحات سكان الإقليم المنكوب أم هي مجرد تسوية فوقية بين الصفوة والمنتفعين؟

2 مارس 2022م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى