مقالات الرأي

إذا ما الجُرح رم على فسادِ تبين فيه إهمال الطبيب (٣)

بقلم: الصادق علي حسن المحامي

كمثال ، الباحث في جهود الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في المناطق المتأثرة بالحرب والنكبات الإنسانية بالسودان في السابق خاصة في دارفور والتي ارتبطت بالمعينات الإنسانية يجد بان هذه الجهود الإنسانية قد وجدت التقدير والتثمين من العناصر والسكان المحليين لأنها استهدفت مخاطبة مشاكل المجتمعات المحلية الماثلة وتقديم العون الإنساني المباشر للمتأثرين بإنتهاكات حقوق الإنسان ولمنكوبي الحروب والأزمات بخلاف ما يحدث حاليا من انشطة أقرب ما تكون لإنفاق ملايين الدولارات في إنتاج نخب جديدة من خلال رعاية إتفاقيات سياسية لا مستقبل لها أوبرامج لا نتائج لها سوى المزيد من إضافة عناصر من ممارسي الأنشطة السياسية والمدنية في المسرح السياسي والمدني والتي صارت اشبه بالحرفة والتكسب المادي السهل من كونها برامج لأهداف سامية مثل برامج الإنتخابات الحالية والتي تبدد فيها ملايين الدولارات وبرامج العدالة الإنتقالية التي تنظم في فنادق الخرطوم الفاخرة مثل روتانا سلام وكورنثيا والطرف الرئيس المضرور من الإنتهاكات في مناطق الصراعات المسلحة في معسكرات النازحين واللأجئين لا صلة له بها على الإطلاق او ورش الجوار الإقليمي مثل نيروبي وكمبالا الشبيهة لرحلات السياحية والترفيهية ، برامج كل حصيلتها كتابة التقارير المنمقة للمانحين الدوليين ، والطامة الكبرى ان الأمم المتحدة والولايات المتحدة والأمريكية لا تدركان بأن إجراء الإنتخابات في ظل هذه الظروف والأوضاع بالسودان ستكرس بلا شك لتمزيق الدولة الهشة لإنعدام مقومات الكيانات والتنظيمات السياسية الحقيقية في الأحزاب التي تمارس العملية الإنتخابية والقبول بنتائجها مما يعني ان التنافس الإنتخابي لن يكون كاشفا لإحترام الممارسة العامة التي تفرز ممثلي الشعب ببرامج واهداف بل ستتغلب فيها الإعتبارات الإجتماعية والمناطقية ورمزية القبيلة ، وفي ظل الأوضاع الحالية من غير المستبعد ان تصبح الإنتخابات العامة مدخلا لصراعات القبلية وقد تكون دامية في بعض الولايات التي تشهد التنازع القبلي بين مكوناتها، وهنا لا تدرك الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية انه ما لم تستعد الدولة أولا في اذهان مواطنيها اولا فان الحديث عن الإنتخابات كمخرج للأزمات المستفحلة كمن يتحدث عن إضافة وسيلة تنازع جديد بمراقبة دولية لتُكشف مدى عمق أسباب الصراعات التي تشهدها البلاد ، لقد كان يمكن للجهود المستمرة التي ظلت تبذلها الولايات المتحدة في حقب زمنية مختلفة وعديدة بالسودان ان تعزز من مساعيها في إطار خدمة قضايا حقوق الإنسان والمصالح المشتركة بينها وبين السودان وفي احداث التحول الديمقراطي الذي ينشده الرأي العام السوداني وذلك بدعم الجهود الوطنية لتأتي نتائجها المرجوة للطرفين وللشعب السوداني ،ولكن في واقع الحال لا توجود لدى الأحزاب او الحركات المسلحة اي خطط مبنية على إستراتيجيات مدروسة لبناء الديمقراطية بالبلاد لتُعززها الجهود الأممية او الدولية مثل جهود الولايات المتحدة الأمريكية او غيرها ، وما يحدث حاليا مجرد انشطة لنخب حزبية مفصولة عن الشارع وأضيفت إليها نخب أخرى تحت غطاء منظمات المجتمع المدني تجتمع مع ممثلي المجتمع الدولي وتخرج نتائج إجتماعاتها في صور في الوسائط مثل تلك التي تجمع بين نخب الحرية والتغيير وممثل اليونتامس فولكر بريتس عناصر تكشفت قدراتها المتواضعة في حكومة حمدوك ، كما والكتلة الأخرى والتى لولا ثورة شباب ديسمبر المجيدة لظلت قياداتها حتى الآن خارجة البلاد، ولكن عقب الثورة وعودتها واول ما جلست على كرسى السلطة الوثيرة، توافقت مع عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد والتى كانت تتحارب معها فتبدلت مواقفها تماما حتى خرجت منها شعار (الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع)، وفي المسرح الذي يعج بالفوضى السياسية ممثلي الأمم المتحدة وعلى راسهم فولكر بريتس ووفود الآلية الرباعية الدولية والتي تحولت لثلاثية وضمنها الولايات المتحدة الأمريكية والترويكا و(هؤلاء) هنا من الوطنيين و(أولئك) هناك من الدوليين يتعاملون مع قضايا معقدة مثل دمج الجيوش المتعددة والإنتقال الديمقراطي وتكوين حكومة مدنية وقضايا العدالة الإنتقالية والإنتخابات بسهولة متناهية وكأن التحول الديمقراطي يمكن ان يحدث بمجرد تشكيل حكومة من مدنيين يتولى تشكيلها الدقير وسلك وطه عثمان ومدني عباس ومحمد الفكي وجعفر حسن وبرمة ناصر الخ في بلاد شاسعة الأطراف وصارت البندقية فيها مبذولة اكثر من السلع المعيشية. ولا توجد عقيدة واحدة لجيوش تتناسل يوميا و وقد صارت ممارسة الإرهاب أسهل الطرق لتحقيق المآرب بمثلما تجرأ احد عناصر المليشيات المسلحة بتصوير فيديو كشف فيه عن اقتنائه لصاروخ من الصواريخ الليبيبة وهدد به علنا وهو لا يُدرك كيفية تشغيله او ما قد يُصبه هو نفسه من جراء عدم المعرفة بالصاروخ، وبث تهديداته في أمان وأكد بان لديه مثله اربعة صواريخ اخرى سيطلقها ليُهلك النسل والحرث ويطلب في وقاحة متناهية الدعم المالي، ولا تزال الأمم المتحدة ووكالاتها والولايات المتحدة الأمريكية ومنظماتها مستغرقة تماما في برامج كتابة التقارير بلغات رصينة لتلاوتها في المنابر الأممية والدولية وعلى رأسهما مجلسي الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان ، أموال وأمكانيات ضخمة ترصد للموظفين الدوليين ولوكالات الأمم المتحدة كما ولموظفي المعونة الأمريكية بالسودان وغالبيتها تذهب لتنتهي في كتابة التقارير ولا اثر لها في التغيير المدني أو الإجتماعي الذي يحدث بصورة مغايرة على أرض الواقع بالسودان ، كما لن تساهم في إنتاج ممارسة قاعدية تتأطر في ممارسة ديمقراطية حقيقية ومع ذلك تمضى اجهزة الأمم المتحدة بمثلما تفعل الولايات المتحدة في دعم انشطة وبرامج لا علاقة لها بالاوضاع على الأرض أوبحالة سيولة الأوضاع الأمنية والسياسية السودانية ،وفي الملعب السوداني هنالك ايضا دول الإقليم ،مصر التي زالت تبني سياساتها تجاه السودان على نهج مرسوم منذ عهد الخديوية العثمانية، كما وظهرت ادوار وأصابع لدولتي السعودية والإمارات العربية المتحدة وصارت السياسة السودانية الرسمية تدار من منزلي سفيري الرياض ودبي بالخرطوم بعد ان صارت الجيوش من السودان عابرة للحدود ومستأجرة ببلديهما وفقدت البلاد مكانتها المحترمة لدى الشعوب بمثل حال شعب دولة اليمن الذي يعاني من تدخل البندقية السودانية المستأجرة في شؤونه الداخلية ،كما وقد صارت المليشيات العابرة للحدود تهدد أنظمة الدول المجاورة مثل أفريقيا الوسطى بجانب فاغنر، وفي هذه الظروف لا توجد خطط أو برامج داخلية واصابع خارجية تحرك طرفي قوى الحرية والتغيير الموقعة على الإتفاق الإطاري والمتخفية خلف ورشة المخابرات المصرية بالقاهرة ، ليس في صالح الولايات المتحدة ان تبحث عن مصالحها في ظل هذه الظروف والأوضاع، بمثلما تفعل مصر والسعودية والإمارات فيجتهد السفير الأمريكي في لقاءات سياسية بالولايات السودانية غربا وشرقا وفي النيل الأزرق ومحصلة نتائج هذه العملية السياسية تقنين لحالة المنازعات السياسية بالبلاد كما وليس في صالح الولايات المتحدة الأمريكية ان تصبح طرفا من اطراف عملية الصراع السياسي الحالي بالبلاد ،كما وليس في مصلحتها الزج بنفسها في الصراعات التي سينتجها الإتفاق الإطاري .
الوساطة الدولية مصالح متباينة :
قد تكون من اغراض الأمم المتحدة المحافظة على الأمن والسلم الدوليين من خلال المحافظة على الأمن والسلم في اي دولة عضوة مثل السودان الذي إذا شهد تفلتات أمنية فإن آثارها قد تتجاوز الرقعة الجغرافية للدولة وهذه معلومة بالضرورة ، كما وان مظلة الأمم المتحدة ومهما كانت مآخذها تظل المسؤولة عن الأمن والسلم الدوليين ولكن توليفة الشراكة الرباعية والتي جمعت المملكة العربية السعودية والإمارات وهما دولتان غير ديمقراطيتان كما أنهما ضالعتان في الأزمة السودانية من خلال إستئجار جيوش سودانية لتقاتل عنهما في حربهما باليمن تلقى بظلالها على كواليس الغرف المغلقة ،ومن خلف الجدران من خلال ما تسمى بالكتلة الديمقراطية مصر تبحث لها عن دور، وفي تلك الجهود الخارجية تكمن المصالح الذاتية ومصالح دول الغرب في مكافحة الهجرة غير المشروعة من منافذ دولة السودان الواسعة .
هماسات :
في همس المجالس ان احد الأعوان السابقين لحمدوك انه نقل بنبرة غاضبة للسفير الأمريكي ملخص برؤيته للدور الأمريكي الحالي والذي لا يساعد في تحقيق الإنتقال السليم للعملية السياسية بالبلاد ومن الفائدة للسفير الأمريكي ولبلاده ان تأخذ بمثل هذه التنبيهات وان لا تكتفي بالركون إلى أصوات العناصر التي تطغى اصواتها العالية على المشهد السياسي بالإجتماعات مع السفراء والوساطة الدولية والوفود ،فهذه الأصوات بينها وبين الشارع فواصل وحجًبَ .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x