مقالات الرأي

الإنسان الجديد

بقلم: د. عبد المنعم همت

أحدثت الثورة التقنية تأثيرات إيجابية كبيرة على الفرد والمجتمع ولكن وفي اتجاه آخر عبرت عن رغبة بعض الجهات في السيطرة على الإنسان واعادة صياغته وذلك عبر مراحل تبدأ بنزعه من مجتمعه وخلق فضاء افتراضي بديل وهذه الخطوة تعني انتزاع الإنسان من محيطه الإجتماعي الذي تربى فيه، وبذلك يكون المكان بلا قيمة، فمن السهل أن يعيش الفرد بجسده في مكان بينما جغرافيته الحقيقية غير متعينة. هذا الوضع يؤثر سلبا على مفهوم الوطنية والوطن ويفرغهما من مضمونيهما. هذه الخطوة تتبعها بناء بديل للوطن والموروث الإجتماعي والثقافي والديني أي بناء هوية جديدة مزيج من المفاهيم السطحية المتناثرة ليتم تجميعها في قوالب فكرية غير معقدة يسهل تسويقها وهي ثقافة بلا مرجعية أخلاقية حيث يتم تقديم مفاهيم لا تحترم الإنسان وتحوله إلى سلعة رخيصة، الآن يتم توحيد الأفكار والأزياء والغناء وكل ما يتعلق بخصوصية المكان والزمان ومع مرور الوقت سيكون هنالك إنسان بلا أرض ولا هوية، إنسان بلا لغة وبلا دين. خطورة الأمر، أن هذا الإنسان الجديد يمكن السيطرة عليه وتوجيه أفكاره بمركزية مطلقة. ونلاحظ أن انتشار وسائل التواصل الإجتماعي غيرت طريقة التواصل بين الناس فليس هنالك معنا للغة الجسد واستخدام اللغة المباشر. بعد مدة سيحدث توحش لبعض الناس من فرط الكتابة والتواصل الافتراضي فيكون نمط الحياة بالنسبة للطالب والمعلم مثلا مبني على التواصل المفروض غير المستحب وستتحول مقاعد الدراسة إلى أماكن مملة وغير مرغوب فيها بالنسبة للبعض. كما أن هذا النوع من التواصل الافتراضي سيضعف حساسية اكتساب الخبرات المباشرة واللغة التعبيرية.
هل سياتي وقت يكون فيه وطن افتراضي يتيح لك حمل هويته ووثائقه الثبوتية؟
هذا الوضع يهدد منظومة الأخلاق في المجتمعات وذلك لأن كل مجموعة جديدة ستتألف مع بعضها وستكون لها معايير للخير والشر قد تختلف تماماً على المجموعات الأخرى وبهذا فمن الممكن أن يكون هنالك أفراد ينتمون لأسرة واحدة بل في نفس المنزل ولكن لديهم منظومة أخلاق مختلفة ومتباينة.
استطاعت القوى الساعية للسيطرة على المجتمعات وتغييرها تسويق فكرة أن العالم أصبح قرية صغيرة ولكن الواقع يقول بأن العالم اتسع أكثر ولم يضق، نعم أصبح صغيرا في تبادل المعلومة والاتصال ولكن اجتماعيا وثقافيا اتسع بشكل مفرط وهذا الترهل يمكن أن نقول فيه بأن العالم أصبح متناقضا وبلا حدود وبهويات تدميرية جديدة.

“نقلاً عن المجلة الثقافية الجزائرية”

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x