مقالات الرأي

الإنفصال

بقلم: آدم لوح

الإنفصال هو التخلي عن الشيء، أي قطع العلاقة مع الشيء المعني ، والشيء هذا له علاقة أو ربما هو جزءاً منه، وبموجبه قد يحصل على حل أو قد تقع في ازمة جديدة، فمثلاً في العلاقات الإجتماعية قد ينفصل الزوج عن زوجته عند حدوث مشكلة ما ولا سبيل في حلها إلا الطلاق ، وبنفس المنوال قد ينفصل المجتمع من مجتمع آخر والذي كان جزءاً منه سواءً كان الإنفصال نفسياً أم كيانياً أم جغرافياً، وفي كل الحالات تتفاوت تأثيراتها ، فنموزج الإنقسامات التي خلفلّها الإستعمار والتغييرات التي أصيبت بها البلدان المُستعمرة بمكوناتها الإجتماعية والجغرافية وقس على ذلك.
ان الإنفصال هو نتائج صراع بل وتفاقم الأزمات وتراكمها فهي غالباً ما تأتي في الخيار الأخير.
إفريقيا هي إحدى القارات التي لم تسلم من الإنفصال وذلك بسبب الإستعمارات والحروبات التي أصابتها منذ بداية الغزوات الإستعمارية و تلتها الحروبات الداخلية حتى الآن، فمثلاً:
السودان من الدول التي إنقسم إلى دويلات عديدة آخرها إنفصال جنوب السودان من شماله ،ويأسفني أن أقول إنفصال شعب جنوب السودان لأنني لا زلت مجروحاً أن ينفصل الشعب الواحد إلى شعوب، فكيف لا أشعر بجسمي وهي يبتر.
ذهب جنوب السودان بثرواته الغابية والبشرية والحيوانية والمعدنية، حيث مناخاته الخلابة وغاباته الإستوائية والكثير الكثير…
كلها نتائج حكومات الصفوة الإقصائية والإستبدادية الذين إنفردوا بحكم البلاد دون غيرهم أو حتى إستشارتهم عن نظام الحكم بعد رحيل المستعمر في ١٩٥٦، فأصبحوا هم وكلاء لذلك المستعمر يحلّون ما يحبون ويحرّمون ما لا يحبون ، بل جعلوا أنفسهم آلهة ينهون وياّمرون ويقتلون ويحيون متى، وكيف ما شاءوا بالرغم من المقاومات والإنتفاضات الشعبية السلمية والعسكرية، إلا أنها باءت بالفشل، فتتكررت حلقتهم الشريرة!.
هل إستقر شمال السودان وأنُعم شعبه وعاشوا في رفاهية وحياة كريمة بعد إنفصال جنوبه الذي كان النظام يحسبه إنه سبب الأزمة؟ ، بعد أن إحتفلوا ونحروا ثوراً أسوداً، ونعتوا الجنوبيين بألفاظ غير إنسانية، مثل(ذهب الجنوب بخموره)، (لن نعطيهم حبة بندول وعليهم أن يموتوا بالمرض) ؟! أم إزدادت الأزمة من سيئ إلى الأسوأ على الإطلاق في شماله، و نيران الحرب لم تنطفئ بعد، في دارفور وجبال النوبة/جنوب كرفان… بل الخرطوم تجاوب على هذا السؤال.
بهذا المنطلق تأكد أن الإنفصال لم يكن حلاً لإنهاء الأزمة السودانية، وإن كان تقرير المصير حق للشعب المنكوب، بل وحتى إن كان شرط من شروط الوحدة، وتاريخ السودان خير دليل.
إذاً لماذا تعلو الأصوات في ربوع السودان لإنهاء الأزمة بالانفصال؟ ، بالرغم من أنّ تجربة المجرب لا تأتي إلا بنفس النتائج؟
دعونا نستفيد من الدروس ، دعونا نعمل على إنهاء هذا النظام الذي قسّم السودانيبن إلى مسلم وغير مسلم، وأسود وغير أسود، وغرابة وشماليين، وكثير من المصطلحات العنصرية ، التي يجب أن نقوم بتغييرها بوحدتنا وعزيمتنا.
دعونا نفحص هذه العلة ومن ثم إيجاد دواءها الصحيح لضمان شفاءها.
إنّ خطورة هذه الأزمة أدت إلى إنفصال الشعب عن ذاته وتاريخه ،فقليل ما تجد من هو محباً لوطنه ، أرضه وشعبه، وغالباً ما تجدهم هاربون من بلادهم لينالوا جنسيات ثانوية من دول أخري، غرباء عن وطنهم الأصيل!.
ألم ينالوا حظاً من الرصيد المعرفي لتاريخ تلك الشعوب، وكيف كانوا وكيف بدأوا في بناء حضاراتهم ؟ أكانوا هاربين عن أوطانهم عقب عهدهم المظلم ؟ أم أنهم ناضلوا ووضعوا لبنة البناء لاجيالهم من تاريخ أجداهم؟!.
وا أسفاه على الشعب الهارب يموت غارقاً في المحيطات، وظمأً في الصحراء، بحثاً عن مأمن وحياة كريمة.
إنه إنفصال الشعب عن وطنهم بعد أن ذاقوا ويلاتها ومراراتها، وأغلبهم علماء وأطباء ومدرسين.
لقد فقدنا ثروة بشرية بالإمكان أن تكون رصيداً معرفياً، وإضافة حقيقية للوطن الذي يستحق، وليس لغيرهم بثمن ومقابل بخس.
لابد من الوحدة ومعرفة الأزمة ومن ثم علاجها، وبناء وطن يكون مرآة لكل شعبه.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x