مقالات الرأي

البلاد في مفترق طرق عقار ومناوي التائهان في دروب السلطة (4)



بقلم: الصادق علي حسن

تعدد الجيوش واختلاف العقائد :
كان للنظام البائد مشروعه لتوظيف الدعم السريع في مشروعاته العسكرية سواء في داخل البلاد أو خارجها مثل القوات العابرة إلى دولة اليمن ، وظلت هيئة محامي دارفور تنبه من خطورة ظاهرة تعدد الجيوش في البلاد ومآلاتها وظاهرة القوات العابرة لحدود الدولة السودانية لتحارب وكالة عن دولتي السعودية والإمارات في حربهما مع دولة اليمن ولخصت الهيئة رؤيتها وأمدت بها الأطراف السياسية ، وكان منطلقها ان العقيدة الموحدة التي تقوم عليها القوات المسلحة هي حماية البلاد ومواطنيها، وان تجربة النظام البائد أثرت في عقيدة الجيش السوداني كما وفي السابق ادمج النظام البائد ضمن عقيدة الجيش السوداني حماية المشروع الحضاري للنظام البائد والمؤسس على عقيدة سياسية لحزب المؤتمر الوطني وفي الظواهر قامت قيادتي الجيش االسابقة والحالية باصطناع جيوش بمسميات مختلفة كما في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان بخلاف جيوش الحركات المسلحة ، وفي تاريخ مبكر أسست قيادة الجيش السابقة قوات حرس الحدود بقيادة الزعيم الأهلي موسى هلال وبخروج موسى هلال عليها مغاضبا اسست قوات الدعم السريع والتي تطورت إلى قوة عسكرية بقانون صدر من المجلس التشريعي للنظام البائد في عام 2017، ومن الجيوش المصنوعة في ظل القيادة الحالية حركة تمازج كما وهنالك تجارب المراحيل الظاعنة في دارفور وكردفان سابقا والمجموعات العديدة التي ظلت بالسلطة من بقايا الحركات المسلحة مثل مجموعة دبجو ومجموعة الصادق فكة بولاية وسط دارفور، وفي جنوب كردفان هنالك من أمثال قوات كافي طيارة كما وهنالك جيوش بشرق السودان وإن احتفظت غالبيتها بنهجها المستقل وخصوصيتها ، لذلك ظل الدور المفقود القيام بتوحيد الجيوش في جيش وأحدة بعقيدة وأحدة، والإتجاه السليم ان هذا الجيش لا يتأسس على النمط التقليدي الأممي المعروف بالدمج والتسريح (DDR) ذلك ان تجارب الدمج والتسريح تقوم على إدماج المقاتلين ، المقاتلون في تجارب الدول والبلدان المتأثرة بالحروبات الداخلية حول قضايا مطلبية يسهل ادماج من بنتسبون إليها من جنود في عقيدة الجيش الواحد ولكن في تجارب الحالات السودانية يكون الإدماج لعدة عقائد وحالات مذهبية ولن تكون هنالك عقيدة وأحدة لجيش موحد بل بمثابة نقل التنازع لداخل القوات المسلحة، وظلت هيئة محامي دارفور تنبه لخطورة مآلات هذه الأوضاع بخاصة وقد تأثر الجيش نفسه في ظل عهدي البشير/الترابي بعقيدة مشروع النظام البائد السياسي ، كما وان مشروع الدعم السريع قد تأسس بجانب هدف إحلال دور سلاح مشاه الجيش السوداني لحماية قائدي الجيش السابق البشير وتطور لحماية قائده الحالي البرهان وظل في احشائه مشروع قائده الذاتي حميدتي لحكم البلاد ، وكانت هنالك فرصة تاريخية للحركات المسلحة لو كانت قد انتهزتها بصورة رشيدة لصارت لها دورها المفصلي الهام في تغيير المشهد العام في إتجاه التحول الديمقراطي ومن خلال التمسك بالعودة إلى وضع الجيش الموحد نفسه والذي سيتحقق بالعودة لوضع الجيش قبل إنقلاب النظام البائد عليه في 30 يونيو 89 بمؤسساته، والعمل على تعزيز دور المؤسسة العسكرية الموحدة حتى قيام الإنتخابات العامة وتشكيل حكومة منتخبة ومخولة من الشعب لمباشرة الإصلاح العسكري والأمني وإن كانت هذه الحركات المسلحة قد انتهجت ذلك النهج لأسست لركائز الإنتقال الديمقراطي السليم ولأسدت لجماهير الثورة من بعض الديون على عاتقها، والتي لولا جهود قوى الثورة وتضحيات شبابها لما عادت تلك الحركات وبتلك الصورة التي استقبلت بها كاستقبال الفاتحين ومن دون أي كلفة في الأرواح والمعدات، ولكن كانت تقديرات الحركات غير سليمة ومنها الأحتفاظ بأوضاعها العسكرية والاستثنائية كما هي وسعت لتقوية وتمتين جيوشها بالتحالف مع المكون العسكري واجتهدت لتصل وبندقيتها على أكتافها إلى الإنتخابات العامة لتضمن حصيلتها من نتائج الإنتخايات العامة كضمان حصيلتها من إتفاق جوبا ، أو لتظل في السلطة في كل متغيرات الأوضاع بمثل مشاركتها في إنقلاب الموز، ولم تضع هذه الحركات في اعتبارها ان الإحتفاظ بالجيوش والصرف عليها في حد ذاتها وفي ظل الأوضاع الاستثنائية سيكون على حساب تقوية اجهزتها المدنية، كما وإذا سارت الأمور بهكذا منوال كانت الحركات ستجد نفسها فجاءة أمام العملية الإنتخابية بجيوشها ولكن من دون اي برامج يمكن ان تطرحها خارج نطاقها الإجتماعي المحدود وبالتالي كانت ستحصر تنافسها الإنتخابي في دوائر إنتخابية محددة، وهنا مكمن بداية خسارتها للعملية السياسية ولأوضاعها في ظل أي ظروف مستقرة قادمة لا محالة .
دعوة مناوي لتجنيد المدنيين :
الباحث في تجربة مناوي منذ توليه لمنصب حاكم إقليم دارفور بموجب إتفاق جوبا انه لم يتمكن من تقديم نفسه كحاكم يتمتع بقدرات المدرك لقضايا الإقليم والمركز ، وذلك أيضا قد تكون لقدرات مستشاريه ،وظلت الصور الغالبة المتداولة في الوسائط وأجهزة الإعلام لمناوي وهو الخلط حتى في إيراد الأسماء ،والخلط حينما يرتبط بإسم رئيس الدولة نفسه (عبد الفتاح البرهان)، ففي مثل ذلك النوع من الخلط الذي ينتقص من المقام الأعتباري للحاكم ويجعله عرضة للتندر، ومن الأفضل لمستشاريه الإهتمام بمثل هذه الأخطاء الشائعة التي ظلت متكررة لدى مناوي والتي تشير لعدم التركيز أو الإنتباهة، حتى وصل به الخلط للأخطاء الكبرى بمثل دعوته للمواطنين لحمل السلاح في إقليم دارفور للدفاع انفسهم .
نتائج دعوة مناوي للمواطنين لحمل السلاح :
في النظم الحديثة ان الدولة هي من تحتكر ادوات العنف ،واحتكار الدولة للعنف هي من ابرز سمات النظم الحاكمة وسيطرتها التامة على مقاليد السلطة ، فإذا فقدت الدولة وجود لأجهزة موحدة لقرارها أو على الأقل تقوم بالتنسيق فيما بينها ستعم الفوضى كل أرجاء البلاد .
وفي ظروف وأوضاع الدولة الحالية حيث الحروبات العبثية الدائرة بين قوتين عسكرتين من قواتها لدرجة إعلان بعض مكوناتها الحاكمة والعسكرية الحياد وهي في قمم أجهزة الدولة السيادية والحكم ، مما يكشف عن عدم وجود لقيادة واحدة تمثل مرجعية وأحدة للدولة، وفي ظل تعدد القيادات ومراكز أدوات احتكار العنف داخل الدولة وفي ظل خطورة هذه الأوضاع فان دعوة المواطن العادي لحمل السلاح والتي اصدرها حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي ، من نتائج هذه الدعوة السالبة سيترسخ في ذهن المواطن العادي انه لا وجود لأجهزة الدولة بالمركز ولا بإقليم دارفور ، كما ولا توجد جهة تحتكر العنف في الدولة بدليل ترك الحاكم لمسؤولية حماية الدولة للمواطنين للمواطن نفسه ، لا شك ان المواطن العادي في مثل ظروف الدولة الحالية في الخرطوم أو ولايات دارفور أو غيرها يمارس حقه في الدفاع الشرعي عن نفسه وعرضه وماله من تلقاء نفسه بحسب مسوغات ومبررات حالات الدفاع الشرعي ، ولكن في مثل دعوة الحاكم مناوي ونتائجها الأمور تختلف كثيرا، فالدعوات الرسمية من قيادة مؤسسات الدولة المناط بها مسؤولية حماية الدولة والمواطنين بمثابة الإعلان عن التخلي عن المسؤولية وإظهار عدم القدرة وإسباغ المشروعية على اي أنشطة لتكوين المجموعات المسلحة تحت غطاء حماية المواطنين لحمل السلاح وممارسة العنف بحسب رؤيتها الذاتية وتقديراتها ،كما وفي ظروف دارفور سيكون السماح للمواطنين بحمل السلاح المدخل ليتجاوز نطاق المواطن العادي ويصل تقنين حمله للمجموعات العشائرية والقبلية وأصلا التكوينات العشائرية والقبلية في دارفور غالبيتها جاهزة ولديها السلاح ومثل هذه الدعوة بمثابة ممارسة المجموعات الأهلية للعنف الممنهج تحت غطاء حماية المواطن .
السيناريو القادم :
ولايتي وسط وغرب دارفور ومنذ حوالي ثلاثة أسابيع في حصار غير معلن، وهذا الأسبوع تمكنت قوات الدعم السريع من نقل عملياتها الحربية إلى حامية محلية كتم بولاية شمال دارفور، والسيناريو ان يترك الجيش المسؤوليات العسكرية بولايات دارفور للحركات المسلحة وهنا لن تستطيع الحركات المسلحة التمسك بحياد الموقف خاصة وقد تأسست لهذه الحركات قوة مشتركة منها لمهمة حماية المواطنين ،ومن المتوقع لمثل هذه الخطوة ان تزيد من رقعة الأعمال العسكرية في دارفور من بعد السودان ، وقد لا تنتهي الحرب أو ترتبط بحميدتي أوشقيقه عبد الرحيم ، ولا تزال الحرب في شهرها الثاني برزت قيادات للدعم السريع قد تمثل المرحلة القادمة للدعم السريع في ظروفها الجديدة بعد فقدناها للسلطة، وقد ظهرت منها الآن بصورة وأضحة يوسف عزت المستشار السياسي لقائد الدعم السريع كما وهنالك قيادات اخرى ستتبلور اسمائها في الظروف والأوضاع الإستثنائية القادمة كما وستبرز مراكز قوى محلية ، فالراجح ان المجموعات التي حاولت السيطرة على حاميتي الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور وإن كانت على علاقة بالدعم السريع إلا ان لهما مراكز قرارهما المستقل وبالقدر الكافي ، هذه المراكز الحالية ومراكز القوى الناشئة في ظل الأوضاع القادمة ستتجه لإستقطاب المجموعات المتمرسة على حروبات المناطق الممتدة والمتاخمة للصحراء الكبرى كما حدث في تجربة ليبيا ، لذلك كانت دعوة مناوي من الأخطاء الفادحة وعليه ان يسعى في التصحيح ، ففي ظل هذه الظروف لا توجد مآخذ على القائمين بشأن إدارة الدولة من ممارسة التنبيه للمواطنين حول ضرورات الحفاظ على سلامة انفسهم وممتلكاتهم وامكانية التقيد بحدود الدفاع الشرعي عن النفس والمال والعرض ولكن ليس على سبيل الدعوة المفتوحة .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x