مقالات الرأي

البلاد في مفترق طرق عقار ومناوي التائهان في دروب السلطة (2)


بقلم : الصادق علي حسن

مفاوضات جدة :
اي مفاوضات أو جهود سواء ان كانت داخلية أو خارجية في مثل هكذا الظروف والأوضاع الحالية بالسودان ومن أجل الوقف الفوري للحرب ، بلا شك ستجد التأييد الكامل لإيقاف الحرب العبثية، ولكن المفاوضات مثل مفاوضات جدة تحتاج إلى إعادة نظر وحصرها في إطار وقف الحرب من دون محاولة تطويرها لإنشاء مراكز تفاوضية لن تصلح لإنتاج الحلول المستدامة لأزمات البلاد السياسية بل قد تساهم في تعقيدها ، ومن الأجدى حصر اي تفاوض في وقف الحرب العبثية الجارية ونتائجها المدمرة ومن جانب آخر التسهيل للسودانيين لبحث قضاياهم بأنفسهم ويا حبذا من داخل السودان إذا أمكن ذلك أو من خلال آلية الإتحاد الإفريقي باعتبار ان السودان عضوا في الإتحاد الأفريقي وتسوية مثل هذه المشاكل والحروب الداخلية للدول الأعضاء تندرج ضمن مهام الإتحاد الأفريقي. عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة وعزل البشير اضاعت قوى الحرية والتغيير وهي ذاتها القوى المدنية الموقعة على الإتفاق الإطاري الفرصة الذهبية لإستعادة الوضع الدستوري المُنقلب عليه في 30 يونيو 89 وكان يمكن ومن دون عناء التأسيس السليم عليه بمجرد إستعادته إجرائيا ، ولكن بدلا عن مسار الإتجاه السليم خرجت عنه وأخرجت البلاد عن المسار السليم لإستعادة الحياة الدستورية للبلاد ، وقامت بإنتاج وثيقة دستورية معيبة كرست بها للأزمات والمشكلات التي تعيشها البلاد حاليا والتي بدأت بمنح الجيش والدعم السريع مشروعية ممارسة المهام الدستورية والسياسية ثم قننت للمحاصصات السلطوية من خلال إتفاق جوبا ، هذه الأوضاع شجعت على الإنقسامات وتكاثرت الحركات المسلحة وتوالدت ، ولم تكن اطراف مكونات السلطة بشقيها المدني والعسكري حريصة على العملية الإنتخابية نفسها ، وقد شارفت الفترة الأولى المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية على الإنقضاء ، لم يتم التفكير مجرد التفكير في دراسة أوضاع اللأجئين والنازحين وإجراء الإحصاء السكاني لتقسيم الدوائر الإنتخابية ، وانشغل المكون المدني فيما بينه خفية في صراعات من سيؤول إليه رئاسة مجلس السيادة من المدنيين وفي استبدال المدنيين انفسهم بآخرين وبرزت الإستقطابات ، وظلت اصابع المكون العسكري تتلاعب بهذا المكون المدني وقوى الحرية والتغيير حتى صدور قرارات البرهان في 25 أكتوبر 2021 بالإنقلاب عليهما، والآن لا توجد تكوينات مدنية حقيقية ، ذات نخب الغرف المغلقة منتظرة انقشاع الحرب لتحمل حقائبها وتوعود بها إلى صدارة المشهد السياسي ،وأما الحركات المسلحة المنضوية للسلطة بموجب إتفاق سلام جوبا ، هنالك الحركتان الرئيسيتان بقيادة الحلو وعبد الواحد ممتنعتان عن قبول العملية السياسية ، كما وهنالك اعدادا اخرى من لأفتات مرفوعة بإسم وشعارات الحركات المسلحة في رصيف الإنتظار، وأربع عشر حركة مسلحة بمسمى المسار الوطني سبق لها ان وقعت على إتفاق ميامي عاصمة دولة النيجر برعاية دولية، وقد صار تكوين الحركات المسلحة هدفا لكل متطلع إلى السلطة والثروة بأقصر السبل وايسرها ، كما ولم تعد هنالك اي إهتمام بالشعارات المرفوعة لدى حملة هذه اللافتات المرفوعة بإسم الحركات المسلحة والتي ما ان تصل إلى السلطة إلا وتترك شعاراتها جانبا على الرصيف فتحملها غيرها، وتظل معاناة المواطن مستمرة وتتوالد حركات جديدة بذات الشعارات التي اوصلت غيرها إلى السلطة ومواقع المال والثراء والوجاهة السياسية. والآن الدولة نفسها لم تعد موجودة في اذهان المواطنين ، والضرورة تتطلب إستعادة الدولة أولا في اذهان المواطنين ثم النظر حول كيفية الإتفاق على إدارتها وحكمها وهذا الشأن لا يقوم به إلا السودانيين انفسهم ،ولن تتحقق هذه الإستعادة لا في جدة ولا في غيرها ، كما وعقب الحرب لن يكون المواطن خاضعا كما كان حاله في السابق ولن يركن لحكم الأمر الواقع وسيبرز صوته ويعلن عن موقفه بعد ان تذوق مرارات الحرب .
إستعادة الدولة:
مع ان إستعادة الدولة لن تتم من خلال منابر التفاوض بل من خلال مرجعية الدولة التأسيسية ،هذا الدور يتطلب العمل القاعدي وبخاصة وسط لجان المقاومة ، وإذا لم يتم توظيف الفرصة الحالية بالعودة للمسار الصحيح ، قد لا تأتى فرصة أخرى مواتية فتعاني البلاد من استفحال المشكلات وتدخل في أتون الفوضى الشاملة .
تناقضات عقار :
مع ان منصب وجود نائب رئيس مجلس السيادة ليس له اي سند في الوثيقة الدستورية المعيبة وتولاه حميدتي بوضع اليد والنفوذ سابقا، من المؤكد ان مالك عقار ليس له الطرح لتوظيف هذا المنصب بمهامه المبهمة في قضايا إستعادة الحياة الدستورية للبلاد، وعقار نفسه كتب عقب تعينه بإنه ليس مع احد الطرفين المتحاربين مما يعني انه يتعامل مع اجهزة الدولة ومنصبه الذي تولاه بفهم ان ذلك ناتج لقسمة محاصصة وليس من خلال قناعته بوجود أجهزة لنظم دولة محترمة بتبعاتها الملزمة على الحاكم والمحكوم .
عقار يرى الحرب بعينيه هاتين:
حينما برزت نتائج بعض المشكلات المفتعلة بواسطة المكون العسكري في عهد د.حمدوك وتم اغلاق الشرق أكثر من مرة ،وكانت مكونات قوى حكومة د حمدوك بلا برامج أو خطط وأضحة، في هيئة محامي دارفور ذهبنا إلى د .حمدوك وجلسنا معه عدة مرات، ونقلنا له ولغيره من قوى الحرية والتغيير بان الهيئة ترى ان التأسيس الدستوري السليم لن يتحقق إلا بالرجوع إلى الوضع الدستوري المُنقلب عليه بواسطة البشير في يونيو 89، ولكن الهيئة مجبرة بحكم الأمر الواقع للعمل في ظل أي وضع مع الإحتفاظ بالرأي ، وحتى لا يُطاح بالوضع المدني غير الدستوري ليتم التصحيح لذات الوضع الدستوري المعيب ، ثم ذهبنا إلى السيد مالك عقار في القصر الجمهوري وتحدثنا معه حول عدم التزام المكون العسكري بالوضع القائم على الرغم من عدم سلامته، وإن البلاد ستدخل في حروبات طاحنة وعددنا له اسبابها ،وبعد ان استمع إلى وفد الهيئة المكون من خمسة أشخاص وبحضور الأمينة العام لحركته الأستاذة سلوى آدم بنية فاجأنا بالقول بان الحرب وأقعة وأقعة ، وبأقرب مما نرى نحن أو نتوقع ، كما وهو يرأها بعنيه هاتين ، ومن عندو جبل فليستعد للذهاب لجبله ،ومن عندو غابة فليستعد للذهاب لغابته، ومن هو في السهلة فليبحث له عن جُحَر، وقال انه تجاوز السبعين من عمره كما هو في جنوب الخرطوم والخروج منه سهل ، كانت اقوال عقار ومن داخل مكتبه بالقصر الجمهوري محبطة جدا، الرجل الذي قاتل لسنوات طويلة وهو يحمل شعارات تحقيق الديمقراطية والحريات، ينظر لقضايا البلاد من داخل القصر الجمهوري الذي مهد لدخوله إليه ثورة شعبية عظيمة وشباب قدموا أرواحهم تضحية وبنكران الذات ،ليعتلي منصبه الرفيع، صارت نظرته من خلال المتبقي من عمره ، نأمل ان لا يكون وجوده الآن في منصب نائب البرهان بذات النظرة السابقة ، وإذا كان في ذات مربعه القديم ولم يتحرك منه إلى الأمام ، لن يكون فاعلا أو مهموما بمآلات الأوضاع الكارثية بالبلاد إلا في حدود رؤيته المحدودة وعمره المحدود .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x