مقالات الرأي

الصحة والتعليم في البادية….!!

بقلم: علي محمد كُبُر العالم

سأتناول تحت هذا العنوان: الصحة والتعليم في البادية، والبادية هنا أشير بها للعرب الرحل الذين يتنقلون بمواشيهم في رحلتين مختلفتين صيفاً وخريفاً.

ففي موسم الصيف يتجهون نحو الجنوب حيث الماء والكلأ لمواشيهم فيستقرون في أماكن يسمونها (المصايف)، وعند بداية الرشاش (بداية الخريف) يتحركون منها إلى أماكن أخرى، ولكنها ليست بالبعيدة عن المصايف، إذ أنها بالجنوب أيضا ليرششوا بها وعند زيادة المطر يعودوا متجهين شمالاً نحو رحلة أخرى يسمونها (المنشاق ) …فالرحلة الأولى ليست قصيرة؛إنما تبدأ من بداية موسم الدّرت (الحصاد)، بعد أن تهب الرياح الشديدة وتجف النباتات ويتجه المزارعون إلى حصاد محاصيلهم، والتي تبشر بانتهاء موسم الخريف ودخول الصيف. فيرحلون بوسائل نقلهم المعروفة من جمال، وحمير، وثيران…قبل انتهاء الماء ليصلوا لمكان المصيف. وفترة المصيف حوالي ثلاثة إلى أربعة أشهر، ومن ثم الرشاشية ومن ثم يعودون في رحلة أخرى يسمونها المنشاق في الخريف…

البادية التي أتحدث عنها تلك التي تتبع المرحال الغربي بولاية شرق دارفور الذي ينتهي إلى( كدكدي ) تلك الحدود المعروفة لدى الجميع من أهل البادية ،والعريفين ،ورجالات الإدارة الأهلية….والحيوانات التي يربونها هي :البقر ،الماعز،الضأن.

الأسواق البارزة التي يمر المرحال بالقرب منها ويستفيد منها الرحل هي: فنقا الركين وأبو سنيدرة والفردوس وعسلاية وصولاً إلى سوق بليل بالقرب من مدينة نيالا، فيستقرون بالمخارف..وهناك أسواق أخرى صيفية.

فإلى شطر عنواننا الأول الصحة:
يعاني إنسان دارفور عموماً وإنسان البادية والريف خصوصاً من مشاكل عديدة منها مسألة الصحة إذ لا تتوفر مشافي صحية إنما هناك شفخانات قديمة بنيت في عهد الإنجليز ولم يتم تطويرها في أغلب المناطق سالفة الذكر، مما جعل إنسان تلك المناطق أكثر حوجةً للرعاية الصحية، فإن أقرب مكان به مستشفى وبه أطباء مدربون هي الضعين عاصمة الولاية، رغم أنها تعاني من التدهور في المستشفيات وعدم وجود الأجهزة الحديثة ونقص الكادر والأدوية الضرورية إلا إنها أفضل حالاً من البادية.
اما الأسواق الأسبوعية بها شفخانات ولكنها تعاني من نقص الكادر المدرب، اما إنسان البادية في حله وترحاله، لم يسمع بالمراكز الصحية والعلاج الذي يكشف له بواسطة أجهزة كشف متخصصة، لأنهم عندما يذهبون في رحلة الصيف لا توفر لهم مراكز صحية قريبة من أماكن تجمعهم بالمصايف مع العلم أعدادهم ليست بالقليلة، وهذه الحالة يعاني منها غالب مجتمع البادية في كل السودان، ففي حال مرض أحدهم يبحثون عن علاج بلدي وفي الغالب يستخدمون ذلك العلاج حتى تتأخر حالته وعندما تشتد الحالة يبحثون عن طريقة لإيصاله للمدينة التي تبعد عنهم مسافة ليست بالقصيرة، فيأتون به للمحطة ومن ثم ينتظرون اللواري القادمة من المدينة التي تحمل بعض الاحيتاجات الأساسية، وأصعب الأوضاع عندما تتوجع امرأة للوضوع فتلك حالة تجعل والد أو زوج المرأة في حالة يرثى لها،ولكنه ليس بيده شيء غير الدعاء لها مع الاستعانة بشيخ للعزيمة لها ليتسهل عليها الوضوع (الولادة) ، فإذا تسهل الأمر ووضعت بالطريقة التقليدية(الحبل)فيسعد الجميع بقدوم الفارس او الفارسة الجديدة .والسعيدة من نساء البادية تلك التي تضع مولودها دون حدوث أي مضاعفات ،سواء للأم أو الطفل، فإن
القصور في جانب الصحة متعلق بالدولة لأنها لم توفر لهم مراكز صحية مثلهم مثل باقي الشعب رغم قلة المرافق الصحية أيضا في المدن…دولة لا تعرف الرحل إلا عندما تحتاج لجمع الجباية تأتي إليهم في المصايف لتأخذ منهم الجباية. والشخص الذي لم يدفع ترابط له الحكومة في الأسواق عبر مناديب تعينهم في الزريبة أو المنامة . ويأخذون منه الأموال التي يطلبونها سنويا سواء زكاة او ضرائب أو تنمية، ولكن لا تقدم له أي خدمة مقابل ما يدفعه في حين أن مجتمع البادية يسهم في دفع عجلة الاقتصاد بالسودان.
الحل لهذه المشكلة في رأي على الدولة أن تقوم بدورها تجاه اولئك الناس وتوفر مراكز ومرافق صحية مع تدريب قابلات من نفس المجتمع، تدريباً يجعلهن يساعدن الأخريات في وقت الحوجة، وإنشاء مراكز صحية في الأسواق التي يتسوقون بها لشراء احتياجاتهم ومستشفيات حديثة في القرى التي يتجمعون بها وتسمى(الحلة).

أما الجزء الأخير من العنوان وهو التعليم:
يعتمد سكان البادية على التعليم الديني في الخلاوي ،وهي غير متوفرة إذ يرسلون أبنائهم لشمال السودان ووسطه وغربه وكردفان ليحفظوا القرآن، والذي يحفظ القرآن يحتفل به أهله بإعلان مناسبة كبرى تتم فيها دعوة الأهل والجيران وتذبح فيها الذبائح. ويلتحق بمجتمعه ويمارس مهنة آبائه وأجداده .عدا قلة قليلة تواصل تعليمها وتسهم في تطوير المجتمع .أما التعليم المدرسي فاختفت مدارس الرحل عن الأنظار خاصة في عهد حكومة الإنقاذ تلك المدارس رغم قلتها آنذاك إلا أن وجودها كان مهماً، ولكنها للأسف اختفت وليتها لم تختفي.
فاذكر أني درست الصف الأول ابتدائي بمدرسة مشيش الابتدائية وكان معلمي هو الاستاذ/ يحي… طال الزمن فلم أتذكر غير اسمه الأول ولكن ملاحمه لم تبارح ذاكرتي فكان رجل طويل القامة يرتدي دائما الجلابية البيضاء مع العمة والمركوب وكان أنيقاً، وقد جاء من مدينة ربك، هذا ما أتذكره عنه، فقد كان طيباً وبشوشاً، يأتينا عند المصيف (بالعد المسمى مشيش ) فيجتمع الأباء ويبنون الرواكيب (ثلاثة رواكيب)واحدة للمعلم واثنان للتلاميذ ويتكفلون بمنصرفات المعلم عبر لجنة كان من ضمن عضويتها الخال آدم على (آدم دقل) رحمة ربي تغشاه…وكنا نأتي راكبين على ظهور الحمير من مناطق بعيدة من مكان المدرسة إذ تكون المنازل بعيدة من (العد بكسر العين وكسر الدال مع تشديدها ) إذ بالعد القهاوي والمطاعم التقليدية (مركز) لأن به شارع تعبر به العربات إلى جنوب السودان وبالتحديد مدينة راجا عندما كان السودان موحداً، ولكن الآن تتبع لدولة جنوب السودان، فإختفت المدرسة من مشيش ولكني ما زلت أحفظ مكانها واتذكر بعض زملائي بالصف الأول مع العلم كان ذلك في العام ١٩٩٧م.

اختفت المدارس والحكومة هي التي أوقفتها، ولم تأسس مدارس تستوعب أبناء الرحل، إنما تركت الآلاف من الأطفال للفاقد التربوي ، ولا تتاح لهم فرصة التعليم فيعشيون كحال آبائهم، فيتربون على الفروسية والشدة التي يحتاجها الإنسان في ذاك المكان .

قضية تعليم الرحل قضية تحتاج لوقفة من الجميع وعبر هذه الزاوية أناشد حكومة السودان وحكومة ولاية شرق دارفور إن كانت هناك حكومة أن تسعى جاهدة للمساهمة في علاج هذه المشكلة والحل ليس صعباً، إذ بالإمكان العودة لنظام الداخليات.
والحلول في نظري كثيرة وأولها توفير مدارس تترحل كما كانت سابقاً، تصلهم في المصايف مع تحفيز للمعلم الذي يعمل بتلك المدارس، لتصبح جاذبة.
أيضا لابد من بناء مدارس في الأماكن التي تعبر بها المراحيل صيفاً وخريفاً، مع داخليات لسكن الطلاب .

أيضا توعية الرحل بأهمية التعليم، وذلك بإرسال فرق توعوية تصل الناس في مناشقهم ومصايفهم.

أيضا لابد من إلزامية التعليم ومجانيته، إذ يكون إلزامياً لكل طفل وصل سن المدرسة، وهذا ليس عند الرحل فقط إنما في كل السودان .مدنه وأريافه.

رسالة لمنظمات المجتمع المدني المحلية والمنظمات العالمية:
أناشدكم بالسعي الجاد والمساهمة في إنشاء مدارس لهؤلاء القوم، لنضمن دمج شريحة مهمة من شرائح المجتمع .

رسالة أخيرة في بريد الحكومة:

عليكم بالإهتمام بالصحة والتعليم، وهذا ما يجب أن تفكر فيه كل حكومة تريد أن تخدم شعبها، لأنه بالتعليم تنهض الأمم وترتقي. والتعليم المجاني والعلاج المجاني غاية يتمناها كل مواطن سوداني، فأين دور الحكومات المتعاقبة على كراسي السلطة منذ خروج المستعمر وإلى يومنا هذا ؟!!

أملنا أن تتحسن الأوضاع في السودان ونبني وطناً يسعنا جميعاً، فهذه الأرض واسعة إذا فكرنا تفكيراً سليماً وتركنا الأنانية وحب الذات وسياسة التفرقة، فإذا خططنا تخطيطاً سليماً سنعيش سعداء في وطننا العظيم.

١٧ يناير ٢٠٢٣م

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Asim
Asim
1 سنة

لقدام ي رفقة

زر الذهاب إلى الأعلى
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x