مقالات الرأي

القانون الجنائى السوداني كأداة لتصفية المعارضين سياسياً

بقلم: الأستاذ/ عبد الباسط محمد الحاج المحامي

من المعلوم تماماً لدي كل الفاعلين الإجتماعيين أو حتى المواطنين البسطاء ، أن القانون من المفترض إنه يمثل القيم العليا التي تنظم حياة الأفراد ، ويُحتكم إليها وتنال إحترامهم نتيجة إيمانهم العميق في الحوجة إلي التعايش سواء ، فالنسق الذي يضبط تصرفاتهم ومعاملاتهم اليومية ، يستند علي مرجعية في كل خلافاتهم داخل الدولة التى تمثل الوعاء الجامع لأفراها عبر مؤسسات تحكم تصرفاتهم في إطار محدد ، وأي تجاوز يعتبر خرقاً للقانون، وأي تصرف يجرمه القانون وفقاً للمعايير الإجتماعية والثقافية والعرفية ، وبما يتوافق مع ميزان الإخلاق كمستوى متفق عليه ذو طبيعة إنسانية صرفة، تتجسد في التعايش السلمى بطبيعته مع الآخر دونما إنتهاك لحقوقة وحرماته.

إن القانون الجنائي بطبيعته يهتم بجانب الإنتهاكات التي تقع علي الأفراد والجماعات إبتداءًا من الجرائم المعنوية وليس إنتهاءًا بالجرائم التي تمس النفس ، ويندرج تحتها مجموع تصرفات تشكل أو تسبب ضرراً للغير ، علي ذات الوتيرة فإن المفهوم العام يقوم علي أساس أن كل التصرفات مباحة مبدئياً، إلي أن يجرمها نص محدد في القانون.
وبما أن كل التصرفات مباحة فإنه لأي جريمة مبرر يقوم علي حماية المصالح الإجتماعية ووفقاً لأسباب موضوعية ترتبط بطبيعة المجتمع والتجربة والتأريخية ، ونمط التعايش ، ومستوي إحترام الآخر المختلف ، وذلك بسن نصوص تشكل فيما بعد قانوناً ينال إحترام الجميع.

إن القانون الجنائي السوداني الذي سُنّ في العام 1991 بعد إنقلاب حكومة الإنقاذ بعام ونيف ، لم يكن الهدف الأساسي منه حماية المصالح الإجتماعية كما ذكرنا آنفاً ، لأن هذا النظام قد وصل للسلطة عن طريق الإنقلاب العسكرى ، بمعنيإانه وصل بطرق غير ديمقراطية ، ومغتصباً لإرادة الشعب الذي تم قهره فيما بعد ، وقد قُوبل بالرفض والإستهجان ، وهذه العوامل جعلت النظام الإنقلابي يستخدم القانون كأداة من أدوات البطش والتنكيل ، وقد وضع النظام تلك النصوص التجريمية حتي يتمكن من شرعنة ممارسة العنف والقهر تجاه المعارضين له ، وتصفية الخصوم السياسيين ، ويتمظهر ذلك من خلال إستقراء نصوص القانون الجنائي السوداني في كلا الجانبين “الموضوعي ، الإجرائي” عبر هذه الآداة التجريمية التي صنعوها لأنفسهم ، وجوزوا لأنفسهم ممارسة أبشع الجرائم بإسم تطبيق القانون ، ولكن الهدف وراء هذه النصوص هو إخضاع المعارضين وتخويفهم والحد من نشاطاتهم ، ومحاولة فرض مشروعه الشمولى عبر ما يسمونه بالقانون ، بإتباع أسلوب الدولة البوليسية التى تستخدم سياسيات التخوين وإشهار سيوفهم الباطشة في وجوه كل الذين يفكرون في إسقاط النظام ، علي الرغم من أن هذه الحقوق مشروعه تكفلها المعاهدات والإتفاقيات الدولية.

إن الفكرة الأساسية التي سلك طريقها النظام هي أسلوب قتل كل الأفكار والأحزاب التى لا تتوافق ومشروعه الشمولي ، وفرض دولة نظام الحزب الواحد ، دونما لأدني إعتراف بحق الإختلاف والتعدد الحزبي والبرامجي.

تم تفصيل هذا القانون بالحجم الذي يتسع لهم لممارسة بطشهم وطغيانهم للنيل من كل من يختلف معهم بالوسيلة التي أضحت ذريعة يتخللون عبرها بنصوصهم حتي لا يفلت كل من يترصدونه ، ويتجلي ذلك عبر النصوص المفتوحة التي لا تستند إلي أركان بل مفتوحة ، وضمن هذه النصوص نجد هنالك باباً قد خصص بأسم ” الجرائم الموجهة ضد الدولة ” وفي هذا الباب نجد إنهم قد قيدوا حتي حرية التعبير السلمي تحت مسمي”الشغب” وصولاً إلي تجريم مجرد التفكير في معارضة النظام ، حيث يشكل جريمة يُعاقب عليها ، وقد تصل العقوبة إلي “الإعدام ” ، ولذلك جعلوها مفتوحةً ليمارسوا عبرها أفاعيلهم اللإنسانية وحتي لا يفلت كل يقع بين فكي ” القانون ، وجهاز الأمن “.

أيضاً إستخدم النظام أسلوب التخوين والتجسس والإرتزاق والعمالة تحت مسمي ” المصلحة الوطنية والحفاظ علي الأمن ، ويا له من أمن !!
ومن خلال هذا الأسلوب قد إعتبروا كل من يعارضهم فهو خائن ومرتزق وعميل يجب التخلص منه بإسم تطبيق القانون ، وهذا بخلاف الذين تم قتلهم دون محاكمات عادلة ، أو الذين لازالوا في غياهب السجون دون محاكمات.

في حقيقة الأمر فإن الموضوع الذي أمامنا ليس بقانون ولا يتصل بصلة للفهم الموضوعي للقانون ، ولا هذه الدولة دولة قانون حتى تعتبر كذلك ، فإن الذي أمامنا هو عبارة عن نصوص تقنن العنف والإنتهاكات التى يمارسها نظام المؤتمر الوطنى لإرهاب المواطن السودانى ، وعلي الأقل محاولة ترسيخ في الوعي الجمعي للمواطن بأن ما يتم تطبيقه هو قانون يجب إحترامه وعدم مخالفته حتى يتثنى لهم المحافظة علي سلطتهم لأطول فترة ممكنة .

كما أن التاريخ يروي لنا قصصاً ومآسي محاكم التفتيش في العصور المظلمة في أوربا مروراً بكل التجارب الباطشة والمتسلطة التى مرت علي طول وعرض الكرة الأرضية ، فلا زالت هنالك نماذجاً مماثلة لا تزال ترتكب ، وتنتهك حقوق الإنسان الطبيعية بصورة فظة ، وخير مثال “نظام الإنقاذ” وكل الأنظمة المستبدة الحالية التى تلتقي في نقطة واحدة ، وهي تصفية كل الخصوم السياسيين والمعارضين لها عن طريق سن قوانيين جائرة وباطشة لا تمت لأي معيار من الموضوعية بصلة ، وليست لها علاقة بالقيم الإنسانية العليا المتفق عليها عالمياً ، والمضمنة في ” الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ” و” العهدين الدوليين المتعلقان بالحقوق السياسية والمدنية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية “.

أخيراً … لا مناص من أن يكون القانون مصنوع من إرادة الشعب ، ومستنبط من قيمه وتنوعه ، وعنوانه الرضا التام عنه من قبل الجميع ، وإحترامه من حيث أنه قانون يحميهم ويحفظ لهم حقوقهم دونما أي إنتهاك ، ووفقاً للمعايير المتفق عليها دولياً.

عُدِّل في 14 فبراير 2022م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى