مقالات الرأي

الليبرالية: طريقاً للحرية والنماء


بقلم: عبد العزيز بشار ( أبطاقية )

مفهوم الليبرالية :

الليبرالية مثلها مثل الظواهر الفكرية التي تحمل دلالات مختلفة ولا يوجد إتفاق حول مفهوم محدد لها ، ويرجع السبب في صعوبة تحديد المفهوم لارتباطه بإشكالات تعاني منها أغلب مفاهيم العلوم الإجتماعية، ومع ذلك إشتق مصطلح الليبرالية من الكلمة اللاتينية (liber) أي حر، فهي نظام سياسي ظهر وتطور في إنجلترا منذ القرن السابع عشر، وكان من أبرز مفكريه ديفيد هيوم، وأدم سمث، وكانت دعوتهم لحرية الفكر، وحرية التجارة، وحرية الملكية الخاصة، أي الإيمان بإمكانية تحقيق الرفاه العالمي من خلال إطلاق القوى الطبيعية وتحريرها من القيود والثقة في قدرة الفرد على تحقيق سعادته الخاصة؛ وسعادة مجتمعه في آن واحد، فتأكد الموسوعة الفلسفية العربية أن جوهر الليبرالية تركز على أهمية الفرد وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والإستبداد، فهي ترفض التسلط بأنواعه لأن قيد الفرد يعتبر قيدا للجميع بإعتبار الفرد أساس لتكوين المجتمع.

تعريف الليبرالية:

الليبرالية هي نظرية محورها الإنسان وهي مستمدة من القانون الطبيعي، وهي تعني غياب القيود والتهديدات الخارجية على ما يرغب الفرد فعله، وان كانت حريته لابد أن تتم في إطار مراعاة حريات الآخرين.
وهي إطار يسمح بأقصى تفاعل إيجابي داخله بين كافة الاختلافات، وهو ما يتطلب على الأقل الاتفاق على حد أدنى بين كافة الأطراف، فهي ضد التعصب، ودعوة إلى الحرية وحقوق الإنسان والسلام.
الخلاصة لتعريف الليبرالية هي التركيز على أهمية الفرد وتحقيقه لرغباه في المجالات المختلفة، وهي تمثل نقطة إنطلاق في الفكر الليبرالي مع الضرورة لغياب كل أنواع السيطرة والاستبداد أياً كان مصدره، حيث يتم من خلال توفير الحريات السياسية والفكرية و
الشخصيةللفرد من خلال دستور يحدد واجباته ويمنحه حقوقه كاملة، مع وجود ديمقراطية حقيقية لتقترن الليبرالية والديمقراطية بتوفير الحريات، والإلتزام بالدستور الذي لابد أن يتضمن مدنية بحتة لتوفر حقوق وواجبات حسب المنظومة البشرية، فالفرد يمثل الغاية، ونظام الحكم الذي يحقق للفرد حياته وغاياته تمثل الوسيله.
ملحوظة:
(( تنتهي حريتك عندما تتعدى على حرية الآخر، أي عندما تتدخل في حق الآخر يعني أنك اعتديت أو ضريت الآخر فتحاسب..)).

لماذا ننادي بالليبرالية؟

نحن نعيش في مجتمع يسيطر عليه العقل الديني المتطرف الذي يود إن يغير مجرى الإسلام الحقيقي كدين للاعتناق ويحل محله الإسلام السياسي الذي يفضل حكم الدجل وتغيير مجريات الحياة العامة، فلم يكن للفرد دور فاعل داخل مجتمعه مثلما حدث في أوروبا
خلال عصور الظلام عندما سيطرت الكنيسة على حياة الناس وحرمت كل تفكير يخالف تقاليد الأبوية، هذا ما يحدث في مجتمعنا السوداني فالصفوية أصبحت سيد الموقف تأمر ما
تريد، وتمنع مالا تريد، مما أفرز ذلك الاضطهاد الديني والسياسي وانفجار حركات فكرية ثورية تحررية تناهض الكبت لتتيح الفرصة لعقل الإنسان السوداني ليفكر ما يقوده إلى بر الأمان، فالافكار الليبرالية تسعى إلى الإصلاح الجذري، وفي بعض الأوقات تؤدي إلى التغيير الإيجابي، لأن الأفكار الليبرالية متطورة تعارض السلطات المطلقة للحكم الدكتاتوري، وتنادي بالحكم الدستوري، ثم لاحقاً بالحكومات التمثيلية أو البرلمانية، ورفض الامتيازات السياسية والاقتصادية لدى الصفويين الموجودين في راس السلطة لتتبنى نظام فكري جديد وضعي يتفق فيه الجميع ويخدم المصالح العامة، وترك الأفكار الدينية السياسية المتطرفة التي تقود المجتمعات إلى دمار وهلاك(استاتيكية المجتمعات).

قيم الليبرالية:

الفرد : أن يسعى الفرد لتحقيق ذاته وتنمية قدراته هي الغرض الأساسي الذي يجب أن تسعى وراءها الدولة، فإن الليبرالية تسعى نحو استبعاد العوائق في طريق الفرد نحو تحقيق الأهداف.


الملكية : أي أن حق الملكية الفردية يدعم علاقة القوة والبقية بين الأفراد مما يفرغ مبدأ حق الأفراد في تطوير وتنمية قدراتهم.


المساواة : أي عدم تمييز أفراد داخل المجتمع، فكل واحد له الحق في الانتقال من طبقة إلى أخرى وفقا لقدرته وكفاءته، فالكل سواسية في الحقوق والواجبات دون تمييز ديني، عرقي، جنسي، نوعي، لوني، أو فكري.


الحرية: تُعد أهم قيمة في المجتمع الحر والدولة الحرة هما المقصد من وراء الليبرالية ولها شرطان :غياب القيود الخارجية على السلوك والذي يرعب فيه الفرد، وغياب التهديد الخارجي الذي لايمكن مقاومته.
أي عدم وجود قيود للفرد في ممارسة ما يرغب فيه وعدم وجود تهديدات يخشاها إذا ما أقدم على هذا الفعل على سبيل المثال حرية الانتماء الحزبي، والديني، والفكري، وحرية العقيدة، وجميع الحريات الفردية بشرط عدم الأضرار بالآخر.

فهنا الحكومة ليست أمرا طبيعيا وان كانت أمرا ضروريا، اما الطبيعي هو الحرية الإنسانية لأنها ليست مكتسبة ولا منحة من أحد كما يقول الليبراليون أن العقل البشري قادر وحده على تحديد شكل الحياة الأفضل له، كما تؤكد التسامح الديني والأخلاقي، واتساع الأفق، ورحاب الصدر، في تقبل الرأي الآخر.
فمن خلال هذه القيم فإن الليبرالية تعبر عن كون الإنسان إنسانا له الحقوق والواجبات، وان الكل سواء مهما اختلفت ايديولوجياتهم، وأفكارهم والوانهم، واعراقهم، واجناسهم، وان المرأة هي عماد المجتمع بجوار الرجل، قدم المساواة.
فحرية الفرد لا يعتدي على حرية الآخر، وان العدالة الاجتماعية هي التعبير الصادق الذي تصبو إليه الليبرالية.
أيضا من خلال قوى السوق التي يعود قيمتها على الفرد وعلى المجتمع ككل فالمواطن الذي ينشأ في جو من الحرية ويربى على احترام الآخرين والعناية بهم ويخيرهم في مصلحتهم، ويقابل بصدر رحب في الآراء المخالفة لمعتقداته هو القادر على حياة إنسانية رفيعة، فيكون الشخص قادر على الخلق والإبداع، وعلى تنمية ملكاته إلى أقصى حد لتساعد المجتمعات على التخلص من الصراعات والخلافات بالطرق السلمية، فكل مجتمع به اختلافات تستطيع القيم الليبرالية إطفاء الشرعية على الخلافات وايجاد حلول عن طريق الحوار، ونبذ العنف، وذلك من خلال مؤسسات تعمل على توسيع نطاق المشاركة السياسية وحماية الحريات وضمان التغيير السلمي من خلال الحراك الاجتماعي وإتاحة الفرص المتساوية، للجميع في الوصول إلى المناصب العليا وفق الكفاءة والقدرة المتوفرة لتجنب هذات العنف الاجتماعي والقضاء على كافة أشكال الفساد بأنواعها، والمحسوبية، وفتح الفرص في الوظائف للشباب لإنهاء البطالة والطبقية الاجتماعية؛ في ذهن الدولة وتداول السلطة ليتم تحقيق التنمية والرفاه، وتعيد الشعور بالاغتراب وعدم الانتماء وتحقيق العدالة يكون محورا بارزا في المجتمع السوداني لأحداث التغبير والتطور للوصول إلى مستقبل مشرق.
يجب أن يكون هناك تنسيق بين الحريات فيما بينها وبين القيم بما يؤدي لأكبر دعم يمكن وتحقيق العدالة.

ضرورة الحياد:
أود أن أقول إن الحوار واحترام التنوع الفكري والعيش المشترك والتسامح مع الآخر على أخلاق آرائه وتوجهاته وعرقه ودينه والاعتراف بحقوقه في الوجود والحرية والسعادة أشياء ضرورية.
يقوم النظام الليبرالي بالحياد تجاه الأديان وحمايتها، ويعمل على تعزيز مفهوم المواطنة ليعيش أفراد المجتمع على قدم المساواة في الدولة بغض النظر عن اختلافاتهم المختلفة والكثيرة، وهي لا تنادي بإلغاء الدين، أو محاربته ولكن ترفض زج الدين في المصالح الدنيوية لأن ذلك استغلال للمقدس.
فالليبرالية تؤمن بأن الإنسان هو ركيزة الحياة، وان الفكر الحر والحريات المسئولة هي قدر البشرية، وأساس ارتقاء قيمها وكرامتها وتبني انسان ذو إرادة حرة ومجتمع حر فمن دونها لن يكون هناك إبداع لأنها تنبئ بالعتق وتنادي بالعدالة الإنسانية المتجددة من هويات العنصرية الزائفة وتعيد للمرأة حقوقها في منظومة القيم المجتمعية والثقافية والإنسانية التي تدعو إلى البناء.

مسئولية الحرية:

الليبرالية تفرض المسئولية والأهلية العقلية لتحمل عاتق الحرية التي هي أصعب من الولادة داخل منظومة محكمة من العبودية الفكرية التي توفر ظاهريا التنصل من المسئولية الفردية التي تأتي مع الفردانية،لأنها ترمي على عاتق الإنسان الاختيار دون الرقابة الفكرية المشددة وإتاحة الفرصة لاتخاذ وتحمل عواقبها وتلك هي مسئولية الحرية.
كثيرون يتصورون بأن الحرية هي الإباحية الجنسية، أو تناول الخمور وخلق ازعاج داخل المجتمع، أو التدخين في الأماكن العامة، أو ارتكاب الجرائم والتصرف بطرق عشوائية حيثما شاءوا كالبهائم، أو التدخل في بيوت الآخرين والتغلغل في راحة الآخرين وغيرها من السلوك السيئة ولكن عكس ذلك، فالحرية تسمح للإنسان حق النشر لكل أفكاره والمعلومات وتداول المعرفة عبر الوسائل المتاحة وممارسة مالا يضر الأخر، أيضا توفر مناخ حر تتعرف على نفسك وتتقابل مع هويتك وتتحمل نتائج أفعالك في حال سبب ضرر للأخر، ثم تحمل عواقب الاختيار ومن ثم الإعتراف بالمسئولية، ولكن اختيار اي قيمة إنسانية أو أخلاقية في جو من الحرية هي البرهان والاختيار الحقيقي لجوهر حقيقتنا.
لقد قال القاضي الأمريكي الراحل يوتر استيوارت (إن الرقابة هي انعكاس عدم ثقة المجتمع في نفسه). وحجم المعلومات وتحجيم الأفكار وقمعها هي الحكم علينا اننا غير
مؤهلين للحرية لأننا لا نستطيع تحملها، هو حكم مسبق علينا بإعدام الأهلية العقلية من حجب الأفكار والمعلومات رقابيا لجعلنا أكثر عبودية للأفكار السائدة، المباركة بالحكومات الدكتاتورية.
فالتجربة والخطأ من أجل التطور وبالتالي النجاح، هي إحدى الاعمدة الأساسية التي يرتكز عليها الآخر المختلف دون تجريم الإختلاف، الصداقة صفات سلبية والآخر ليس الجحيم بل نعيم.
فالاختلاف ثراء ولكن في مجتمعنا ليس ذلك بل جريمة يجب تجنبه وبالرغم من أن الاختلاف دائما يجني الفوائد من خلال تعامل الناس فيما بينهم لأنها تضيف الأفكار والتعليم والتسامح والاحتمال في المنطق أكثر مما يتعامل الفرد بفكرة واحدة.
فالكراهية تولد الحروب وممارسة العنف، فغياب الكراهية يتيح الفرصة للشخص ليتعامل حتى مع معارضيه إ ن عبرو عن نفسهم بالطرق السلمية، فلماذا نحن لا نقبل ذلك، وإذا نظرت في الولايات المتحدة الأمريكية (عندما إنحني الرجل الأبيض أمام الرجل الأسود الذي استعبده وهو يعطيه مفتاح البيت الأبيض ليحكمه هز المشهد العالم فكان البطل الرجل الأسود الذي انتصر على القمع والعبودية) فلغة الفريقين تختلف حتما دون أن تختلف الأفكار، أو تختلف النفوس فتجد البعض يتكلمون بكلمات أكثر تقدما، وتجد الآخرون صامتون بعقولهم، ورؤيتهم وباخلاقهم عن جميع الأحداث.
فالقاعدة هنا هي الاختلاف والتنوع، والقضية هي قضية الإنسان وحريته في أن يفكر ويقرر ويمتلك، وهنا الليبرالية تحمي ذلك وتعطي كل فرد الحق في ممارسة حريته دون التعرض لحرية الآخرين، من التسلط والاستبداد الديني والسياسي، لأن الفرد هو الأساس لبناء القوانين التي يمكن أن تحمي حق كل فرد في العقيدة والفكر والجنس والتعلم والانتخابات ويكون ذلك في دولة ذات حكومة رشيدة تحترم حق المواطنة.

الليبرالية الاخلاقية:

يقول استيوارت ميل بأن العدالة (أهم جزء وأكثر قدسية وإلزام على الاطلاق في الأخلاق كلها).
بينما جون لوك يذهب إلى( أن حقوق الإنسان الطبيعية هي أقوى من يبذلها اي نظام سياسي مهما كانت).
فمبادئ الحق مشتقة من الخير بصورة مستقلة وهذا يعني أن مبادئ العدالة عكس الأوامر والنواهي العملية الأخرى كما أن الحق من حيث هو مستقل بقيد الخير ويرسم له حدوده.
يقول كانط (للناس تصورات حول الغاية التجريبية للسعادة وما تقوم عليه لذلك لايمكن اخضاع إرادتهم لأي مبدأ مشترك ولا لأي قانون خارجي يأتي منسجما مع حرية كل فرد على حده).
فالاولوية الأخلاقية الممنوحة للعدالة ممكنة وضرورية يحكم أولوياتها التأسيسية، ذلك أن العدالة أكثر من مجرد قيمة أخرى من بين القيم لأن مبادئها مستمدة بصورة مستقلة.

الحرية الداخلية الأخلاقية :

هي عملية تحرير الإنسان نفسه من الغضب والأحياء والانتقام والجشع والغيرة والحسد وغيرها من النزعات المعوقة للأحكام الأخلاقية.
وهي تحرر من المؤثرات التي تشوش العقل الأخلاقي وتربكه باعتبارات غير أخلاقية، اما الحرية الخارجية فهي نتاج عملية تحرر من الطغيان والاستبداد والاستغلال والعادات البالية والقيود الاجتماعية التي تعيق تطور الإنسان وممارسته الأخلاقية ومنها النفاق الإجتماعي.
فالحرية يجب أن يتمتع بها الجميع بشرط التحلي بالوعي والمسئولية لاحترام حريات الآخرين والمصلحة العامة وان تتبلور الأعراف والقوانين، وهذا يتطلب التحرك من الجميع لتحقيق غاياتهم من أجل قضاء حاجات أو تحقيق مصالح معينة.
لكن الحرية تعني أن نعترف بالواقع المحدد ونعي الخيارات القائمة فيه، وحرية البشر ليست معطى، ولكن المعطى هو عبوديتهم للأوضاع والقوانين والمحددات الاجتماعية، والنفسية والاقتصادية والبيئية وغيرها، وعلى الإنسان أن يبحث عن الخيارات الممكنة ، وعن شروط تحرره ضمن محددات الواقع .
وان يجد السبيل للتحرر ضمن المعطيات أو أن يعمل على تغيير المعطيات كي تطرح أمامه خيارات أفضل.
فالخيارات ممكنة بناءا على معطيات ووقائع ومن دونها يستحيل البحث عن خيارات.
ومن دون الوقائع لا توجد خيارات ولا حرية وقدرة النفي والاختيار، ومن دون الحرية الإنسانية لن يكون للوقائع والمعطيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فوعي الحرية ووعي خيارات الإنسان المختلفة في مقاربة الواقع هي التي تمنحه المعنى، فالمعنى مشتق من علاقة الإنسان بالواقع.

الليبرالية الإقتصادية :

هنا الليبرالية لا تتعامل بالمفهوم الأيديولوجي بل بالمفهوم البروغماتي المبني على المصالح المتبادلة فيما يحكم السياسة الخارجية لأي دولة وأمنها القومي.
وفي إطار السوق يجب أن يكون السوق المبدأ المنظم لكل القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وترك السوق يتحكم في نفسه من صعود وهبوط بناءآ على قاعدة العرض والطلب والمتغيرات الأخرى دون تدخل الدولة، وذلك بوضع قيود للحماية ،أو حدودآ للصعود والهبوط.
فهي تعتبر أن قيمة السلعة تحددها خيارات الأفراد للانفتاح إلى العالم لتعزيز التبادل التجارى بين الشعوب وارتباطها على أسس ومصالح تجارية، بحيث ان التجارة دائما الجوانب المضيئة في التعامل بين الشعوب وهي مفتاح النهضة، وحرية التجارة بين الشعوب تدفع بتقليل الإعتماد على الدولة من جهة وتمنع سيطرة البيروقراطية وأجهزة الدولة على كل تفاصيل الحياة من جهة أخرى فتقود الدولة إلى دورها الطبيعي، وتخرج من دورها الرقيب والحسيب والمانح والمانع لتصبح جهازاً إدارياً يقوم بمهامه الموكلة إليه فقط، والقضاء على بيروقراطية الدولة وإعادتها إلى حجمها هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق الشفافية، وتسهيل الرقابة على أجهزة الدولة المختلفة، ولأن الشفافية هي التي تتيح الحصول على المعلومات وتداولها ونقلها والبحث فيها مما يسهل العمل الإعلامي من جهة والعمل الرقابي من جهة أخرى ويحول المناخ الفكري والإعلامي من مناخ الشائعات، إلى مناخ الحقائق لأن الشفافية هي السبيل لمكافحة الفساد في جوانب المنظومة الإدارية للدولة لأن الفساد يحطم اي انجاز يمكن أن يتم تحقيقه.
فمكافحة الفساد تطلق العنان لتكافؤ الفرص بعيدآ عن كافة أشكال الوساطة والمحسوبية، والرشوة والإحتكار وتعيد الإحتكار وتعيد الإعتبار إلى قيمة العمل الذي نحتاجه بشدة، ويفتح الباب السليم للحراك والترقي الاجتماعي دون مجاملات وتمييز ز ، بل على أساس الكفاءة والخبرة و العمل الجاد الذي يهئ قيم المنافسة الحقيقة للمستهلك وللمنتج معآ لتدخل في منافسة مع العالم من أجل روح التحدي الذي يضع المبادرة الفردية، التي عن طريقها يحدث كل تغيير أو تطور حضاري اوثقافي، أو علمي أو ذو قيمة عبر التاريخ.
هذه المبادرة مهما كانت دافعها هي دائمآ قاطرة التغيير وعجلة الحركة إلى الأمام لتجنب الجمود المركز على النظريات ذات اليوتوبيا الوهمية وهي قاتل للإبداع والحراك الثقافي والفني، وعدو لعقلانية و التفكير و يؤدي في محصلته إلى القمع والاجبار بإسم الخضوع للمجتمع ولأنه ينبغي الحفاظ على حيوية وحركة وإبداع المجتمع، ورفض قاطع لمظاهر الشمولية للدولة وقمعها للفرد علي اي أساس لآ يرضيه باختياره الكامل لأن اختيار كل فرد يخالف اختيار غيره وقناعاته ووجهات نظره تخالف غيره، لذا ينبغي أن يكون النظام محايدآ في كل ما يخص شئون الفرد، ونظامه ينبغي أن يفصل الإعتقاد الديني الشخصي الذي يحق لكل فرد آن يعتقده ويمارسه بعيداً عن منظومة الدولة، وان لا تتدخل الدولة فيما لآ يعنيها، وان تؤمن بإقامة الإنضمام للتجمعات السياسية والدينية والنقابية والمهنية والعمالية بمجرد الإخطار ودون تدخل أو قمع أو توجيه من الدولة.
وهذا على المستوى الاقتصادي القائم على فكرة حرية التملك مع حرية التنافس داخل السوق وذلك لا يتم إلا عن طريق منع الإحتكار وتشجيع التنافس لرفع كفاءة السلعة والخدمات.
الأهم من ذلك القدرة على نقد الذات وتصحيح الأخطاء، ففي الوقت الذي وقعت فيه العديد من الأفكار أسرى للجمود العقائدي والانغلاق الفكري.
طورت الليبرالية أداءها الاقتصادي وهذا حدث بعد فشل أفكار كانت تدعو لترك السوق يعمل وفقاً لالياته دون تدخل الدولة، ولكن هنا الضرورة تنادي بتدخل الدولة لضبط السوق ومنع الإحتكار، أو إستقلال العاملين أو إهدار حقوق الفرد سواء كان عاملآ أو مستهلكآ
مثل ما ظهر في بعض الدول حزمة قوانين تحرم الإحتكار وتفرض ساعات محددة للعمل ومستوى محدود للأجور، وأيام للاجازات والعطل ومستوى قياسي لجودة السلع وشبكة ضخمة للضمان الإجتماعي كالتأمين ضد البطالة والعزة والمرضى وامتيازات متعدّدة عجزت الدول التي ادعت أنها قامت من أجل حقوق العمال على محاربتها.
وهذه المرونة الاقتصادية صاحبتها مرونة سياسية وهنا ننبه ان
مفهوم المصطلح يختلف تطبيقه من بلد لآخر ومن تيار سياسي لآخر.

التنافس كمفهوم ليبرالي:

التنافس كمفهوم ليبرالي لا يرتبط فقط بإقتصاد السوق وحرية الدخول والخروج منه ومنع الإحتكار وحرية التجارة الخارجية ولكنه يرتبط أيضآ بالتنافس بين المواطنين في العمل والفن والرياضة والسياسية وكل مجالات الحياة.
وهي منافسة تجعل كل فرد في المجتمع يسعى لتحصيل أكبر قدر من المهارات المتعلقة بنشأته ليتفوق بذلك على غيره فيحقق طموحه الشخصي للحصول على منصب أو مال اوشهرة أو سلطة.
فهي منافسة تقوم على أن تكون الأفضل من الناحية العلمية والعملية، وليس المهارة أن تكون الأكثر خبثا وكرهآ وقدرة على الآخرين لتحصل على ما في يدهم.
وفي سعي كل فرد من أجل تحقيق طموحه الشخصي بإمتلاك أكبر قدر من المهارات، تستفيد الدولة والمجتمع بأن يصبح لديها أفضل المتخصصين في كافة المجالات، فيصبح لدينا أفضل العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والأدباء والمفكرين فيصبح بذلك مجتمع متقدم.
فالمجتمع الليبرالي هو مثل نهر كبير يتغذى من وديان صغيرة هي أفراد المجتمع، فإذا كانت هذه الوديان تحمل ماء نقي مليئ بالخيرات أصبح النهر الكبير نهر صالح للتنمية، اما اذا كانت الوديان الصغيرة تحمل القليل من الماء الملوث المميت فالنهر الكبير سيكون أداة قتل لاحياءه.
ولتحقيق هذا التنافس بين أفراد المجتمع هناك شرطان أساسيان لابد من توافرهما في الدولة وإلا لن يكون هناك تنافس إلا في الفساد ولن يكون هناك تقدم إلا في التخلف وهما الحرية والمواطنة.

فبدون حرية لن يكون هناك إبداع فالخائف لا يبدع فهو لايدري إذا كان ما يقوم به سيغضب السلطة أم لا؟
وغضب السلطة يعني السجن وربما الموت ويزداد هذا الرعب إذا كان الإستبداد دينيآ حيث يمكن أن يؤدي كلمة مكتوبة إلى موت صاحبها، فإذا مات الإبداع في مجتمع فلا تنافس ولا تقدم، فكيف يتنافس أفراد يؤدون عملهم بطريقة روتينية تنفيذآ للأوامر والتعليمات الصادرة من الزعيم الملهم.
كذلك غياب الحرية يؤدى إلى غياب الشفافية بالتالي إلى الفساد فيصبح ترقى الإنسان في السلم الاجتماعي والسياسي أو الوظيفي أو العلمي مرتبط بمدى قربه أو بعده من السلطة.
فترى شخصا فاشلا يحصل على أعلى المناصب وأكبر المكافآت فقط لأنه قريب من السلطة سواء بسبب عائلته أو سبب أمواله أو قدراته على تملق رؤساءه ، بينما صاحب المهارات والمواهب يسحق في المجتمع أو يهرب منه إلى دول أخرى تقدر هذه المهارات والمواهب وتفتح له الباب للتنافس مع غيره ليكون الفوز للاقدر.

وعندما تغيب المواطنة في الدولة فهذا بالضرورة يخرج الكثير من المواطنين من حلبة المنافسة ما يفقد الوطن الكثير من المهارات، والمواهب والخبرات التي قد تكون حجر الزاوية لنهضة حقيقية.
فإذا كان المجتمع يميز ضد المرأة فبالضرورة يكون المجتمع محصورآ بسبب خروج النساء صاحبات الخبرات والمهارة والموهبة من حلبة المنافسة ليحل محلهن رجال ليس لهم قدرات وكفاءات إلا كونهم ذكورا.
كذالك إذا كان المجتمع يميز ضد الأقليات الدينية أو العرقية فسنحصل على نفس النتيجة، إهدار لعقول وخبرات قد يكون عامل حاسم في تطور المجتمع ونهضته.
التنافس هو الطريق الوحيد لإخراج أفضل ما في الفرد لصالح المجتمع ولا تنافس بدون الحرية والمواطنة.

إفرازات غياب الحرية والمواطنة في السودان:

١-هجرة العقول السودانية النيرة واصحاب الخبرات العالية إلى الخارج.
٢-استهداف الأجهزة الأمنية للطبقة المثقفة الذين لديهم القدرة على التفكير الاستراتيجي لمستقبل الوطن.
٣-زج الذين يسعون للتغيير ويتحدثون عن الممارسات التي يقوم بها النظام إلى السجون دون أسباب موضوعية .
٤-الإستعانة بالتيارات ذات أفكار أحادية مناهضة للأفكار المستقبلية، والنظرللأمور بنظرة مصلحية وقيادة البلاد إلى الهلاك.
٥-الاستعانة بأفكار الأحزاب الأيديولوجية الرجعية المساهمة في تعطيل الحراك الجماهيري الوطني، ومضايقة المفكرين سواءً من قبل الدولة أو الأحزاب.
٦-وقوف ودعم بعض الدول مع النظام في ممارساته.
٧-تقليل اهتمام الدولة في التعليم والمؤسسات مما أثر على أبناء الأسر الضعيفة للحصول على التعليم.
٨-تدمير المشاريع الإنتاجية في الأقاليم الأكثر إنتاجا عبر توليد صراعات أهلية مما زاد نسبة الجرائم والقتل العشوائي والنهب وجرائم أخرى كثيرة.
٩-ارتكاب أجهزة الدولة العليا لجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والاغتصاب ضد بعض القبائل بعينها كمخطط استراتيجي من أجهزة الدولة.
١٠-قام الحزب الحاكم بتنفيذ مشاريع مدمرة لاقتصاد البلاد وتوجيه موارد الدولة لخدمة الحزب ومنسوبيه، وخصخصة مؤسسات القطاع العام، وبيع الأراضي للأجانب بأقل من القيمة السوقية.
١١ – فرض الضرائب والجبايات على البعض وإعفاء البعض الأخر بحكم قربهم للسلطة، مما أثر على كثير من التجار الغير مواليين للنظام مما اجبرهم لترك العمل.
١٢-تدمير المشاريع الزراعية الهامة بطريقه مقصودة، بقصد انشغال الشعب بالمعاش ويتيح الفرصة للنظام ليطول من عمره في السلطة وهذا ما يسمى ( بسياسة جوع كلبك يتبعك).
كل ما سبق ذكره أنتج جيل جديد من السودانيين مثقلين بمعاناة سنين طويلة ولهم معرفة بالتطور الإنساني في اتجاه قيم الحرية والعدالة والتعايش السلمي والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، والعيش الكريم بين أبناء وبنات الوطن، وهذه القيم السامية ، المجتمع السوداني في أشد الحاجة إليها وذلك بعد الإنسداد التام في الشرايين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذا الوطن، هذه الفكرة حديثة لأن في السابق سيطرت المؤسسات الدينية والايديولوجية الذان احتكراء السماء السوداني والإستبداد السياسي الذي احتكر زمام الأمور في الدولة بقمع الحريات مرة بإسم الدين الذي يكرره النظام الاسلاموي(هي لله هي لله) ومرة ثانية باسم جماعات الإسلام السياسي، (لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء)، والمرة الثالثه باسم الدولة حسب ما تقول الصورة الكربونية لعمر البشير عبد الفتاح البرهان (نحن لا نسمح بتدمير البلاد)، ويقمع الشعب السوداني المطالب بحقوقه المشروعة ويقتلون مثلما يقتل الآفات في المشاريع الزراعية لإنقاذ المحاصيل.

فهنا بالتأكيد الشعب السوداني مغشوس من زمان، وهذا نفاق سياسي من النخبة لا أكثر واضطهاد للشعب العظيم وهذا ما يحدث منذ ١٩٥٦م إلى يومنا هذا والمحك يكمن في السؤال؛ هل كل سوداني يدرك ذلك؟
للإجابة على هذا السؤال نعود إلى الوراء في اليوم الذي فقدنا جزء كبير من البلاد وهو (جنوب السودان) هناك من قالو( البركة للفاتو وعقبال الباقين……) وحدث ذلك في الخرطوم عندما ذبح خال الرئيس المخلوع عمر البشير، الطيب مصطفي ثور اسود والكاميرا تصورهم، والكراهية هنا واضحة، اما الباقين كانت إشارة لدارفور وأهلها وبقية الأقاليم المشتعلة الذين ما زالوا يتحملون لهيب النار وهذا تعبير يكشف عمق ازمتنا مثلما قال الأستاذ فائز السليك وهي أزمة الثنائية المركز “نحن” والآخرون”هم” وهي تعني أننا نختلف عنهم، وأننا نحنُ مركز الفعل والآخرون هم موالون وتابعون، أو أنهم لاينتمون إلينا وهذا ما يكرره ويستنكره دائما المناضل السوداني الأستاذ عبد الواحد نور، ولو افترضنا أن التنوع الثقافي هو مثل لوحة تكتمل جمالها بتعدد الوانها فكيف يرحل قوم ولا نشعر بخروج لون أساسي من مكونات تلك اللوحة، اوكيف يكون السودان مرآة كبيرة يظهر فيها البعض ولا يظهر البعض الآخر، فمن الطبيعي أن نكسر تلك المرآة وناتي بآخرى يظهر فيها كل ألوان الطيف السوداني بثقافاتهم، والوانهم وعاداتهم وتقاليدهم المختلفة دون تمييز، وتقسيم ثروات البلاد ومواردها المالية والغابية، وتتحول الدولة إلى دولة حقيقية مثل الدول الأخرى في العالم الذين يتمتعون شعوبهم بجميع مناحي الحياة، والحصول على خدمات صحية وتعليمية جيدة، وجميع الخدمات الأخرى وكل ما يواكب هذا العصر الذي أصبح حلماً لكل الشعوب والمحافظة على ما تبقى من أجزاء البلاد وعودة الجزء الجنوبي المنفصل لنشكل اللوحة السودانية من جديد.

خال البشير/ الطيب مصطفى يذبح الثور ليس حزنآ بل فرحاً لانفصال الجنوب.

ماذا يحدث في الدول الشمولية؟.

في الدول الشمولية يحكم زعماءها بالحديد والنار، همهم البقاء أطول فتره ممكنة على كراسي السلطة ولايحتاج إلا تغبيش الوعي لدى شعوبهم، ففي بلدنا السودان كنموذج، فالحكام طيلة الزمن تناسو الشعب وانصرفو لتحقيق رغباتهم، الذاتية دون النظر على أن مسئولية الشعب في عاتقهم، وأكثر من ذلك ركزت الحكومات في سلب الحريات العامة و عندما قام الشعب بمطالبة حقوقهم عبر ثورات سلمية قامت الحكومة بالقمع وقتلهم في الشوارع والميادين ، واصبح القوي يعيش فوق الضعيف كالدولة التي تتدخل حتى في الحريات الشخصية.
فلا بد أن تكون حرية التعبير، الصحافة، العبادة، المحاكمة العادلة، والتحرر من العبودية، وحرية الاحتجاج السلمي.
ولتكون الحرية ناجحة وفاعلة لا بد من وجود ديمقراطية وحماية كاملة للحقوق المدنية والسياسية لجميع أفراد المجتمع بالتساوي، ولا بد أن تمارس الديمقراطية ممارسة فعلية في الانتخابات والتصويت وحرية التعبير عن الرأي، وحرية تكوين الأحزاب، فإن لم تكن الحرية موجودة لا أساس لليبرالية، لأن الديمقراطية احيانا لآ تحمي حرية التعبير والنشر مثلا، وحقوق الأقليات لأنها تكون فقط حكم الأغلبية الذين وصلوا بأصوات الشعب يحكمون كما يشاءون وهذا لا يخوف الفكر الليبرالي الذي يفصل بين السلطات الثلاثة (التشريعية-التنفيذية-القضائية)، ولأن الشخص لا يمارس أكثر من سلطة فلآ يستطيع إصدار التشريعات الا بموافقة السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب وهي “البرلمان”.
هنا لن يغلب للدولة جماعة معينة إلا في حال وصول الأغلبية بهذا إلى الحكم، وتضيع حينها حقوق الأقليات لأن السلطة تكون نابعة من أفراد منتخبين من كل أطياف المجتمع باختلافاتهم، وبالتالي سيكون هناك تمثيل والذي يؤدي بدوره للدفاع عن مصالحها، وتنتشر ثقافة احترام حقوق الأخر، وحقوق الغير سط و تكون ممارسة فعلية في المجتمع، والبيت، والمدرسة، وكل مكان ويكون إختيار الوزراء من الشعب عبر برلمان.

حرية الإختيار.

كان الإنسان في الأصل حرا قيده الاستبداد والطغيان وغياب الوعي لضبط نفسه بنفسه، ولابد أن يسعى لاستعادة حريته الطبيعية ليكون إنسانا طبيعياً حرا،.
إذا خير الإنسان الحر ليختار بين أن يكون صاحب القرار، وبين أن يفوض الأخرين ليقرروا نيابة عنه فحتما سيختار أن يكون صاحب القرار كما قلت في احد اقوالي(لآ تكن دائما آلية يستخدموك الناس لتمرير اجندتهم، بل اتخذ القرارات بذاتك ولا تستغل ضعف الأخرين) عبد العزيز بشار “ابطاقية”.
فالمستقبل في حرية وكرامة الإنسان، لأن الإنسان الحر أدرى بمصلحته وبخياراته، لأن الحرية الفردية تتبعها الاستقلالية في التفكير بلآ حدود، أو قيود والتي تحول من أثار النقل والحفظ إلى رحاب العقل وفكرة الإبداع والابتكار، لأن الإنسان وجد ليبدع بالاستفادة من تجارب السابقين، وليس ليمضغ تجاربهم جيلا بعد جيل ، والتفكير المستقل يؤدي الى حرية الإختيار واتخاذ القرارات المناسبة ، باختلاف وتنوع الاعتقادات يظهر الحوار الحضاري وأخلاق النقاش والخلاف ويرتقي المستوى الثقافي للمجتمع.
فعندما يكون الإنسان حرا في الإعتقاد فيما يشاء دون أضرار بالأخر تزول معظم أسباب الصراع بين البشر، وينتهي التعصب والطائفية، لأن حرية الاختيار واتخاذ القرار هي البوابة الوحيدة للمسئولية، وكل قرار يتخذه الإنسان باختياره هو وحده من يعدله ويصححه، او يلغيه ويتحمل كل تبعاته ويتحمل مسئولياته دون خوف أو قهر اواجبار، ولا يمكن أن ينجح ما لم تنقح المواقف باستمرار وشجاعة وجراءة المسئولية، وهنا يحاسب الإنسان نفسه لأن مبدأ المساءلة ونظريات الحقوق والواجبات لن تزدهر إلا في مجتمع يدرك كل فرد من أفراده انه حر تماما ومسئول عن اخياراته، ومناقشة القضايا العامة، وينطلق في المشاركة.
فهنا الديمقراطية تنمي فكرة المساواة وتسقط التمييز القائم على أساس الدين والجنس واللون والعرق والقومية وتنبذ الشمولية والاستبداد، وتحول أفراد المجتمع إلى مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وإيمان الإنسان بالمساواة يفتح الباب لانهيار العنصرية
والتبادل الثقافي الحقيقي بين الشعوب المختلفه، وهذا يقود إلى عالم التحضر والمدنية والاندماج الثقافي والسلام بدلا من الحرب والهمجية والنزاعات العنصرية، والانفتاح على العالم كقيمة حضارية حقيقية وهذا ما نحتاجه في السودان.

العقل السوداني الواعي:

هذه العملية ترجع إلى تحليل الصورة الذهنية للعقل السياسي السوداني وبنيته المجتمعية، ومعارفه ومعتقداته، والناتجة من واقعه السياسي التاريخي الذي لا يستطيع تجاوزه للخروج إلى بر الأمان، رغم تجاربه التاريخية الطويله ومعرفته إلا أنه يقع في الدائرة البسيطة التي يمكن أن تكون ايديولوجية أو عقائدية، فالثورات السودانية نماذج عالمية بقوتها ورغم جدية بعض أبناء السودان الا ان هناك الكثيرون حريصون على مصالحهم ومصالح تنظيماتهم دون النظر على الأو ضاع التي تمر بها البلاد، فالعمل الجاد الذي يقوم به بعض ابناء الوطن الغيورين لوطنهم من الحركات الثورية التحررية التي رأت بأن البديل دون حمل السلاح لاقتلاع السلطة بالقوة بعد تصريح الرئيس الرقاص عمرالبشير بالقول(نحن جئنا بالقوة، فالعاوز السلطة فالياتئ بالسلاح).
وهو قصد الخراب للبلاد بدلا من التنمية التي تحتاج إلى تكاليف أقل من تكاليف الحرب بمرات، هذا من جانب، اما الجانب الآخر العمل الجاد الذي يقوم به ثوار ،شباب وكنداكات “الجيل الراكب رأس” الرافض للإستبداد والتبعية منذ بداية ثورتهم في ديسمبر٢٠١٩والتي توجت بإسقاط البشير ، ولكن المندسون من مخلفات النظام البائد داخل الجيل الثوري خططوا لإفشال واجهاض جهود الثوار المتطلعين لواقع افضل وهو التغيير الشامل والتسامح وٱقتلاع جذور الإستبداد وتمكين بذور الحرية الذي ينقل الشعب السوداني إلى واقع جديد، الا ان المندسين خططوا لانقلاب، ولكن مع ذلك تتوفر الثقة في القائمين بمشروع تحرير الوطن.
اما القائمين بمشروع أخر وهو تجريد الشعب من حرياته وتطلعاته تكون نظرته قاصرة أو زائفة ومشوهة، فلا يمكن قيادة جيل القرن الواحد وعشرون بأفكار القرن السادس والقرن السابع، هذا جيل راكب رأس لا يستسلم في أحلامه بشعاراته البراقة “لاللشراكة -لا للتفاوض – لا للمساومة” بل تسقط بس، وحتما يحصل ذلك طالما هناك إرادة قوية جادة والنصر حليف،فلا يمكن ترك الحقوق المسلوبة مهما كانت صعوبتهاا.
“سأكون مخلصاً ووفيا حتى لاعدائي وخصامي، لكن لن أترك حقي لأحد إذا سلب أو انتهك بل سآخذ منه أين ومتى توفرت الوسائل “عبد العزيز بشار(ابطاقية).

حق المواطن السوداني :

عندما نرجع لكتابات جون لوك في نظريات العقد الاجتماعي التي يتحدث عن فكرة الحقوق الطبيعية” أي، أنا وإنت وكل البشر حكاما ومحكومين قد ولدو بحقوق متساوية لا يسمو فيها إنسان
على آخر مهما كانت الاختلافات، الدينية، أو العرقية، أو النوعية، أو الطبقية، كما لا يجوز لأي سلطة دينية أو دنيوية تجرد الأفراد من الحق في الحياة، والحق في الاعتقاد والتعبير عنها بحرية تامة وحق التملك”.
ولكن ما يحدث في مجتمعنا السوداني له جذوره التاريخية وإبعاده الأيديولوجية التي جاءت بها بعض الأحزاب السياسية الرجعية التي لا تريد التنازل عنها و ساهمت كثيرا في تأجيج الأوضاع السياسية والأمنية ووصلوا البلاد إلى الهلاك.
و على فكرة الحقوق الطبيعية ظهرت منظومة القيم وهي الاختلافات التي تؤمن الحرية بأن البشر مختلفين بطبعهم سواء في أفكارهم، أو خلفياتهم، كما ترى أن أفضل ما في البشر هو اختلافهم الذي يؤدي إلى الإبداع والتنافس والتطوير، حول قيمة الإختلاف ظهر قبول الأخر “اي قبول من يختلف معك”، والتسامح “أي أن تقبل ما لديه رؤية مخالفة وله كل الحق في التعبير بكل الطرق السلمية”، والتعايش”اي العيش والتواجد المشترك لأفكار مختلفة دون سعي طرف لاستبعاد أو إقصاء الأخر”، والنسبية الحقيقية “أي أنه لا يوجد رأي يحتكر دون سواء الحق المطلق، فالحقيقة نسبية تختلف بين الفرد والأخر على حسب نظرة كل طرف وطريقة تفكيره “.
أما القيم المرتبطة بالرؤية السياسية تنطلق من أن البشر كلهم لهم نفس الحقوق، ولابد أن تكون هناك دولة قانون الذي يتساو فيها كل الأفراد أمام القانون حكاما كانوا أم محكومين، وان يعرف الحاكم بأنه وصل إلى السلطة بتفويض حر أو عقد من الأفراد المحكومين، وأن هذا التفويض يقابله المسئولية، فالحاكم دائماً موضع مساءلة ومحاسبة شعبية لمراجعة مدى إلتزامه بشروط العقد أو الدستور، ويمكن أن يتم عذله إذا أخل بالشروط وتوافق الشعب على عذله.
فالدولة لا بد أن تؤمن حكومتها التداول السلمي للسلطة عن طريق التنافس السياسي بين الأفكار المختلفة وذلك عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، الذي يختار فيه الشعب من ينوب عنهم لإدارة شئونهم العامة، أو من يمثلونهم في تشريع القوانين ومراقبة الحكومة وهي البرلمان.
وهنا نقول ان الليبرالية مشروع حضاري إنساني يعطي للإنسان الفرد مجال خاص يتمتع فيه بحرية الاختيار والتفكير، والفعل بضمير وقناعة دون الاعتداء على حقوق الآخرين لنصل إلى تطلعات المجتمع المفضي للتغيير ومحاربة الاستبداد والقمع السياسي والاجتماعي لإثبات وجود الإنسان السوداني الحر.

25 فبراير 2022م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى