مقالات الرأي

المؤسسة العسكرية وهيمنتها علي ثورة الشعب السوداني

 بقلم: عثمان زكريا محمد (رسول الإنسانية)

     إن المواجهة الآن ليست بين متظاهرين ونظام سياسي ، ولكنها بين متظاهرين وأجهزة عسكرية وبالتالي هي ليست مواجهة سياسية في الأساس ، فلو كانت هذه الأجهزة تحت إمرة نظام سياسي لكانت الدماء التي سُفكت كفيلة لوحدها بإسقاط هذا النظام كما سقط نظام المؤتمر الوطني لأنه نظام سياسي ، وأسقطته هذه الآلة العسكرية نفسها بإنحيازها للثورة , فإن طبيعة المواجهة اليوم بين سلطوية المؤسسة العسكرية وثورية الشعب السوداني هو ما يميز هذه المواجهة عن أي مواجهة ثورية سابقة منذ الإستقلال ، وهو ما يجعل هذه المعركة تحديداً هي “بدر” الدولة السودانية , وهذه المواجهة هي مواجهة وجهاً لوجه بين الأطراف الأصيلة في المعركة وفق التحليل البنيوي للصراع ، دون أي (كموفلاجات)  من أحزاب سياسية “كحزب المؤتمر الوطني” يغطي سلطوية المؤسسة العسكرية من جهة أو من أحزاب سياسية “كأحزاب الحرية والتغيير” تمثيلاً غطاء سياسياً لثورية الشعب السوداني من جهة أخرى؛ وهو ما يجعل هذه المواجهة حاسمة وفاصلة ونهائية ، لأنها بين الأطراف الأصيلة في المعركة ودون مؤسسات وسيطة , ولم يتجلى هذا الصراع بهذا الوضوح منذ فجر الإستقلال على حقيقته البنيوية كما هو ماثل اليوم.

في شهر أكتوبر تحديداً كانت المؤسسة العسكرية بلا غطاء سياسي ، ولكن ثورية الشعب السوداني كانت مغلفة بالطبقة السياسية ككل ,و لعل الشعب السوداني كان يعلم أن البشير عند المحكات الفاصلة كان يحضر الإجتماعات بالبزة العسكرية لا لشيء سوى ليشير بوضح عبر بزته أمام اللإسلاميين بسؤال: لمن الملك اليوم؟ بالطبع للمؤسسة العسكرية! وذهب به الحال بعد المفاصلة في هبة سبتمبر  لتمييع غطاءه السياسي بإزاحة أكابر الإنقاذيين عن الوجه التنفيذي للسلطة ، ثم إنتهى بعد ذلك إلى تعيين سلطة عسكرية كاملة الدسم قبل أسابيع قليلة من سقوطه ، وكذلك البرهان تخلى عن غطاء الحرية والتغيير بالكامل حين بلغ الشأن السياسي مرحلة تسليم السلطة للمدنيين وبالذات بعد مبادرة رئيس الوزراء التي خاطبت قضية إصلاح المؤسسة العسكرية وتبعيتها الإقتصادية للسلطة التنفيذية.

     إن الشعب السوداني الثائر نحو مطلبه في دولة الحرية والسلام والعدالة صاحب مصلحة حقيقة في حسم هذه المعركة بهذا الشكل دون أغطية سياسية ، وهذه المعركة يقف على جانب منها مؤسسة مستلبة لإرادة سلطوية إستعمارية ومليشيات وحركات مسلحة زبائنية كانت ولا تزال تقتات سياسياً وإقتصادياً على إقتصاد حرب الدولة المركزية في الخرطوم ، وهو ما يشكل لها على حد وصف “أليكس دي وال” سوق أعمال سياسي؛ بينما يقف على الجانب الآخر منها لجان مقاومة أحياء شعبية لا تتحكم في تشكيل وعيها وخياراتها وقرراتها أي كتلة سياسية.

     ظلت هذه المعركة بهذا الشكل مؤجلة منذ صبيحة الإستقلال ،  والآن فقط قد بلغت أرض الجلاء بشعار واضح ، وهو محل النصر والهزيمة: السلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات!!! وتأتي قيمة هذه المعركة تحديداً من ناحية تأسيسية في أنها تدار حالياً بلا أفق سياسي لأنها معركة على مبدأ تأسيسي يستهدف نحت أهم أرصفة المسارات الكبرى للمستقبل عبر تحرير المؤسسة العسكرية من سلطويتها واستعماريتها واستعادتها للشعب السوداني , وهذه معركة سيربحها الشعب السوداني بكل أمل وإرادة وعزيمة المناضل من أجل التغيير الحقيقي الجذري ، وحين تأتي لحظة الفصل سوف تجد من ينحاز لها من داخل المؤسسة العسكرية من يؤمن بهذا الجند التأسيسي المعلن.

     وبالرغم من أن شعار الكتلة الثورية المعلن هو “لا شراكة” إلا أن المجلس العسكري الذي سيقرر الإنحياز القادم ، إن هو قرر ذلك ، هو أول شريك حقيقي للكتلة الثورية؛ فهو ليس شريكاً في قسمة الثروة والسلطة ولكنه شريكاً لا جدال في شراكته في تأسيس الدولة السودانية ؛ لأنه من سيستعيد للجيش السوداني وطنيته وهيبته ويكمل تحريره المؤجل منذ الإستقلال بإبعاده كرهاً وليس طوعاً عن الحياة السياسية والإقتصادية ؛ فهو شريك ليس بإرادته لكن بإملاء من إرادة ثورية غلابة سقتها الدموع والدماء ورعاها الغضب والأمل ونضالات متتابعة ومتتالية لم تقف منذ أن حطت جحافل محمد علي باشا أقدامها على هذه الأرض , وفي ذلك لم يبلغ شعباً من الشعوب من حولنا ولا شعبنا ذاته في ثوراته السابقة ، هذا الوعي من قبل بالضرب مباشرة نحو ناصية دولة ما بعد الإستعمار بشعار وحيد هو: “العسكر للثكنات” ؛ فإن ديسمبر الأولى نفسها لم تكن في ذات وعي وتأسيسية ديسمبر الثانية هذه ، فالشعب السوداني الثائر “وليس كل الشعب السوداني ثائراً” صاحب مصلحة حقيقة في الإنحياز القادم من الجيش لأنه إنحياز بحكم إقتصاده السياسي يعبر بذاته عن تسوية مدنية عسكرية , هذا بالإضافة إلى أن الإنحياز القادم هو أول إنحياز بعد الحادي عشر من إبريل سيستتبع إقتصاده السياسي تأخيراً في الإقتصاد السياسي للدعم السريع وتأخيراً في إقتصاد حرب الدولة , فإن الإنحيازات السابقة كلها إستلزمت بحكم طبيعة التراتبية العسكرية تقديماً للإقتصاد السياسي للدعم السريع وإقتصاد حرب الدولة وليس أدل على ذلك من نتيجته المتمثلة في تحالف البرهان والدعم السريع والمليشيات ، فبإنحياز إبن عوف دخل الدعم السريع في معادلة السلطة المركزية لأول مرة ، وبإنحياز البرهان قد بلغ قائد الدعم السريع منزلة نائب رئيس مجلس السيادة ، فكل الإنحيازات السابقة كانت سبباً في تقديم الدعم السريع وإقتصاد حرب الدولة ،ةبينما الإنحياز القادم من حيث إقتصاده السياسي من شأنه تأخير كل ذلك.  

23 فبراير 2022م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى