مقالات الرأي

المنهج الذي لا يدرس

بقلم: صابر ابراهيم يعقوب ( مانديلا)

قلق مزمن وتوتر وخوف من المستقبل وتشتت وضياع وصراعات يومية سواء مع النفس أو مع الغير، أصبح هذا هو الوضع السائد في عصرنا الحالي، نجتهد في الدراسة ونستيقظ مبكرًا، ونضع جداول وخططًا بهدف تنظيم الوقت، ونتأهب لقهر أعدائنا.

الوعي:

الوعي هنا لا يُقصد به الاستيقاظ والقدرة على الإنتباه للعالم من حولنا فحسب، بل إن الوعي لا يكتمل دون إدراك للمجريات الداخلية في نفس الإنسان، والوعي حالة متقطعة لأننا نحن البشر عند المرور بمواقف معينة نفقد توازننا، ولكن يُمكن أن نحظى بأعلى قدر من لحظات الوعي من خلال التمرن، فالوعي كالعضلة إذا تحركت قوَت وإذا أهملت ضمرت، ولنصل إلى أعلى درجات الوعي، سنمر على خمس مراحل، في المرحلة الأولى سنراقب عقولنا بأفكارها وثرثرتها، دون إبداء أحكام،وفي أوقات لا نحمل فيها أي شحنات سلبية أو إيجابية، وبعد مرور أسابيع أو شهور، سوف نُدرك أن هذه الثرثرة لا تُقدم ولا تُؤخر، بل تهدر الطاقة.
القيمة الذاتية علي الانسان السوداني .
لنتمكن من الوصول إلى الدرجة العالية من الوعي، لا بد أن نعرف الحد المعاكس للوعي وهو الأنا، الأنا تربط كياناتنا بأجسادنا وأفكارنا وشهاداتنا، هذه الأنا هشة تتغير وتتشكل حسب الموقف، لذا هي في حالة خوف دائم من أن تُسلب قيمتها، وبالفعل تُسلب قيمتها ممن هو في موضع أقوي، وقد تَسلب قيمة من هم في موضع أقل منها لتعويض هذا النقص.
وهناك علامات تدل على نقص القيمة الذاتية، من هذه العلامات المثالية، فهي وسيلة لإلهاء العقل عما يدور بالداخل، ولكنها تدريجيًّا تتحول إلى غراب العقل وتشل صاحبها عن الحركة والإبداع، كذلك تقليل قيمة العمل الجيد، وتضخيم قيمة الأخطاء، فلا نتقبل الخطأ ونرى المدح مجرد مجاملة، هناك أيضًا القسوة على النفس، فنهول النتائج لنحصل على قدر أكبر من التحكم، ونتمادى في الشعور بالذنب تجاه الأخطاء.

ولنعالج نقص القيمة الذاتية علينا أولًا أن نرجع إلى أصل المشكلة نحن كسودانين ثم نزج بأنفسنا في تجارب حياتية لنصقل وننمي من مهاراتنا وثقتنا، ولا نتهرب من الشعور بتدني القيمة الذاتية، فهذا الشعور صحي يدل على إدراكنا للمشكلة، وهنا نقطة بداية التغيير، لكن يُمكن أن يكون هذا الشعور غير صحي إذا تُرجم إلى قسوة والقتل والتشرد والإبادة الجماعية تجاه النفس، فلا بد أن نتحدث مع أنفسنا بروح التسامح وقبول الآخر واحترام الثقافات والحضارات السودانية.
مطبات النهج:
بالارتقاء بمستوى الوعي وتعزيز النفس نكون انتهينا من المرحلة الأولى للمنهجية، ولكن هناك بعض المطبات التي قد تواجهنا لذا وجب التنويه عنها، وتنقسم هذه المطبات إلى مطبات الرحلة ومطبات البشر، ومن أبرز المطبات التي نواجهها أثناء الرحلة القلق، والقلق نوعان، نوع حاد وحديث ونوع آخر مزمن، القلق الحاد يأتي بسبب مشكلات عن السلطة لذا أمره هين، لكن القلق المزمن يُعد مشكلة، فهو غير معلوم السبب، فنظن أننا نقلق بسبب حدث معين، لكن القلق لا يزول بمرور الحدث، فما السبب إذًا!
هناك مصادر عدة للقلق، منها النظر إلى أحداث قبل 1956وبعد كيف كانت السودان وقراراتها نظرة مصيرية، وعدم النظر إلى المواقف الواقعية ، بالإضافة إلى الخوف من أن نخذل والدينا ومعلمينا، وهذا المصدر مرتبط بمصدر آخر وهو الشعور بالمسؤولية تجاه شعور الآخرين بالتعاسة، ومن المصادر الأخرى تصديق الحاسة السادسة التي تكون نتاج مخاوفنا من الأساس، بالإضافة إلى التطرق للمقارنات، وربط السعادة واستقرارنا الداخلي بالأحداث وعدم التدخلات الخارجية في السودان الخوف أيضًا يُولد القلق سواء كان خوفًا من زوال النعمة أم خوفًا من عدم الوصول أم خوفًا من الموت، كل هذه المسببات هي أفكار سلبية في عقولنا، وينتج عنها شعور وأفعال، لذا للتغلب على القلق لا بد من تغيير الأفكار إلى أفكار إيجابية.
مطبات الشعب السوداني:
والآن لنتعرف على النوع الثاني من المطبات، وهو مطبات البشر، وأبرزها المقارنة المدمرة، فالمقارنة التي تحفز على التقدم والتطور يطلق عليها منافسة صحية، لكن المقارنة التي تؤدي إلى الشعور بالقلق والتوتر مقارنة مُدمرة، وهناك عدة أفكار سلبية تؤدي إلى هذا الشعور، مثل الظن بأن للجميع مسارًا واحدًا للوصول إلى القمة التي لا تتسع إلا للقليل، والحقيقة أن الطريق أفقي وليس جبلًا نصعده، خلقنا منفردين متميزين ببصماتنا وجيناتنا لنسلك طرقًا مختلفة ونقارن أنفسنا بأنفسنا في الماضي، وإذا شعرنا أننا ننجرف لمقارنة مع شخص ما، علينا أن نبتعد عنه جسديًّا ونفسيًّا وافتراضيًّا.
من المطبات الأخرى التي نتعرض لها التنمر، والشخص المتنمر هو شخص عكس ما نظن، مثل الدعم السريع اشخاص يستخدمون الجيش كوسيلة الي الهدف مثل البرهان وغيرهم ضعيف وفاقد للثقة بنفسه، يسعى لفرض الهيمنة على أصحاب القيمة العالية، وأفضل رد فعل تجاه المتنمر هو التسامح ولكن بعد توافر شرطين، هما إدراك قيمتنا الذاتية العالية وإدراك ثغرات الشخص المتنمر، وإذا تكررت الإساءة أو النقد، سنضع حدًّا لتلك الإساءات ولكن دون صراخ أو انفعال، وإذا لاحظنا في يوم من الأيام أننا نتعرض للتهميش، فعلينا أن نُدرك أن تقدمنا أصبح يُمثل تهديدًا، والحل أن نتوقف عن عرض قدراتنا والتركيز على من حولنا، على ثغراتهم ورغباتهم في الاستحقاق لنتحكم بهم بدلًا من أن يتحكموا بنا
مرحلة الانطلاقات:
بعد مرور المرحلة الأولى التأسيسية حيث المفاهيم الأساسية لتنمية الوعي، وتنمية القيمة الذاتية، والتعامل الصحيح مع مطبات الحياة والتعامل الصحيح مع البشر، تبدأ المرحلة الثانية حيث إنطلاق النفس الحرة إلى العالم الخارجي لتُبدع، ولهذه المرحلة أربعة مقومات وهي الشغف والمهارة وخلق الفرص والعمل الدؤوب.
الشغف يعني العمل الذي نقوم به ويكون مقدار استمتاعنا ببدايته يساوي مقدار استمتاعنا بنهايته، فلنسأل أنفسنا ما العمل الذي كنا لنختاره إذا لم يُشكل اوالوقت وآراء الآخرين مشكلة بالنسبة إلينا، ثم نفكر جديًّا لماذا لم نسعَ وراء شغفنا، والمقصود بجديًّا عدم الانسياق وراء الأعذار مثل: ليس لدي الوقت أو المال أو لا أستطيع ترك العمل، لأن أي شخص يستطيع أن يوفر على الأقل ساعة واحدة للعمل على شغفه، والآن لنفكر مرة أخرى لماذا لم نختر ما نحب أن نعمله، هل بسبب الخوف من الفشل، أم حب السهل اليسير، أم ما زلنا نخلط بين ما نحن جيدون فيه وبين شغفنا، هل نحب بالفعل ما نعمل في الوقت الحالي، ونمر فقط بحالة من الفتور بسبب ضغط العمل.
بعد الإجابة عن هذه الأسئلة، ربما نكون قد حددنا الجانب الملائم لنا، والآن حان وقت العمل الدؤوب، سنسعى لاكتساب المهارات والخبرة التي تؤهلنا الي وصل دولة قومية وديمقراطية في المجال باحترافية لتعود علينا بمردود مادي جيد سنطرق باب أصحاب الخبرة ليرشدونا، قد يتجاهلنا البعض في البداية وقد يتقاعس البعض الآخر، المهم ألا نيأس، فإذا أغلق باب لا ضرر من طرق أبواب أخرى، ولن نكتفي بتعلم المهارات المطلوبة فقط بل سنستغل مهاراتنا وندمجها مع المهارات المطلوبة لنتميز بها، وبعد اكتساب قدر من الخبرة والمهارة، سنسعى لخلق الفرص، فبدلًا من انتظار أن تعلن الحرب والدمار في وطن علينا أن ندرس القطاع كيفية حل المشكلة ، وبمجرد اكتشاف مشكلة نذهب إلى حلها ونقدم حلولًا لهذه المشكلة، فنبدأ مفاوضاتنا هذا المشكلة مع أصحاب العلم والمعرفة بعرض نقاط القوة الي الهدف وما نتميز به عن الآخرين، ثم نوضح كيف يمكن أن نستفيد وفي النهاية نقدم وجهة النظر الي الحلول عرضًا لا يستطيعون رفضه.
وختاما أصبحت بين أدينا الآن الأدوات اللازمة لبناء المنهجية الخاصة بنا، وسنتمكن بعد تنفيذها من تقييم أدائنا بمقدار ما نشعر به من سعادة وراحة داخلية، ولن نكترث إن صفق لنا الآخرون أم لا،
فالسر وراء مدح الآخرين هو أننا ملائنا فراغًا بداخلهم أو قضينا لهم حاجة بغض النظر عن كفاءتنا، يجب أن ننسَى مدح الناس المشروط، ونُركز على التغييرات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية.
أتمني الوطن يقبلنا

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x