مقالات الرأي

الناظر مادبو.. للسلم ألف باب

بقلم : محمد بدوي

لعل بعد مرور خمسة أسابيع منذ اندلاع الصراع المسلح بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع كشف الواقع بأن الحالة متجاوزة لمفهوم الحرب إلى وصف الكارثة بأن الكوارث والحروب هي التي تظهر القادة الحقيقيين، وهنا يجدر التمييز بين إدارة الكوارث والحروب، لأن الواقع يشير إلى قادة عسكريين كثر أكفاء يعلنون الحرب أو يصدونها منتصرين، يدركون مواقيت إعلان وقفها ليس جبنا لكن موضوعية مستندة على قواعد المآلات والمسئولية، لكن هذا التمييز أو الحنكة لا تتطابق في إدارة الكوارث لأنها قد تكون نتاج للحرب ، اضافة إلى ان الكوارث تتطلب وعي ونظر مرتبط بالقدرة على التنبؤ بالأحداث وما قد ينتج عنها، بما يمكن من كبحها في مراحلها الأولى، بالإضافة إلى قدرات رفيعة في إدارة الأزمة لحصارها في حال اختراقها للواقع وتحشيد الامكانيات المعنوية والمادية لكبحها.
في ظل هذه الراهن برزت نماذج لقادة استطاعوا في وقت مبكر التعامل بمسئولية وحنكة استندت على سجل الواقع والصراعات المسلحة التي فرضت سياسيا على مناطقها فتمكنت من تشخيص الحالة بحصافة، فأجابت على السؤال الجوهري بأن طبيعتها سياسية مرتبطة بالسلطة، ومن ناحية ثانية تمثل إحدى مراحل العلاقة التاريخية بين القوات النظامية والمليشيات وعسكرة المجتمعات لبعض الشعوب السودانية، هذا جعلها تختار موقف عدم السماح للصراع بإتخاذ مناطق سيطرتها الأهلية مسرحا ومنصة للبارود والموت.
في صبيحة ١٥ أبريل ٢٠٢٣ سابق الناظر محمود موسى مادبو ووكيله الناظر الفاضل سعيد مادبو انطلاق الرصاصة الأولي بمدينة الضعين بولاية شرق دارفور، بلقاء قائدي الجيش والدعم السريع وعقد اتفاق Gentlemen التزما بموجبه بعدم الانزلاق في القتال في مواجهة بعض ليدفع مادبو بنموذج عرفي لوقف إطلاق النار ربما قد يجدر بالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي إلى دراسته واستخلاص الأدوات والمنهج الذي استندت عليه، ما حدث عزز من الدور الأهلي في عمليات تأمين إجلاء الموظفين الأجانب، حيث قام وكيل الناظر الفاضل سعيد مادبو بمرافقة موظفي المنظمات الأجنبية إلى حدود دولة جنوب السودان في عملية الإجلاء عبر البر .
ما يدهش هو الربط بين مفهوم تعزيز الأمن والخدمات فخلال أربعة أيام تمكن الناظر مادبو ونوابه / فريقه من توفير وقود بالحصول عليها من الوارد عبر الحدود من الدول المجاورة لمحطة الكهرباء لتعود الخدمة ليساهم استقرار الإمداد في التمتع بالخدمة والمساهمة في حفظ الأمن الداخلي.
من ناحية ثانية منذ ٢٠٠٣ أي عقدين من الزمان ظل المجتمع المدني يعمل على التثقيف حول أثر الاقصاء الاجتماعي ودوره في النزاعات، لكن الإبداع برز حينما قام مادبو وفريقه من إنزال ما كان يتم داخل قاعات التدريب وحلقات النقاش إلي الواقع عبر تدشين منافسات لكرة القدم في ٧ مايو ليتنافس عليها فرق تمثل الضواحي السكنية بالضعين عاصمة شرق دارفور لتختتم في ٢٧ مايو بتتويج فريق حي التضامن بالكأس بعد تغلبه على فريق حي القبة ( ٤-٢) في المباراة النهائية .

برزت عدة حالات محدودة للعنف كان يمكن لتطورها ان يحدث أثر سالبا في الواقع لكن بالمقابل برزت قدرة التعامل معها في التنسيق المسبق بين النظار بالولاية.
ما يقوم به الناظر محمود مادبو وفريقه يفرض علينا النظر الي نقاط قوتنا حينما نردد ..لا للحرب لأنها تقودنا إلي كيفية استعادة الامساك بزمام الحالة ودور الإرادة كعامل حاسم في السياق، وأن الحماية لا تتحقق بتسليح المعايشيين من القوات المسلحة للحماية الشخصية او المحيط الاجتماعي، أو السباق في إظهار الأسري عبر مقاطع فيديو دون مراعاة للقواعد المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف لاسري الحرب، بل يتحقق بأن نخضع الحالة لإرادة لا ..للحرب بتقصير مساحتها ومحاصرتها بالأدوات السلمية المتاحة مثل التوثيق والنشر والفضح توطئة لملاحقة المنتهكين مستقبلا.، وترسيخ معاملة كريمة تفتح في المستقبل أبواب للتعافي وطي ذاكرة الحرب .

برغم الكارثة الإ أنها كشفت بأن الأزمة السياسية التاريخية وصلت مرحلة النضج الذي لا يمكن معه حلها بالسلاح لأن الحرب ليست عملية رياضية قياسية فالكثير من العوامل المتوقعة والمتجددة والناشئة قد تساهم في تحدد قيدها الزمني، هذه دعوة للمجموعات التي حاولت السير في ذات الحكمة الشعبية التي افترعها الناظر مادبو أن تنظر إلي نقاط قوتها فحتما ستقودها الي بصيرة من قاموسها الانساني والعرفي

أخيرا: التفاوت في تواريخ بداية النزاعات المسلحة في السودان جعل بعض المناطق تصل فيها الحالة الي مرحلة النضج وهذا مؤشر بأن ارتباط الصراعات بالأسباب السياسية حفزت على استدعاء للاستقرار والتنبيه لعلاقة المواطنة التي ظلت في مسار الهدر تاريخيا عبر توفير للخدمات، فعجبا أن نبحث عن الحلول في جدة و نغفل استصحاب التجارب الداخلية الحيه فهي بالضرورة المنهج والإطار لما يتسق وشروط الواقع وطبيعة الكارثة .
.

مقالات ذات صلة

1 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x