منوعات

اليوم العالمي للمرأة ومعاناة الأُم الدارفورية

الروائي/ محمد عبد الله عبد الله أبكر

هامش الذكريات، بدأ صوت أنفاسها يعلو، لا أحد موجود هنا غيرها ومشاعرها، كل شئ يبدو أسوداً وهي لا تري غير السواد، لا تري غير الكلمات القاسية التي تخنقها بين اليأس والأمل..

بدأ قلبها ينبض بسرعة ودقات قلبها تتعالى، فكتمتها بوسادتها التي غرقت بدموعها الصامتة.

تريد أن تصرخ…
لكن لا تريد أن يسمع أحداً صوت قلبها المشوه…

فجأة في منتصف الليل…
غارات الانتنيوف دمرت الحرب بيتها ولم يتبق غير جثث أبنائها المتفحمة وجثث أهلها طافحة علي المياه‍ الراكدة…

هكذا هي اصبحت كالطائر المجروح..
حبيسة في الأرض!
ليس لها القدرة لتفرد جناحيها!

العاصفة ما زالت تدور فوق رأسها…
وهي ملقية على الأرض بين خوف ورجاء…

خوف من البشر!!
ورجاء أن تتدأوي كل جروحها..

صراع الموت والحياة…
لم تعد أن تتحمل أصوات الرعد التي أخذت طريقها إلى قلبها لترعبها…

ليس بيدها حيلة وإنها سوف تصبح رفات عما قريب…

لا أمل لديها!
تحاول أن تبحث في قلبها…
نعم!!
نعم الموت المخيف مقدر أيها الأوغاد…

لحظة!
لكني أريد أن أحيا…
كل هذه الذكريات تراودني الآن…

لا أريد أن أتذكر تلك الآلام بعد…
قلبي هش تماماً الآن، لا يتحمل وأبلاً من كل تلك الذكريات الأليمة…

أرحموني!!
أخيراً تلاشت تلك الذكريات الغريبة…
أظن أنها لحظة الحقيقة…

كم أشعر أن حزني يقتلني هكذا…
لا بأس…
وداعاً أيها العالم القاسي!
وداعاً!
كانت أصوات الأمهات الفاقدات لأولادهن…
كدوي أصوات المدافع…
بكاءًت بلا انتهاء…
أنيين…
صراخ…
آلام…
قهر…
وجع…

كانت الأمهات هن من ينالهن أكبر الأذى بالدرجة الاولي!
لأن السودان مر بحقب يصعب على الإنسانية أن تمر بمثلها…

مـرت الأم الدارفورية بسنوات من الحزن والدمار والسجون والقتل والحروب والإغتصاب والقهر والفقر والجوع والحرمان والتشرد وكل أنواع العذاب…

لذلك حتي لا تستطيع الأقلام أن تكتب كل تلك المآسي التي مرت بها المرأة في إقليم دارفور…

وسأتكلم لكم عن مأساة الأم الدارفورية ومعاناتها، وما يميز الأم الدارفورية هو نواحها الدائم بسبب أو بدون سبب؛ وتوشحها المستمر بالسواد، أتذكر منذ ان تفتحت عيناي على هذه الدنيا، وجدت جدتي متوشحة بالسواد، تنعى إبنها الذي تشرد من بطش السلطة الحاكمة، فـكانت ذات صوت شجي ونبرة حزينة تعبر عن الألم المكنون في دواخلها…

جدتي التي أتكلم عنها، تحمل حنين لا أعتقد يحمله إنسان في هذا الكون، وخصوصاً حنينها لأولادها، وهي نموذج واضح من للأمهات الدارفوريات اللواتي لم تبق معاناة إلا وقد لصقت بهن، منذ حرب الثمانينيات إلى أحداث نهاية التسعينيات وحتي مجيء الكارثة الكبري 2003م بصحبة مليشيات الجنجويد…

في تلك اللحظة فقدت الجدة إبنها بواحدة من قذائف الإنتينوف، فتحولت الجدة إلى كتلة من الحزن، لا تعرف الفرح أين يكون…

حزن سرمدي في أرض السودان التي أضحت تأخذ أولادهن واحداً واحداً…

يقتل الواحد تلو الآخر..
بل الأسرة تلو الأسرة…

لم يترك السودان شئ إلا وألقاه على هذه الأم المسكينة، حيث تجد أم واحدة فقدت اثنان من أولادها أو ثلاثة أو جميعهم، رغم أن هؤلاء النساء عشقن السودان بشدة!

ولكن رغم العشق وجدن أشد المعاناة في هذا البلد المعشوق الذي بخل عليهن حتى بالفرح!

لتعرف أن المرأة الدارفورية لا تضحك كثيراً…!

تجد وجهها حزين لفقدان ولدها أو زوجها أو غير ذلك…

فلا تظن أن ما أقوله مبالغة مني أخي القارئ أختي القارئة، فأغلب النساء الدارفوريات فقدن العزيز والغالي والنفيس بسبب الحروب التي أكلت ما أكلت منهن…

لذلك تجد أن أكثر النساء الدارفوريات لديهن صنعة أو مهنة، كي لا يحتاج أطفالهن إلى شئ، فأغلب النساء يعملن بشكل يبعث الدهشة.

كانت أم حامد التي فقدت زوجها في حرب دارفور 2003م، تخرج في وقت مبكر بعد صلاة الفجر لتعمل في بيع الشاي، وترجع ليلاً جالبة معها الطعام لأطفالها الأيتام الذين تريدهم أن يصلوا المرحلة الجامعية، فالأمهات يتميزن بالصبر والعزيمة والتضحية، فإن هذه العزيمة آتية من رحم المعاناة…

حيث لا سبيل لها إلا أن تعمل وتكدح وتعيش الضيم!

هكذا حياة أمهاتنا اللواتي قضين أعمارهن في معاناة وألم وخوف وفقر وبؤس، ولم تتذوق الواحدة منهن الراحة قط…

فقدر هؤلاء الأمهات أن يعيشن في بلد لا يعرف الأمان ولا يعرف الفرح…!

هذا واقع نعيشه يومياً ، فإلى متي تبقى أمهاتنا موشحات بالسواد، وسحابة الحزن تغطي وجوههن؟!

جدتي ما زالت تنعى وتبكي من الفراق والجروح والآلام.

8 مارس 2022م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى