مقالات الرأي

ثلاثة محطات مهمة في تأريخ حركة/ جيش تحرير السودان

بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

●إن الأعوام (2007-2011-2019) قد كانت ثلاثة محطات مهمة في تأريخ حركة/ جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ/ عبد الواحد محمد أحمد، أثبتت الوقائع صحتها وعلو كعبها وعمق نظرتها الإستراتيجية، وشجاعتها في طرح مواقفها ورؤاها دون خوف أو وجل من دعاة “الأسلمة والعربنة”، فإن معظم المواقف والقرارات التي إتخذتها الحركة قد أثبت التأريخ صحتها وبعد النظر فيها، ولكن لا كرامة لنبي في وطنه…!!

المحطة الأولي، عام 2007م:

●افتتحت حركة/ جيش تحرير السودان مكتباً لها في إسرائيل لإدارة شؤون السودانيين الذين لجأوا للدولة العبرية بعد مجزرة ميدان مصطفي محمود بالقاهرة 2005م التي نفذتها أجهزة الأمن المصرية بحق أكثر من ثلاثة آلاف من النساء والرجال والأطفال من اللاجئين السودانيين، الذين إعتصموا بالميدان سلمياً لمدة ثلاثة أشهر متصلة ، مطالبين أولاً: بعدم ترحيلهم قسرياً للسودان الذي هربوا من محرقته، كما تنوي السلطات المصرية آنذاك، وثانياً: البت في طلبات ترحيلهم إلى الدول التي وافقت على استضافتهم وهي أمريكا وكندا وأستراليا، ولكن للأسف قررت الحكومة المصرية فض الإعتصام بالقوة الباطشة عبر خراطيم المياه الملوثة بالمواد الكيماوية الحارقة رغم برودة الطقس وبالعصي الكهربائية والهراوات ، فحصدت أرواح حوالي 150 شهيداً من مختلف الأعمار والنوع ، وإصابة أكثر من 300 آخرين ، وللأسف تم إغلاق ملف هذه القضية ولم يتحدث عنه أحداً حتي اليوم..!!.

●عندما افتتحت الحركة مكتبها في مدينة تل أبيب لإدارة شؤون هؤلاء الضحايا الناجين من محرقة “ميدان مصطفي محمود” الذين فروا لإسرائيل طالبين الغوث والنجاة وبعد أن أوصدت جميع الدول العربية حدودها في وجوههم ، حينها قامت الدنيا ولم تقعد ، وقيل في الحركة ما لم يقله مالك في الخمر، وكأنها إرتكبت خطيئة لا تغتفر، فتباكي من تباكي وشتم من شتم ، وجميعهم لا يقوى على إطلاق “حجر نِبلة” على إسرائيل…!!

●بعد سنوات طرح نظام البشير الذي كان يعتبر عن إسرائيل عدواً، قضية تطبيع العلاقة مع إسرائيل في طاولة “حوار الوثبة” الذي أُطلق في 27 يناير 2014م، وقد سعت عدة قوي سياسية وشخصيات سودانية إلى خلق قناة تواصل تقود للتطبيع مع إسرائيل، ولكنها “تحت التربيزة”…!!

● بعد ثورة ديسمبر المجيدة 2018م أصبح الحديث عن التطبيع مع إسرائيل علنياً؛ لا سيما بعد لقاء البرهان مع نتنياهو في مدينة عنتبي الأوغندية في فبراير 2020م وما تلاه من لقاءات عدة في الخرطوم وتل أبيب وغيرها، وهكذا أصبح التطبيع مع دولة إسرائيل أمراً واقعاً شاء من شاء وأبي من أبي، والفضل يرجع لحركة/ جيش تحرير السودان وشجاعتها التي كسرت هذا “التابوه” في عام 2007م علناً وليس “بالدس”، فالحركة ليست كمن يذهبون لإسرائيل ليلاً وينكرون نهاراً ، وهي لا تخطو أي خطوة في السر لا تستطيع الحديث عنها في العلن.

المحطة الثانية، عام 2011م:

●بعد أن كانت معظم القوي السياسية والحركات المسلحة شريكة في سلطة نظام البشير عبر إتفاقيات: نيفاشا وأبوجا والقاهرة وأسمرا والدوحة وسرت وغيرها، أعلنت حركة/ جيش تحرير السودان “البداية الجديدة” في 13 أبريل 2011م من أجل توحيد جهود المعارضة لإسقاط نظام البشير، ومن هذه المبادرة وُلِد “تحالف كاودا” الذي تمخض عنه الإعلان السياسي للجبهة الثورية السودانية في 7 أغسطس 2011م، كأكبر تحالف عسكري وسياسي كبّد النظام هزائم مريرة عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً وأضعفه إقتصادياً ، قبل أن تنشق الجبهة الثورية “بفعل فاعل” ، ولكنها قد جهزت الملعب مع مجهودات بعض القوي السياسية والمدنية الأخري لا سيما الشباب والكنداكات لإندلاع ثورة ديسمبر المجيدة 2018م.

المحطة الثالثة، عام 2019م:

●بُعيّد سقوط البشير ، دعت قيادة حركة/ جيش تحرير السودان كافة قوي الثورة لإجتماع عاجل في أقرب فرصة ممكنة، بهدف التوافق على حكومة إنتقالية مدنية بالكامل من شخصيات مستقلة “ليست محاصصات حزبية” ، وإعلانها من داخل منصة الإعتصام بالقيادة العامة بالخرطوم ووضع جنرالات اللجنة الأمنية أمام الأمر الواقع، إما سلموا السلطة للشعب دون قيد أو شرط أو فليتواصل مد الثورة حتي إسقاطهم ، وكذلك طلبت من القوي السياسية عدم التفاوض مع العسكر، لجهة أن التفاوض معهم يعطيهم شرعية زائفة وبالتالي يفرضون شروط المشاركة في السلطة مما يعني إجهاض الثورة وحرفها عن مسارها وتحقيق أهدافها ، فإن الثورة قد اندلعت من أجل إسقاط كامل النظام وليس بعض قياداته.

●في نفس العام قالت الحركة أن حل الأزمة السودانية وتحقيق السلام الشامل والعادل والمستدام لا يتم إلا بمخاطبة جذور الأزمة التأريخية، عبر حوار سوداني سوداني داخل الوطن، وليس عبر المفاوضات الثنائية والتسويات الجزئية التي تم تجريبها وأثبتت فشلها وعجزها في تحقيق السلام والإستقرار بالسودان ، لا سيما وأن التأريخ السوداني حافل بالإتفاقيات الفاشلة التي فاقت الأربعين إتفاقية.

●عقدت الحركة لقاءًا تشاورياً خلال الفترة من 25 يونيو إلى 3 يوليو 2021م بالقيادة العامة لفرقة السودان العلماني، أجازت فيه من ضمن قضايا تنظيمية أخري، مسودة مبادرة الحوار السوداني السوداني، وعكفت على إعلان المبادرة للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي وكافة المهتمين وأصحاب الشأن، إلا أن إنقلاب 25 إكتوبر 2021م قطع الطريق أمام إعلانها ، وتم تجميدها والتفرغ لمهام وواجب إسقاط الإنقلاب أولاً ومن ثم خلق جو مدني ديمقراطي لإجراء الحوار السوداني السوداني لمخاطبة جذور الأزمة التأريخية بمشاركة الجميع عدا النظام البائد وواجهاته، وأن يكون هذا الحوار داخل الأراضي السودانية.

●من المفارقات الغريبة، عندما كانت الحركة تتحدث عن الحوار السوداني السوداني كضرورة ملحة لمخاطبة جذور الأزمة الوطنية، كان البعض ينظر إليها كمن يمتطي ناقة وسط مدينة لندن ، وحتي مستر “فولكر” قال هكذا حوار غير ممكن، وفي إجتماع رسمي مع قيادة الحركة وعبر خطاب صادر منه أشار إلى أن بعثة “يونينامس” ليس من مهامها دعم “حوار سوداني سوداني”، ولكن بعد فترة وجيزة ذات “الفولكر” إمتطي صهوة الحوار السوداني السوداني “عِرّي” وأصبح يتحدث عنه كترياق للأزمة السودانية، دون دراية بكيفية إنجازه!! .

●إن المفارقة الأكثر غرابة، هنالك من يتحدثون هذه الأيام عن حوار “سوداني سوداني” يجري القاهرة…!!.
وهذا الهراء يوضح بجلاء حالة التوهان وانسداد الأفق السياسي لإيجاد حلول حقيقية للأزمات الوطنية بأيادي سودانية بعيداً عن الأطماع الأجنبية والمحاور الإقليمية والسفارات العالمية التي أصبحت هي من تدير شأننا العام، في أبشع صور إمتهان كرامة وسيادة السودان، تلك الدولة التي عرفت انماط الحكم والإدارة منذ آلاف السنين، وللأسف وصل بها الحال بفعل قصار القامة الوطنية أن تستجدي الحلول من بغاث الدول ، وصدقت بادية البقارة حين قالت: “أبو أنخريطة كِنْ عِندّا دِهِنْ اليمسح بيّا سِيقانا”…!!

●إن كل الصفوة السياسية بالسودان، والتي تتحدث عن الحوار السوداني السوداني، تختزله في مكاسب شخصية وحزبية خاصة بها ، من أجل التمكين في كراسي السلطة عبر الفهلوة ووضع اليد، وإستبعاد السواد الأعظم من الشعب السوداني من المشاركة في صنع حاضر ومستقبل بلاده ، فإن هؤلاء الصفوة “الفاشلون تاريخياً” يُنصِبّون أنفسهم أوصياء على السودانيين ، ولا يدركون أن زمن الوصاية والتفكير بالإنابة قد ولي دون رجعة، وأن الشعب السوداني هو صاحب القرار والإرادة الحرة التي لن تهزمها كافة المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية، وأن ثورته التي عمّدها بالدماء والدموع والأشلاء سوف تنتصر لا محالة، مهما طال ليل الإنقلابيون والمطبعون والتسونجية والباحثون عن سلطة على جماجم البسطاء ومعاناة الضحايا ودماء الشهداء.

#يسقط_حكم_العسكر

#نقاوم_ولا_نساوم

3 فبراير 2023م

مقالات ذات صلة

2 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Mozamil Algali
Mozamil Algali
1 سنة

الزمن هي ألية المراقبة و التقيم الوحيد التي من خلالها، تحكم على السياسات، و القرارات، و المواقف السياسية ، التي تم اتخاذها ، نعم مواقف حركة جيش تحرير السودان، اثبت التاريخ صحتها، ولكن لايزال الوضع اكثر تعقيداً، ولذالك تحتاج لحلول عاجلة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x