مقالات الرأي

رؤية نقدية لآليات تنفيذ القانون الدولي ( الغزو الروسي لأوكرانيا نموذجاً)

عبد الحميد عبد الله ( باقا )

من المعلوم أن القانون ضرورة اجتماعية ووسيلة لا غنى عنها، إذ أن القانون الدولي منذ نشأته يسعى إلى المحافظة على السلم والأمن الدوليين ووقاية المجتمع الدولي من النزاعات والحروب المدمرة، و يلاحظ أن سلاماً نسبياً قد تحقق عالمياً وإن كان ذلك دون الطموح ولكن يكفي للابتعاد عن شبح الحروب العالمية.

إن ازدياد التواصل بين الدول وارتباط مصالحها مع ظهور علاقات متنوعة أصبح من الطبيعي أن تتطور أهداف القانون الدولي في تقوية الروابط والتعاون بين الشعوب وتحقيق التنمية الشاملة وفق ما هو مشار إليه في ميثاق الأمم المتحدة حسب المادة الأولى والتي أصبحت مجسداً لواقعنا السياسي والإجتماعي ، هذا فضلاً عن إهتمام القانون الدولي بحقوق الأشخاص سواء كانوا دولاً أو منظمات مع تحديد التزاماتها والقواعد التي تحكم العلاقات المتبادلة بين هذه الكيانات في وقتي السلم والحرب مع استثناء بعض الهيئات التي محل اهتمام القانون الدولي الخاص، ولكن مع ذلك لا يفتقد هذا القانون إلزامية قواعده.
ولكن للأسف أن المتابع بدقة للوضع الدولي قد يقف حائراً أمام السيل العارم من المخالفات الفاسدة والمتعمدة لقواعد القانون الدولي وكذلك القانون الدولي الإنساني أثناء الحروبات مما جعل الكثيرون يشككون في إلزامية قواعده على ضوء افتقارها للسلطة التي تراقب تنفيذه كما هو متعارف عليه في القوانين الداخلية، إذ أن القانون الداخلي يملك ما يمكنه من فرض سريان قواعده على كافة المخاطبين، ولكن اضحي هذا العنصر لا يتوافر في القانون الدولي الشئ الذي يضعف قيمته القانونية وبصورة أدق يعود هذا الأمر إلى غياب سلطة أعلى لفرض القواعد كما في التشريعات الوطنية والعلة في ذلك أن القانون الدولي قواعده تنشأ بين دول متساوية السيادة ليس لأحد سلطة على أخرى ، وهنا يجب أن تحاشى الخلط بين القوة التنفيذية اللازمة لتنفيذ القواعد والقوة الملزمة للقاعدة القانونية.
بدون شك أن الغزو الروسي على أوكرانيا نموذج حي في وجود أزمة غير متوهمة في آليات تطبيق القانون الدولي العام والإنساني ، حيث يقف المجتمع الدولي عاجزاً عن القيام بواجباته واتخاذ قرار صارم وواضح وذلك بمنع روسيا من الإعتداء على أوكرانيا، رغم العلم المسبق للأمم المتحدة وكذلك كل الدول العظمى قبل حدوث الإجتياح للأراضي والسيادة الأوكرانية بوقت كافي، وهذا الغزو جاء مخالفاً لمعاهدة ويستفاليا والتي تقر على ضرورة خلق توازن قوى بين الدول الكبرى بغرض ضمان السلم الدولي، ولكن تلك الفكرة أصبحت بلا جدوى ولا يصلح اللجوء إليها كقاعدة قانونية ، وما يقلق حقاً هو عدم قدرة الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدوليين، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في هيكلة المجتمع الدولي مع وضع آليات واضحة لتطبيق وتنفيذ القانون الدولي وكذلك قرارات الأسرة الدولية على وجه ينصف الدول الصغرى أمام هيمنة القوى الكبرى، ودون ذلك ستتسع رقعة التحالفات الدفاعية وستنتهي فكرة الحياد بشقيه، مما يسحب البساط من الأمم المتحدة. حسب علمي يعود أسباب الغزو الروسي لأوكرانيا يتمحور حول مساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلس ( الناتو) بينما روسيا تريد أن تجعل من أوكرانيا دولة محايدة (ايجابي). بالعودة إلى القانون الدولي ومنظوره للدولة المحايدة ومتى تكون الدولة محايدة نجد أن فكرة الحياد لا تفرض بالقوة إنما تلجأ إليها الدولة طواعية دون إملاءات ، وتخضع الدولة المحايدة لحماية واسعة النطاق من الأسرة الدولية. لذا تسعى روسيا للعودة بالمجتمع الدولي إلى الوراء في عهد المجتمع البدائي حيث القوة تنشأ الحق وتحميه..

٢ مارس ٢٠٢٢م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى