مقالات الرأي

غياب الدولة في السودان

بقلم: وليد محمد أبكر (تونجو)

الشعب يواصل الخروج في المظاهرات من أجل إزالة نظام الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ،وحينها كانت الأنظمة السياسيه صامتة كصمت القبور ،حيث تواصل الشعب السوداني في الصمود والتحدي في الخرطوم ومدن أخرى ،يتمني الكثيرين سقوط حكومة العسكر بعد هبة واحدة ،فيسارع الكثير ولو بسبب التفكير ( رغائبي) في توزيع باقات الأمل عبر موبايلات والإبتسامات ،لكنهم في ذات الوقت لا يشاركون بأنفسهم في مثل هذا النشاط الصادم ،فهم يريدون أخرون وليس هم ،ليصنعوا لهم هذا الإنجاز وليمنحوهم الحرية وينجز الأخرين كل شيء، وحين يسقط شهيد في إحدى ميادين الشرف أو ساحات الوغي أو المواجهات الصادمة لا يتأخر طرف الشهيد من نصب سرادق الاحتفاء من بين معارفهم أو من أهلهم أو من أصدقائهم ،مع ذات القوم سيكتبون القصائد ،ويذرفون الدموع إبتهاجاً بهذا النصر العظيم ،و ربما يهتفون مليون شهيد لعهد جديد وأفضل.
وبذلك أشير إلى الحقيقة هي غياب الإحساس بالإنتماء للوطن ،فهم يريدون وطناً بلا تضحيات ،وحقوق بلا واجبات ،ويفضلون المصلحة الشخصية على المصلحة العامة ،والجهة أو الحزب على الوطن، وهي سمة واضحة لا تحتاج للبحث أو الإستقصاء والإستطلاع لإثباتها، و هي واضحة داخل الأحزاب ذات طابع أيدولوجى وعقائدي إلى حين وصولهم البلد في حالة الإنشطار والتشظي .
فليس هنالك من عمل منظم على المؤسسية،وإحترام الأخر .
الدولة السودانية لم تتشكل بمعناها الحقيق حتي اليوم ،فالسودان من أكثر الدول تعدداً في الأعراق والثقافات، يوجد أكثر من ٤٩٩ قبيلة و مائة لغة، لكن المشكلة تكمُن في كيفية إدارة التنوع و الحفاظ عليه، فغياب الوطن ساهم في نموء التطرف نحو القبلية، وغرس شعور اللامبالاة، وضعف الإنتماء للوطن.
مفهوم الوطنية هو ما يقود الشعب إلى إنزلاقات حرجة، أو متطلبات شخصية تحت ضغط الإبتزاز السلطوي، ترغيباً وترهيباً مثلما فعلت الأنظمة السياسية للمواطنين، لقد إبتزل الساسة السودانيون معنى الوطنية ومفهومها لأغراض ذاتية ضيقة، ومع أصول الجماعات الإرهابية المتطرفة في السلطة بالتحالف مع المؤسسة العسكرية، قد أكتملت مؤامرة الإقصاء في الدولة بعد
إختطاف مشروع الدولة لصالح نخب من المركز ،وهي أكثر تطرفاً، لأنها تنقصها القيم والأخلاق الوطنية لإدارة الوطن بحجم السودان المتنوع وهي مغلقة وضيقة في الأفق، ومستبدة، وقاهرة بل ذهبت هذه الجماعات أكثر من هذا، حيث تزاوجت بين السلطة الدينية والعسكرية، ومعروف تاريخياً منذ لحظة خروج المستعمر خصص الجيش السوداني لحروبات داخلية وأهلية بغرض الإنتهاكات ضد السودانيين في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وبقية أجزاء السودان ،وممارسة القتل والعنف وارتكاب أبشع أنواع جرائم الحرب والابادة والتطهير العرقي الممنهج ضد المواطنين العزل، ولم يشارك يوم ما ولو بثانية في اي حرب وطنية كانت ،وظل يتدخل بإستمرار في السياسة ويترك مهامه المخصص له ألا وهو الدفاع عن الوطن، وكانت نتيجة التزاوج بين المؤسسة العسكرية والسلطة الدينية نشوب قتل مستمر والحروبات التي لم تتوقف بعد .
لذلك نجد أن النخب السياسية المركزية التي تعاقبت في سلطة إدارة البلد،قد ساهمت جميعها في الترحيل القسري بإقليم دارفور وجنوب كردفان في سياق عملية الإبدال والإحلال لتغيير ( الديمغرافي) وإبعاد السكان الأصليين وإبدالهم بمستوطنين جدد بغرض أيدولوجيا الأسلاموعروبية لأحتلال الأراضي.
فأسست الأنظمة الفاشلة في إستغلال ذاكرة الشعب من الإنتماء للوطن إلى غسيل دماغ ممنهج، وغياب الحاضر والمستقبل عن تاريخها.
لذا نجد اليوم أن المجتمع السوداني تشذب مسيرته في قيود الماضي وتطرحه ذلك في أرض الحائط ويعود لتبني مشروعها الوطني عبر قوائدها ،وتنظم أمورها لبناء الوطن المفقود بإجتهاد ذاتي وإدراك عقلي.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x