مقالات الرأي

لماذا نص النظام الأساسى لحركة/ جيش تحرير السودان على تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 30% فى كل مؤسسات و أجهزة الحركة؟!

محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

لقد أثار بعض المهتمين والمتابعين لشأن حركة/ جيش تحرير السودان عدة أسئلة وإستفهامات حول الفقرة (4) فى الباب الأول من النظام الأساسي لحركة/ جيش تحرير السودان لسنة 2011 تعديل 2014 والتى تقرأ: (تمثّل المرأة بنسبة لا تقل عن 30% فى كل مؤسسات وأجهزة الحركة) وقد حفظ النظام الأساسي المعدل هذه الإجراءات كما ورد في المادة (1) الفقرة (4) من الباب الأول.

إعتبر كثيرون أن ذلك الإجراء منافياً لمبادىء العلمانية والليبرالية التى يستند عليهما مشروع الحركة , فأردت أن أوضح بعض الجوانب المتعلقة بهذا الأمر , ولا أدعى العلم والإحاطة أو الإلمام بالقانون وشئون الدساتير إلا النذر اليسير الذى علمتنى إياه تجارب العمل العام.
إنّ قضية تمثيل المرأة وتعزيز مشاركتها الفعالة في العمل السياسي مازالت منقوصة بشكل ملحوظ ولم تحظ باهتمام كبيرعلى أجندة الأحزاب السياسية الحكومية أو المعارضة بشكل عام في العالم وذلك بسبب الواقع الاجتماعي السائد ورسوخ النظرة الدونية للمرأة , و تعتبر مشاركة المرأة في الحياة السياسية مؤشر ومقياس على تقدم وتحضر المجتمع, ومن أجل ضمان وتعزيز تواجد المرأة في العملية السياسية في المجتمع يجب تطوير مشاركة المرأة في الأحزاب والحركات المسلحة والمنظومات الإجتماعية المختلفة, ومنظمات المجتمع المدني التي تهتم بمختلف قضايا المجتمع او تسعى الى فتح الطريق امام مشاركة المرأة السياسية وأبراز دورها، يضاف الى ذلك وجود قوانين معاصرة تقر بالحقوق الاساسية المشروعة للمراة والتى تضمن حرياتها ومساواتها.
هنالك عدة عوامل وأسباب تعيق عملية مشاركة المرأة في العملية السياسة وعدم تواجدها بالحد المطلوب في مواقع صنع القرار ومنها :التمييز الجندرى , وسيادة المفاهيم المعادية لحقوق المرأة في المجتمع , وعدم وعي المرأة لأهمية مشاركتها في العمل السياسى , وتفشى ظاهرة الجهل والأمية فى المجتمع والتى تنال المرأة نصيب الأسد منها , فإنّ التجارب الديمقراطية والليبرالية فى العالم والتى نعتبرها نموذجاً رائداً لم تبلغ حتى الآن مرحلة التمثيل العادل للمرأة فى المشاركة السياسية , ولا تزال نسبة مشاركة المرأة السياسية فى مواقع إتخاذ القرارات متدنية جداً وفق الشواهد والإحصاءات الماثلة أمامنا , فمثلا (منذ حصول المرأة الأمريكية على حق التصويت فى التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكى عام 1920 , وهى تحاول الحصول على تمثيل فى المناصب السياسية يناسب أعداد النساء التى تفوق الرجال فى الولايات المتحدة الأمريكية , لكنها لم تقترب حتى الآن من تحقيق هذا الهدف , وبحسب أحدث الإحصائيات , فإن المعدل الحالى لتطوّر التمثيل السياسي للنساء فى أمريكا على مستوى الولايات والمستوى الوطنى لن يصل بالمرأة إلى تمثيل عادل قبل مرور 500 عام على الأقل) , وذكرت الدكتورة ويندى سيموث أستاذ مساعد دراسات المرأة فى جامعة أوهايو العامة (أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتل المرتبة ال 91 حول العالم من حيث تمثيل المرأة فى هيئاتها التشريعية ) , أى ما يعادل 16.8% من إجمالى المقاعد فى الهيئة التشريعية .
نسبة تمثيل المرأة فى بعض برلمانات دول العالم:
الجزائر: 31.38%
روسيا: 13.6%
أمريكا: 16.8%
فرنسا: 18.9%
الصين: 21.3%
بريطانيا: 22.3%
رواندا: 56.3%
إنّ كثير من مجتمعاتنا السودانية لا تزال تعيق تمثيل المرأة وفقاً للثقافة الذكورية السائدة والمرأة نفسها لا تزال تكافح من أجل الخروج من كوابح مجتمعاتها والتقاليد التى تكبلها , وأن نسبة التمثيل أو ما يعرف بنظام الكوتة ليست بدعة جاءت بها حركة تحرير السودان إنما هى أراء وإجتهادات العديد من السياسيين والمفكرين والقانونيين من أجل فرض الأمر الواقع للمجتمعات التى لا تفي المرأة حقها العادل فى التمثيل النيابى والمشاركة السياسية طالما أنها لا تأتى بالمرأة فى الظروف العادية , ويتم ذلك وفق قرارات دستورية ملزمة للأطراف المعنية تحفظ للمرأة حقها فى المشاركة والتمثيل من أجل تعزيز وتفعيل دور المرأة فى المجتمع بشكل عام والحياة السياسية بشكل خاص وصولاً للتمثيل العادل المنشود.
تختلف أنظمة الكوتة من بلد لآخر ، وعليه فإن هنالك أربعة أنظمة رئيسة للكوتة وهي الحصة الدستورية والحصة القانونية للبرلمان والحصة القانونية للمجالس المحلية والحصة الحزبية وتأخذ العديد من الدول بأكثر من نظام في الوقت نفسه.
الكوتة الدستورية:
هي نظام تخصص فيه مقاعد للمرأة في البرلمان بنص في الدستور .. وتأتي فرنسا والارجنتين والفلبين ونيبال ورواندا وأوغندا وبوركينا فاسو ضمن 14 دولة تأخذ بهذا النظام ، وبه حققت رواندا على نسبة تمثيل للمرأة في البرلمان في العالم (48.5%).
الكوتة القانونية:
هي نظام تخصص فيه مقاعد للمرأة في البرلمان بنص في قانون الانتخابات.والدول الأربع عشر التي تأخذ بنظام الكوتة الدستورية تقع ضمن 32 دولة صدرت فيها قوانين تنص على تخصيص نسبة من المقاعد في البرلمان للمرأة .. وتتوسع دول أمريكا اللاتينية في الأخذ بنظام الكوتة القانونية ومنها البرازيل والارجنتين والمكسيك ، ومن أوروبا تطبق هذا النظام العديد من الدول ومنها فرنسا وبلجيكا ، وباكستان واندونيسيا في آسيا ومن الدول العربية السودان.
الكوتة القانونية في المجالس المحلية:
وقد أخذت الهند بهذا النظام لتخصيص ثلث المقاعد بالمجالس المحلية للسيدات ،وكذلك فعلت جنوب افريقيا لتصل إلى نسبة مماثلة .. أما في فرنسا فقد نص القانون على تخصيص نسبة النصف (50%) في قوائم الأحزاب إذا كان عدد المقاعد ستة مقاعد أو أكثر ، حيث تجري الانتخابات المحلية بنظام القوائم .. ومن الدول الأخرى التي تأخذ بهذا النظام باكستان واليونان وتايوان وبيرو وهذا النوع : ينص عليه في الدستور أو بالقانون.
نظام الحصة الحزبية:
تطبق هذا النظام 61 دولة ، وأهمها الدول الاسكندنافية ، وفيها تلتزم الأحزاب بترشيح نسبة النصف على قوائمها من السيدات وهو التزام اختياري دون تشريع في بعض الأحيان كايطاليا والنرويج واجباري في أحيان أخرى كالسويد ، وهي دول تجري فيها الانتخابات بنظام القوائم.
ومن الدول التي ترشح فيها الأحزاب عدداً من السيدات التزاماً بالقانون ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسويد واسبانيا وبلجيكا والنمسا وسويسرا وبولندا وايرلندا واستراليا واسرائيل وباراجواي .. والهند والبرازيل وكندا ومن الدول العربية الجزائر وتونس والمغرب.
وقد ينص القانون على أن ترشح الأحزاب سيدات بوضع عدد محدد من المرشحات ضمن قوائمها أو على أن تخصص نسبة للسيدات ضمن الترشيح المبدئي داخل الحزب مثل بريطانيا.
وفي فرنسا تجرى انتخابات الجمعية الوطنية بالنظام الفردي .. لذا لا يلزم القانون الأحزاب بتخصيص نصف الترشيحات للسيدات ولكنه يوقع عقوبة مالية على الحزب الذي لاتمثل السيدات نصف عدد مرشحيه في الانتخابات العامة التي تجرى بالنظام الفردي.
وتعتبر الكوتة إحدى الوسائل الكفيلة بتأمين وصول المرأة للبرلمان، وهي تمييز إيجابي لصالح المرأة كما نصت عليه المادة «4» من اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة لا يعتبر اتخاذ الدول تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزاً بالمعنى الفعلي الذي تأخذ به هذه الاتفاقية ولكنه يجب ان لا يستتبعه الابقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت اهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة وهذه التدابير تمكن المرأة من المشاركة في صياغة السياسة العامة للحكومة وتأدية المهام على المستويات المختلفة.
كما وقد نصت المواثيق الدولية على أن التمتع بالحقوق يجب أن يتم بدون تمييز من أي نوع فالمادة «3» من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نصت على أن تتعهد الدول الأطراف بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد وكذا نصت المادة «26» على ان الناس جميعاً سواء أمام القانون ولذلك يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الاشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب كالعرف أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسياً أو الاصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الاسباب.ولكن ومن منطلق مبدأ التمييز الايجابي أصبح من الواضح انه دون مشاركة عادلة للمرأة في مواقع صنع القرار، لن تتمكن النساء من ادماج نظرتها في رسم السياسات وتعديل المفاهيم والقيم ولقد نصت استراتيجية النهوض بالمرأة عام 2000 والتي أقرت في مؤتمر المرأة العالمي الثالث في نيروبي عام 1985 على أهمية زيادة نسبة مشاركة المرأة في مواقع القرار وتم التأكيد على ذلك في وثيقة بكين الدولية عام 1995م والتي حثت الدول على تعديل القوانين والتشريعات لتطوير هذه الزيادة إلى نسبة لاتقل عن «30%» كما ودعت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة إلى اعتماد مبدأ التمييز الايجابي لصالح المرأة وذلك على اعتبار أن التمييز الايجابي لصالح الفئات الاقل حظاً لايعد تمييزاً مجحفاً بحق الفئات الأخرى بقدر ما يساعد على الوصول إلى تحقيق المساواة والعدالة في المجتمع والذي يعد أيضاً بمثابة احداث طفرة لتحقيق قفزة نوعية في تطوير المجتمع من أجل رفع مستوى مشاركة المرأة وتطوير أوضاعها وادماج رؤيتها في سياسات المجتمع.
إنّ الأصوات المعارضة لهذا الإجراء رغم صحة منطقها إلا مجافية لواقع مجتمعاتنا السودانية التى أغلبها تتسم بالسيطرة الذكورية وتهميش المرأة وتسفيه دورها فى العمل السياسي والتى فى ظل واقع متردى كهذا لا يمكن أن نضمن مشاركة المرأة بصورة ديمقراطية فى أى موقع من المواقع , فكانت الرؤية الموضوعية حسب مشرعى النظام الأساسي أن يتم تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 30% كحد أدنى للمشاركة على أن تنافس مع الرجل فى النسبة المتبقية 70% ولها الحق أيضاً أن تحصل علي النسبة الكاملة 100% عبر الإجراء الديمقراطى والإختيار الحر .

المراجع:
• صحيفة البلد الإلكترونية.
• موقع الحوار المتمدن.
• دكتور/ سوسن صالح الحضرمى – صحيفة الجمهورية.
• جريدة الشعب الجديد.
• موقع الخرساء الإلكترونى.
• دكتور/ ويندى سيموث.
• النظام الأساسي لحركة/ جيش تحرير السودان لسنة 2014 تعديل 2021 .

عُدِّل في 18 فبراير 2022م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى