مقالات الرأي

نحو تطوير الإدارة الأهلية بالسودان

بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

توطئة:


هذا المقال عبارة عن ملخص لورقة داخلية قمتُ بإعدادها في عام 2012م حملت عنوان: “دور الإدارة الأهلية فى التغيير القادم” كمساهمة في إطار الإستفادة من وضعية الإدارة الأهلية لإحداث تغيير جذري بالسودان وحل المشاكل والنزاعات ذات الطابع العرقي، التي قادت إلى تفكيك المجتمعات ونسيجها المترابط نسبياً.

●الادارة الأهلية قد لعبت دوراً كبيراً في تسيير حركة دولاب الحياة في السودان عبر الحقب التاريخية الماضية ، وكلنا يعرف دور المشائخ والعمد والنظار والسلاطين وغيرهم من المسميات، في إدارة شؤون القبائل والمكونات الإجتماعية في القري والحواكير والديار ، والحد من ظاهرة الجرائم والمشاكل الإجتماعية وحل الخلافات التي تنشب داخل الكيان القبلي الواحد أو بين مكونين قبليين أو أكثر، وذلك من خلال الحلول والمعالجات السلمية بالوساطات والجوديات والأعراف المحلية.

●لقد حدثت الكثير من الإضطرابات والتحديات في مجتمعاتنا بعد تسييس الإدارة الأهلية وإلغاء دورها التقليدي وإبداله بما يسمي ب”اللجان الشعبية” ، ويعتبر إقليمي كردفان ودارفور من أبرز الأمثلة للدور السالب لعملية تسييس الإدارة الأهلية، التي تم إستغلالها في دعم المجهود الحربي وتجنيد المقاتلين من أبناء القبائل وتسليحهم كمليشيات حكومية، وقد تم منح بعض الإدارات الأهلية رتب ونمر عسكرية، وُزِعت لمنسوبيها وبعض المبالغ النقدية كنوع من التحفيز للإنخراط في هذا العمل المليشوي، وبذلك أصبحت الإدارة الأهلية طرفاً في الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر؛ وهذا قاد لإزداد حالة الإحتقان القبلي والعشائري والجهوي، وتعمقت الأزمات والصراعات بين المجتمعات ، وبرزت الإصطفافات والتقسيمات العرقية، بفعل الإختلالات التي حدثت للإدارة الأهلية ، التي صارت جزءًا من المشاكل بدلاً أن تكون جزءًا من الحلول، فكثرت النزاعات القبلية والعرقية حول ملكية الأرض والمسارات والمراعي وموارد المياه ، فغاب السلام الإجتماعي والتسامح الذي ساد منذ مئات السنوات، حيث كانت كلمة الإدارة الأهلية مسموعة، وكان رجل الإدارة الأهلية يتسم بالحكمة والدراية بالأعراف والإحترام ، ويعمل من أجل تحقيق أجندة مجتمعه وعشيرته في السلم والإستقرار وليست تنفيذ الأجندة السياسية للسلطة السياسية الحاكمة.

■ماهية الإدارة الأهلية:

هنالك عدة تعريفات للإدارة الأهلية ، وهي من أقدم أنماط الحكم والإدارة التي عرفتها البشرية، فالإدارة الأهلية بالسودان وُجدت قبل وجود الدولة السودانية الحديثة ، منذ أن كان السودان يتكون من ممالك وسلطنات مستقلة.
الإدارة الأهلية هي نمط من أنماط الحكم غير المباشر ، ولديها بعض الصلاحيات والسلطات الإدارية والأمنية والقضائية ، وهى تقوم على أساس “سلطة القبيلة” ، وأن زعيم القبيلة هو رئيسها الإداري وصاحب السلطة القضائية فيها، ويختلف مسمي وتسلسل الإدارة الأهلية من قبيلة لأخري حسب ثقافة المجتمع العشائري.
الإدارة الأهلية تعني إصطلاحاً: المؤسسات القبلية التي توارثتها الجماعات الإفريقية وطورها الساسة البريطانيون إلى أن أصبحت عبارة عن أجهزة محلية تنظم نشاطات الأفراد والمجموعات القبلية، وتعمل على بسط الأمن والإستقرار وحماية البيئة المحلية إجتماعياً وإقتصادياً وفق التقاليد والأعراف والموروثات، بصلاحيات إدارية وأمنية وقضائية تستمد قوتها من السلطة المركزية الحاكمة تخويلاً أو تفويضاً.

■دور الإدارة الأهلية المرتقب:

أعتقد أن الإدارة الأهلية بالسودان لا تزال تلعب دوراً مهماً رغم العثرات والتحديات التي واجهتها، وما تعرضت له من تسييس وتدمير ممنهج، واستغلال سالب أضر بمصالح المجتمعات القبلية والعشائر والسودان ككل.

هنالك بعض رجالات الإدارة الأهلية الذين عرفوا بالحكمة والإستقامة الإدارية ، ولم ينحرفوا أو يصبحوا مطية للأجندة السياسية ، وعملوا بصدق وتجرد من أجل حلحلة المشاكل والمحافظة على لحمة وتماسك مجتمعاتهم ولا يزالون.

●من أجل تطوير الإدارة الأهلية كي يكون لها دوراً إيجابياً وفاعلاً في استقرار المجتمعات ودعم التعايش السلمي ، وللحد من النعرات العنصرية والنزاعات العرقية وتفشي ظاهرة “قبلنة الصراعات” دون إغفال لمبدأ ملكية الأرض والحواكير ، وتماشياً مع التطور الكوني والتمدد السكاني، وكنظرة موضوعية للمستقبل بعيداً عن التقوقع القبلي، فإننى أري الآتي:

●أن تقوم الإدارة الأهلية على مبدأ جغرافي وليس قبلي، بمعني أن يكون زعيم الإدارة الأهلية مختاراً ومسئولاً عن كل رعاياه في الرقعة الجغرافية المعنية، بغض النظر عن قبائلهم وأصولهم العرقية ، كي نحد من ظاهرة النعرات القبلية والعرقية المتفشية، وأن يقوم متخصصون في مجالات القانون والحكم والإدارة والإدارات الأهلية، بوضع تصور لمعالجة الإشكالات والإفرازات التي سوف تفرزها عملية الإنتقال لهذا النمط، فيما يتعلق بملكية الأرض والحواكير على الأساس القبلي والعشائري التقليدي.

●أن تخضع جميع مستويات الإدارة الأهلية للإنتخابات “دمقرطة الإدارة الأهلية” والإختيار الحر من جميع المواطنين في المنطقة المعنية ، مع إعطاء المرأة حق الترشح والمنافسة على قدم المساواة مع الرجل، وأعتقد أن هذا الإجراء يساعد في بناء مجتمع ديمقراطي من شأنه تجذير الديمقراطية في السودان ، فواحدة من إشكالات الديمقراطية بالسودان من وجهة نظري أن المجتمع السوداني غير ديمقراطي ، فهو يقوم على وراثة السلطة المحلية ، وبذلك لا يري ضيراً أن يستمر زعيم الإدارة الأهلية في منصبه حتي مماته، ثم يأتي إبنه أو شقيقه أو شخص من ذات الأسرة الحاكمة، وقد وجدت الإنقلابات العسكرية والدكتاتوريات ضالتها في هكذا مجتمع متسامح مع مسألة تكريس السلطة في يد فرد واحد لعشرات السنوات، ولا يري أن ذلك خروجاً عن المألوف، وهذا واحد من تفسيراتي لأسباب طول أمد الدكتاتوريات بالسودان.
أيضاً هذا النوع من أنماط الإدارة، يُمكِّن المجتمعات من إختيار حكامها وممثليها المحليين ، وليس الإذعان لفرض شخص عليهم بالوراثة بغض النظر عن نجاحاته أو فشله في الإدارة، كما إنه يضمن إختيار زعماء أكفاء ومؤهلين وأقوياء.

●تحديد مدة الإدارة الأهلية ب”خمسة سنوات مثلا” قابلة للتجديد مرة واحد فقط، بهدف ارساء قيم الديمقراطية وتداول السلطة المحلية وفتح مجال المشاركة والتنافس للآخرين، وتجديد الدماء والطاقات، بما يساهم في تطوير المجتمعات ، والاستفادة من تجارب الدول المشابهة التي طورت من أنماط إدارة مجتمعاتها المحلية.

●الفصل بين السلطتين القضائية والإدارية فى المحاكم الشعبية، بمعنى إذا استمرت الحوجة للمحاكم الأهلية ، لا يجمع زعيم الإدارة الأهلية بين هاتين السلطتين، وأن تخضعا في المحاسبة والتعيين لجهتين مختلفتين “فى الإدارة للشعب وفى القضاء للسلطة القضائية”.

4 فبراير 2023م

مقالات ذات صلة

3 2 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Mozamil Algali
Mozamil Algali
1 سنة

إذا قسمنا الفشل السودان بالأنسبة في، عدم نهضته ، و تطوره.. ألخ، نجد ان الإدارات الأهلية تكاد ان تنافس العسكر ، في حيازة النسيب الأكبر من المسؤولية؛ وهذا يرجع لعدة عوامل كما ذُوكرِت، ولكن الحقيقة الثابته سيظل الإدارات الأهلية بهذا الشكل، ما لم تأتي دستور ثابت، تقنن وضع إلادارة الأهلية، و تحدد مستويات الحكم من الأدنى الي الأعلى بطريقة ديمقراطية .
اتفق تماماً في جزئية، نهاية المقال، ان الإدارات الأهلية تكاد ان تملك كل السلطات ولا سيماً القضائي و التنفيذية، و هذا من أخطر انواع الشموليات، ان تكون جلاد و حكم .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x