مقالات الرأي

رسائل خاطئة صادرة أثناء الحرب من (ياسر العطا, التعايشي وعزت) (4)


بقلم: الصادق علي حسن

مكامن الأزمة :
لا توجد دراسات وبحوث معتبرة تناولت مسببات الصراعات السياسية والإجتماعية بالسودان بصورة شاملة وغالبية الدراسات والبحوث عبارة عن بحوث ودراسات في موضوعات اكاديمية من جوانب محددة ، أما بحوث ودراسات مراكز الدولة فهي عبارة عن تصورات سياسية تكون ناتجة عن رؤى قاصرة تنظر فقط لزاوية السلطة وخدمة النظام الحاكم ، لذلك ظلت المشكلات والحروبات تندلع وتتأزم ، وتتم تسوية بعضها من خلال إبرام تسويات سياسية لا تخاطب جذور القضايا والأزمات وأغفال اعمقها، وتظل هنالك قضايا مرفوعة ، كما وبعد فترة وأخرى تظهر قضايا ومشكلات أكثر تعقيدا بذات الشعارات والمطالب أو بشعارات ومطالب جديدة ، الآن وصلت الصراعات الدائرة على السلطة إلى عمق الدولة لتضرب بعنف ما يجمع بين شعوبها من مشتركات وعقد مواطنة ، والسائد رؤى سطحية لا تخاطب جذوره هذه المشكلات والقضايا ، وقد انزلقت لتصورات النخب وغالبيتها تكرس لخطاب الكراهية ، ففي جانب الموالين للبرهان والداعمين لإستمرار الحرب ظهرت العديد من الأصوات تصف قوات الدعم السريع بانها وأفدة من الخارج من مالي والنيجر وتشاد الخ وكأنها ليست هي تلك القوات التي أنشأها النظام البائد بتشريع تم سنه من برلمانه، كما وفي جانب الموالين لحميدتي برزت عدة اصوات تدعو إلى إنهاء مشروع دولة 1956، وأخذت الدفوعات المتبادلة بين الطرفين الموالية منه والمناهضة ابعادا عميقة برواسب كراهية ، لقد صار عدد ضحايا القتل الجزافي بالآلأف والنازحين والاجئين والجرحى والمصابين بمئات الآلأف ودمار الممتلكات العامة والخاصة والنهب والسلب مجرد أرقام في الوسائط، ولم تعد هنالك دولة، وفي ظل هذه الظروف هنالك اخبارا متداولة عن مشاورات تجري بين تنظيمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني لإعلان حكومة بالمنافي وإجتماعات عقدت في عواصم دول جوار ، وهؤلاء لا يدركون مثالب مثل هذه الخطوة والتي تحدث فرقعات في الوسائط ولن تخاطب جذور الأزمة كما ولن تقدم لها اي حلول لها، بل تأتي بأسماء نخب تتجول في المنابر والمحافل وتتحدث في الوسائط ثم تذهب لتأتي امثالها ، إن الوصول إلى الحلول الناجعة يبدأ بالبحث عن مكامن الأزمات والعمل على علاجها بصورة متكاملة بداية من جذورها ، والباحث المنقب سيجد ان من أسباب تكريس هذه الأزمات والمشكلات ، ومن ساهم في صناعتها ثم تطورت وتجذرت عقلية المركز والنظام البائد ثم أصابع خليجية ودولية وجدت ضالت وتدخلت وصارت تديرها ، الخرطوم كانت قد صارت من مراكز تصدير المشاكل والحاكم لبعض دول أفريقيا وكانت فقط تسمع بنتائجها ، بددت امكانيات الدولة في حروبات طويلة بجنوب السودان تحت غطاء الجهاد الإسلامي ، ومزقت النسيج الإجتماعي في دارفور تحت غطاء العروبة ونلقت مسببات الحرب إلى مركز قرارها بالخرطوم وهي تدري العواقب وحينما خرج عليها حميدتي تعالت أصواتها (تشاديون ،نيجريون، ماليون وافدون وأجانب) .
القاسم المشترك استغلال البدو :
حياة الإنسان تطورت من حياة الغابة والبداوة إلى حياة الريف والمدنية، أفريقيا أراضي ومياة وغابات لذلك لم تعرف حياة البداوة أما الجزيرة العربية فهي أراضى صحراء جدباء قاحلة أرتبطت بها حياة البدو والتنقل، والغابة والصحراء نمطان من أنماط التطور البشري ، حياة الغابة هي حياة الإستقرار وحياة الصحراء هي حياة التنقل ، إنسان الغابة مرتبطا بالأرض أما إنسان الصحراء فيجد ذاته في التنقل ووصل بدو الجزيرة العربية في تنقلهم إلى جنوب الصحرى الكبرى بأفريقيا ولا يزالون في تجوالهم تجد غالبيتهم لم يرتبطوا بحدود جغرافية معينة كالعرب الذين وصلوا إلى أفريقيا من حضر الحجاز من مكة والمدينة ونجد وغيرها ومناطق اليمن وهم دعاة قرآن وأصحاب علوم ومعارف وتجار وأسسوا مع السكان المحليين حضارات ونظم . التطور المدني في البلدان الأفريقية كان جزئيا كما ولم يشمل إنسان الصحراء والذي ظل في بيئة قاحلة جرداء بالصحراء الكبرى من دون تعليم أو خدمات أو توعية، لم يكن من إهتمام الدول المتأثرة بالصحراء بإنسان الصحراء خاصة بعد سقوط نظام الرئيس الليبي معمر القذافي كما وسعت الأنظمة والحركات المسلحة في توظيف اعدادا كبيرة منهم في الحروبات داخل الأراضى الليبية وقبل ذلك كان نظام المؤتمر الوطني استخدامهم في محاولات تغيير انظمة دول في غرب أفريقيا وفي السنوات الأخيرة من ذهاب المخلوع قام منسوبي النظام البائد بتغيير نظام الحكم في بانغي لصالح مجموعات محلية مسلمة وأشرف التنفيذ قيادات نافذة من أبناء ولاية جنوب دارفور بالمؤتمر الوطني ولكن سرعان من انقلبت الدائرة على مسلمي أفريقيا الوسطى بالقتل الجزافي والتشفي وكانت حصيلة نظام المؤتمر الوطني بالخرطوم صور وفيديوهات بمشاهد وفظائع وأهوال ترتكب ضد المسلمين ومناشدات من قبل منظمة الدعوة الإسلامية لنجدة المسلمين بأفريقيا الوسطى ، البدو لهم القدرة على التحمل كما وصاروا مطايا لأجندات الأنظمة والدول والطامحين في السلطة بالخرطوم ولكن أيضا لهم الفطنة والمكر والدهاء ، تم استغلال الحمية العرقية فيهم وصاروا عبارة عن بنادق للقتال ثم طورت دول خليجية نزعاتهم ، فالبدو في حقيقة الأمر عبارة عن ضحايا ، يقاتلون بشراسة متناهية ومن يقتلوا منهم تترك جثثهم في العراء كآليات الحرب المدمرة، لا عويل ولا صياح ولا نواح ، لذلك النظرة الإستراتيجة في المستقبل بدلا من الركون إلى خطاب الكراهية إنعقاد مؤتمر يجمع دول ليبيا وتشاد وافريقيا الوسطى ومالي والنيجر والسودان لبحث ملف البدو الرحل حتى لا يحول هؤلاء البدو المنطقة برمتها إلى جحيم حروبات متواصلة وخاصة هنالك شركة فاغنر التي توغلت بالحزام وتوسعت فيه واصابع خليجية تعبث ببدو الصحراء ، في ليبيا تعالت اصوات لإخراج هؤلاء البدو وكان من ضمن خطط الوساطة الدولية إخراج العديد منهم ضمن الحركات المسلحة إلى دارفور ، وفي مالي هدد الرئيس المالي بطردهم ، كما ظهرت لهم تأثيرات في أفريقيا الوسطى ، هؤلاء البدو الرحل ظلوا يحتفظون بحياة البداوة ويتحملون قساوتها وأهوال الحروبات، كما لا يمثلون عرقيات محددة، هنالك مليشيات منهم ظهرت في غرب دارفور ومارسوا كل انواع القتل الجزافي والتهب وتجدهم يرتكبون افظع انواع الجرائم الموصوفة في الدين الإسلامي وهم يهللون ويكبرون لأنهم يجلهون ابسط قواعد الدين الإسلامي وتعاليمه، ومن الخطأ الجسيم ربط هؤلاء البدو الرحل بالمجموعات العربية المستقرة في غرب السودان وغيرها من المناطق والتي ساهمت مع المكونات الأخرى في تأسيس الدولة السودانية ، إن الإستهانة بالبدو الرحل وعدم البحث عن وسائل لإيجاد معالجات لظواهر استخدامهم في محاولات تغيير أنظمة الدول بالغرب الأفريقي خاصة انظمة دول الصحراء الكبرى الهشة بما في ذلك السودان مؤخرا، وان تتولى الأمم المتحدة بما لديها من قدرات مساعدة دول الصحراء المتأثرة بالبدو الرحل حول كيفية استقرارهم وفقا لنظم الأمم المتحدة مع قواعد هذه الدول المنظمة للمواطنة ، ومن مسؤولية الأمم المتحدة تحويل هؤلاء البدو إلى مجموعات مستقرة تنال حظها من الرقي والتطور الإنساني لا ان تبقى هكذا لتستغل في القتل والهدم والتدمير – نواصل .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x