مقالات الرأي

السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لا تمتلكان رؤية مدركة للمدخل السليم للإنتقال الديمقراطي في السودان (2)


بقلم: الصادق علي حسن

المدخل السليم لإيجاد المعالجات الناجعة لقضايا ومشكلات البلاد يبدأ بإنهاء حالة تعدد الجيوش وعلى رأسها الدعم السريع والحركات المسلحة والإصلاح العسكري والأمني للقوات النظامية، هذه الأمور قد صارت من البديهيات، ولكن السؤال كيف يتحقق هذا الأمر ، لقد كانت الإجابة سهلة ومتاحة ومن دون أي كلفة وبلا اي اهدار للموارد المادية والبشرية والوقت وبما كان يحفظ تماسك الدولة ووضعها في المسار الصحيح في إتجاه التحول الديمقراطي وذلك بإستعادة الوضع الدستوري الذي إنقلب عليه النظام البائد في 30 يونيو 89 بمجرد إنهاء نظام البشير ومن خلال استعادة الوضع الدستوري المُنقلب عليه، تلقائيا يبطل قانون الدعم السريع كغيره ضمن تشريعات النظام البائد ليصبح العمل الصحيح مع النتائج بتدابير إدارية ،كما يبطل قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية ليبطل معه حزب المؤتمر الوطني فيصبح إتخاذ الإجراء الصحيح مع النتائج بتدابير إدارية ، ولن تكون هنالك حاجة لممارسة التسويف بالقانون والإبقاء على مقبوضي النظام البائد ووضعهم بالحراسات والسجون لفترات وآجال طويلة من خلال إجراءات قانونية غير جادة حتى يخرجوا بسيناريو إطلاق السجناء وإخلاء السجون الذي خرجوا به وتبادل الإتهامات بين طرفي الحرب ، الإستعادة الإجرائية للدستور المؤقت والمقوض في 89 تؤدي لوجود السند الدستوري والقانوني لمحاكمة البشير وأعوانه بالبينة الدامغة والتي لا تحتاج إلى تعضيد أو سماع لأقوال الشهود ، ولكن ثم لكن ،لم تحدث الإستعادة ، وقد أنتجت القوى التي أطلقت على نفسها الحرية والتغيير الوثيقة الدستورية المعيبة جوهريا ومن أهم نتائجها ان جعلت الإنقلابات العسكرية عملا مباحا كما وأسبغت المشروعية على إنقلاب 89 بأثر رجعي ، لقد قدم الإتهام الذي يترأسه مولانا عبد القادر البدوي وزملاؤه في محاكمة البشير وأعوانه كل الأدلة والبراهين للمحكمة ولكنه لم يُقدم المستند الرئيس وهو الدستور المؤقت الذي تم تقويضه في 89 والذي لم تتم إستعادته ، وفي آخر جلسات محاكمة البشير وأعوانه قبل التعطيل طلب القاضي من المتهم الطيب سيخة الذي طلب إذن ان لا يستعجل الخروج المؤقت ويتمهل، بل أوعز للدفاع صراحة للتقدم بطلب تحت المادة 141 وأحكام هذه المادة بالنسبة لغير القانونيين عن شطب الدعوى لعدم توفر البينة، لقد كان الشارع السوداني البسيط ينتظر محاكمة البشير وأعوانه وهو لا يدري بان كل القوانين السارية بما في ذلك القانون الذي يحاكم به البشير من صنعه وان الوثيقة الدستورية المعيبة أسبغت على إنقلاب البشير مشروعية الفعل المباح وان الأفعال التي كانت مُجرمة قانونا عند إرتكابها تصبح غير مُجرمة بمجرد نزع صفة التجريم عنها وأسباغ صفة المشروعية عليها بمثلما حدث لإنقلاب البشير بموجب أحكام الوثيقة الدستورية المعيبة .
وبمثلما اضاعت قوى الحرية والتغيير الإستعادة الإجرائية السليمة للمسار الديمقراطي بالبلاد من خلال الوثيقة الدستورية المعيبة عادت لتكرر ذات الخطأ الجسيم من خلال الإتفاق الإطاري المعيب ، ولا تمتلك هذه القوى والتي اسمت نفسها بالقوى المدنية الموقعة على الإتفاق الإطاري اي رؤى مدركة لإدارة الدولة ولا تستطيع ان تخفي تلهفها لنيل السلطة فإنتاج الأزمات وقد حصرت اهدافها في تشكيل حكومة تنال اغلبية مقاعدها وان تقوم خلال فترة حكمها الإطاري بأدماج الجيوش في جيش واحد وتفكيك المؤتمر الوطني وليست لديها اي خطة مدروسة فقط أماني وشعارات، واجراء الإنتخابات العامة كما تزعم ،هذه الإنتخابات التي لن تأتي بها إلى السلطة ، فهذه الأمور الثلاثة لا تملك قوى الإطاري اي خطط لإنفاذها وكل ما تطرحها بشأنها مجرد تصريحات انفعالية وشعارات ووعد ووعيد فتأخير المعارك المؤجلة لمراحل وظروف مختلفة وأثناء ذلك تتوسع نطاقها وأدواتها ، الحرب الحالية بين الجيش والدعم، أو غيرهما كانت ستحدث يوما ما إن لم تحدث في 15 أبريل 2023 ولرب ضارة نافعة انها حدثت الآن ولم تؤجل لتحدث في ظل حكومة صورية مدنية مكونة من قوى الإطاري، أوأثناء انتخابات شكلية كانت ستجرى تحت فوهات البنادق والمنازعات العشائرية والقبلية وصراعات التحالفات المتباينة من أجل السلطة من دون طرح لأهداف أو برامج ، فصراعات دامية على الدوائر الإنتخابية وفوضى شواهدها كانت ستوفر أدلة مؤقتة مزجاة تصلح لبيان دكتاتورية عسكرية متربصة بان الديمقراطية لن تصلح، ووقتذاك يمكن لطرفي الصراع الحالي بالتضامن أو الإنفراد ان يقومان بالإستيلاء على السلطة تضامنا أو انفرادا بسهولة متناهبة لتدخل البلاد في حقبة عسكرية وأعمال مسلحة أكثر وحشية من الآن تباعد الدولة عن مسار التحول الديمقراطي، ولربما كانت المعدات العسكرية الضخمة والجاهزية العسكرية لحميدتي تجعله الأكثر سطوة ونفوذا في ظروف قد تضعف فيها أجهزة الدولة بأكثر مما عليها الآن .

  • لربما ضارة نافعة الآن لتجعل من القوى المدنية الحقيقة والتجمعات النقابية والمهنية تضطلع بمسؤولياتها وتتولى مهامها وزمام الأمور في الدولة ونصحيح مسار البلاد وإخراجها من مسار الهاوية وانتشالها من مفاوضات خارجية لا تنتج سوى المزيد من الأزمات كما قد يحدث في جدة .
  • يجب على الشعب السوداني الذي رفض هذه الحرب العبثية ان يبحث بنفسه عن مخارج لأزماته المستفحلة, ويكمن الحل الناجع في ان لا يسمح لعناصر النظام البائد بالعودة إلى السلطة مرة أخرى تحت غطاء دعم الجيش ، كما يجب عليه ان لا يسمح للدعم السريع بالإستيلاء على السلطة بزعم تسليم السلطة للمدنيين فذلك لن يحدث ، يكفي الشعب السوداني انه قد عرف جيدا بان مليارات الدولارات التي أخذت من ظاهر الأرض وباطنها والأتاوات التي فرضت عليه قد تحولت إلى مشروعات طموحة للحكم يدفع نتائجها المريرة ، وان استعادة مسار التحول الديمقراطي للبلاد لن تقوم بها السعودية ولا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الوساطة الدولية عبر أطراف الأزمة السودانية الحالية ولكن ذلك العمل الشاق يضطلع به وبصورة أساسية الشعب السوداني بذات نفسه بمساعدة الحادبين ، ولكن كيف يتحقق ذلك ومتى ، هذا السؤال يمكن الإجابة عليه إذا تحركت قوى الثورة ولجان المقاومة بصورة ممنهجة وقد تخلت عن التطرف والتشرزم واتفقت فيما بينها على مشروع وطني يوحد شتاتها ويعبر عن إحترامها للتنوع والتعدد وعن رغبات الشعب السوداني المغلوب على أمره .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x