مقالات الرأي

الشباب المهاجر ما بين الحلم والبؤس

بقلم: أنس يعقوب

تولد من رحم المجتمع أجيالاً وكل جيل يشكل دورة حياة بذاتها بحيث تترك المجال لسواها وهكذا بشكل تعاقٌبي يتوارث المجتمعات المجتمعات ثقافاتها وقيمها دون حدوث عِلة ما في السلسلة التاريخية الخاصة بِتنقُل وتوارث الأجيال
وتختلف المجتمعات في خصائصها وحسب ظروفها السياسية وتلعب الحكومات دوراً مهماً في تشكيل نمط حياة مجتمعاتها وإستقرارها إلا أن الحكومات في السودان نتيجة توجهاتها السياسية والإقتصادية العرجاء دفعت بالسودانين دفعاً في مختلف الفئات العمرية وخاصة الشباب نحو الخروج من المأزق الوطني المصنوع بعضهم يتدفقون على أبواب السفارات والقنصليات للحصول على تأشيرة الهجرة وبعض الآخر يسلكون طريق الهجرة العشوائية (غير المُقنن) ناهيك عن دور النزوح واللجؤ نتيجة تلك السياسات المذكورة آنفاً
الشباب السوداني من الجنسين اليوم أكثر من ذِي قبل هم أكثر فئة إجتماعية عرُضة للتحديات المصنوعة من قِبل السلطة والتي تُرمي إلى تعطيل ومنع الشباب من التمدد وإحتلال المكانة ولعب دورهم في شتّى مجالات الحياة السياسية والثقافية والإقتصادية والرياضية وغيرها من المجالات مما يجعلهم يعيشون الغربة داخل الوطن مستخدماً السلطة في ذالك إستراتيجيات مختلفة منها هيمنة الشيخوخة للحياة وإلهاء الشباب بمختلف ألوان التسلية والإثارة وغض الطرف عن الكفاءات العلمية الشابة الأكثر جدارة وإبعادهم عن سوق العمل ( بطالة طويلة المدى أو عمالة متقطعة وغير مضمونة ) وتشهير آلة القمع أمام الشباب التى تنادي بقضايا المجتمع ككل ومواجهة ميل الثورة والتغيير عند الشباب بالبطش والقوة والزّج بهم في سجون الأعمال الشاقة
ونتجت عن قبضة السلطة الحديدية ومخططاتها للشباب واقعاً مُفلت عن سيطرتهم وأفقدهم المقدرة على الإمساك بزمام أمورهم حتى الخاصة منها وجعلهم يطرقون أبواب الهجرة بعد أن ضاقت بهم حضن الوطن للخُلاص مما هم عليه
ونظراً لصعوبة وتكاليف الهجرة بالطريقة الشرعية جعل معظمهم يلجأون إلى الطريقة غير الرسمية ( التهريب والإتجار بالبشر ) المحفوفة بالمخاطر وكل أسباب الفناء مما يموتون بعضهم في تلك الظروف ويصل بعض الآخر إلى وجهتهم ( بلدان المهجر ) بعد عناء وتعب ومشقة كانت تفُوق تصورهم
ولابد من وقفة هما عند وضعية الشباب السوداني في دول المهجر خاصة وأن هدفهم الرئيسي هو التخلص من الاغتراب السياسي والثقافي الذي لحقت بهم في الوطن وإيجاد حاضنة وطنية بديلة تلبي متطلباتهم وحقوقهم الإنسانية والوطنية ويسطيعوا أن يحققوا فيها ما تبقى من أحلامهم ولكن هيهات حيث تحيط بهم في المهجر شكل أخر من المعاناة والضغوط النفسية خاصة في فترة التكييف الأولية مما يجعلهم يصطنعون قضايا وهمية لملء فراغهم الوجودي ويتم تجاوز أهدافهم العامة نتيجة إصطدامهم بظروف بالغة التعقيد في دول المهجر مثل قوانين ضبط الوجود الأجنبي وشروط عقد العمل …مما ينقلهم مجدداً إلى مواجهة الأسئلة المصيرية التى تثور في حين وتهدأ في حين أخر مسبباً عصف ذهني للمغترب
ويكفي هنا أن أشير إلى إنهيار المشروع الوجودي للشباب الطموح برُمته والذي يتخذ شكل البقاء داخل أحضان الوطن وخارجه ومما لا شك فيه هو الانعكاس السلبي للنزيف الشبابي خارج حدود الوطن على بنية الإجتماعية وقوتها فالشباب هم القلب النابض للمجتمع ورئتها التي تتنفس بها وفقد الشباب بهذه الشكل يتسبب فى تراجع وضعف التقدم في المجتمع وبذالك تصبح الدولة عاجزة عن النماء والإزدهار وعن إحتضان شبابها مجدداً .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x