مقالات الرأي

برمة ناصر تقديرات خاطئة (1)


بقلم: الصادق علي حسن

الحرب العبثية الدائرة حاليا حتى ولو توقفت اليوم وفي ذلك شبه استحالة تصبح الدولة وقد فقدت نظام جهازها الإداري ،ولن تكون هنالك أجهزة لإدارة مؤسسات الدولة ، القضاء المنوط به حماية المراكز القانونية بالدولة قد تم إتلاف ما به من مستندات مثل تسجيلات الأراضى وأحكام وملفات حقوق الخصوم ،وحينما تتوقف الحرب تكون الأولوية لإستعادة المراكز القانونية في اذهان الجمهور أولا ثم البحث عن آلية حمايتها التي طالتها كل انواع ووسائل التخريب ،وحينما تفقد الدولة مركز حماية أوضاعها القانونية كما وتفقد خاصية احتكار العنف والمحافظة على الحقوق، لن تكون هنالك أجهزة إدارية لدولة في كل انحاء البلاد وقد دخلت البلاد هذه المرحلة بالفعل وفي حال عدم وجود الجهاز الإداري للدولة لا معنى لوجود جهاز الدولة التنفيذي من رئيس لوزراء وطاقمه الوزاري ، مثل وجود سائق لعربة من دون وجود العربة نفسها ، الآن بخلاف الطرفين المتحاربين ظهر العديد من المتقاتلين بل وهنالك مليشيات من البدو عبرت ولاية غرب دارفور وتشارك في عمليات القتل الجزافي والنهب المسلح والسلب وفي الخرطوم شيوع ظاهرة سرق مقتنيات الأسر واذلالها وطرد أصحابها والإقامة في منازلهم وارتكاب الموبقات والآثام ، ولم تعد الديمقراطية وممارستها من مشاغل الجمهور بل في ظل الأوضاع الفوضوية الحالية لن تكون الديمقراطية نفسها مجدية، فالديمقراطية ليست عملية اقتراع ونتيجة بفوز من حصل على أغلبية اصوات المقترعين ولكن الإنتخابات تكون نتاج لممارسة رشيدة ودراية تامة بماذا يعني الإنتخاب وماهية مسؤولية الناخب في صوته عند الاقتراع ومسؤولية المرشح عند الترشح ومسؤوليته عند إنتخابه وتكليفه والآن البلاد بعيدة تماما عن أجواء الديمقراطية الصحيحة كما وعقب وقف الحرب الظروف في البلاد ستختلف عما قبلها، والأولويات ستكون في استعادة المراكز القانونية في الدولة واحتكارها للعنف وهذه المرحلة إذا لم تتم ستجري أي إنتخابات قادمة تحت فوهة بنادق الجيوش المتعددة والقبائل ومراكز الجهويات وفي بعض الدوائر قد لا تبدأ وإذا بدأت قد لا تكتمل العملية الإنتخابية بسبب الصراعات المميتة حول الدائرة الإنتخابية لذلك عملية الإنتقال الديمقراطي صارت سابقة لأوانها في ظل أوضاع دولة هشة فقدت منظومتها الإدارية وخاصية احتكارها للعنف ، الدور المفيد للأحزاب في المرحلة الحالية يتحقق من خلال محاولات استعادة الدولة في ذاتها مثلها في ذلك مثل الكيانات والتنظيمات والأجسام الأخرى، ومن الخطأ الجسيم عدم استدراك ذلك الدور الهام بخاصة لحزب عريق مثل حزب الأمة القومي وقد كشف رحيل الإمام الصادق المهدي انه وبفقده فقد الحزب البوصلة بل والسودان قد فقد أهم قادته وهو في أمس الحاجة إليه .
رئيس حزب الأمة المكلف والأخطاء المتكررة :
حزب الأمة القومي مؤسسة كبرى له ميراثه التاريخي في تأسيس الدولة السودانية وبالضرورة له دوره المعلوم، لذلك حزب الأمة ليس دوره كمن يبحث له عن دور في مثل هكذا ظروف استثنائية ولكن القيادة الحالية لحزب الأمة ومنذ رحيل الإمام الصادق المهدي ظلت وفي كل مرة تقدم شواهد بتواضع قدراتها، وإذا سارت الأمور بهكذا منوال سيفقد الحزب دوره المؤثر باعتباره أكبر التنظيمات السياسية وخاصة في مناطق نفوذه التقليدية في دارفور وكردفان وقد ظهرت كيانات وأجسام جديدة وعلى رأسها مجموعة آل دقلو والتي تمكنت من خلال السلطة من تطويع بعض من القيادات بالحزب فصارت أداة من أدواتها، بمثلما أصابت مواقف رئيسه المكلف الحبيب اللواء فضل الله برمة ناصر ، ولم يعد للحزب اي دور حقيقي، بل يتم تجاوزه حتى من لقاءات قادة الإطاري والآن قيادات قوى الإطاري في كمبالا ومنها اعلنت انها ستتوجه إلى انجمينا وجوبا والرياض ولا يعرف هل تم تغييب حزب الأمة واكتفى بدور إصدار رئيسه المكلف السيد اللواء فضل الله برمة ناصر لبيانه في يوم 6 ،يوليو ، 2023 ولكن وفي كل الأحوال من الأفضل لحزب الأمة تجاوز موقفه من محطة الإتفاق الإطاري الذي لم يعد له اي معنى ومراجعة موطأ قدمه من منبر جدة بشكله الحالي كما ومن توجه رئيسه المكلف اللواء فضل الله برمة ناصر الذي يعتبر مجرد مخاطبته لوزيري الخارجية في كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية عبر رسالتين خطيتين من الجهود الحثيثة لوقف الحرب والجديرة بالذكر .
دور الجيوش العابرة في صناعة الحرب العبثية الدائرة :
لعبت الجيوش العابرة لدولتي الإمارات والسعودية أدوارا هامة في صناعة الأحداث والحرب الدائرة وساهمت هذه الظاهرة في التصالح مع ظاهرة الإرتزاق بالحرب وصارت السعودية والإمارات ضالعتان في تشجيع ظواهر تجنيد الآلآف من الجنود بالسودان لاستخدامهم في سياق قد لا ينسجم بالضرورة مع اهداف ومصالح دولتهم ،وهذا وحده كافيا ليقدح في الدور السعودي ومنبر مفاوضات جدة ، ليس المطلوب من حزب كحزب الأمة لديه تاريخ في إدارة البلاد ان يرفض اي جهود تبذل لوقف الحرب العبثية الدائرة في منبر جدة أو غيره ولكن بالضرورة ان يكون من خلال خطط استراتيجية مدركة وليس بمثل ما اعلن عنه الحبيب اللواء فضل الله برمة من دفع بمقترحات إجرائية وموضوعية يعتقد في أهميتها في احداث إختراقات إيجابية في عملية التفاوض والمباحثات ومثل هذا الدور يقوم به احزاب حملة حقائب السفر ، إن حزب الأمة بصفته صاحب أكبر تفويض إنتخابي في آخر إنتخابات عامة معني بصورة مباشرة بما يتعلق بالمقترحات الإجرائية والموضوعية في اي منبر بشأن أزمة البلاد وليس مجرد كمن يساهم بمساهمات بدوافع الإعتقاد في أهميتها، كذلك يحتاج حزب الأمة ان يحدد قبل ذلك هل يحق لطرفي الحرب العبثية ان يصبحا مرجعية لإنشاء الإلتزامات والمراكز التفاوضية بمنبر جدة، وهل يعقل ان يخول منبر جدة ببحث القضايا السياسية والتي باتت سابقة لأوانها الأن، ما فات على الحبيب اللواء فضل الله برمة ان الشارع قد أظهر موقفه الحاسم من طرفي الأزمة وما لم يتم انتاج عملية سياسية نابعة من داخل البلاد لتجد سندها من اعتراف الأمم المتحدة لن تكون لها اي مستقبل وقد لا تتوقف الحرب العبثية وتتجه لحروبات اهلية شاملة . نواصل

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x