مقالات الرأي

الإتفاق الإطاري إعادة لتجربة عاجزة (٢)


بقلم: الصادق علي حسن المحامي

الدولة السودانية لا تزال في مرحلة التأسيس وفي العرف والقانون الدولي يتمثل التأسيس في الدستور الدائم، والدستور الدائم في القانون الدولي هو ذلك الذي يحوز على إحترام أجيال الدولة المتعاقبة وتحتكم إليه ولا تختلف بشانه ، اي تمثل احكامه وقواعده مرجعية نظم إدارة الدولة وهياكلها والحقوق والواجبات المتعلقة بالمواطنة وغيرها ،والمؤسف حقا منذ إعلان استقلال البلاد في الأول من يناير ١٩٥٦م لا تزال الدولة في مرحلة التأسيس ،وعقب كل فترة ديمقراطية تكون قصيرة ولا تكمل دورتها يُقوض الدستور المؤقت وتدخل البلاد في قبضة حكم شمولي ليتكرر المشهد ثانية وثالثة ورابعة ، وفي هذه المرة الرابعة الحالية خرجت التنظيمات السياسية عن المسار المُتبع في إستعاد مسار الحياة الدستورية للبلاد وأدخلت البلاد في لجة فوضى ضاربة بأطنابها وتجذرت خاصة بعد ان افرغت الممارسات غير الرشيدة حركات مسلحة تتوالد بلا إنقطاع واحزاب متشرذمة ومتناحرة ومتطاحنة في ما بينها في قضايا إذا لم تكن ترتبط بالذات والنظرة الحزبية الضيقة لتمت علاجها وتسويتها بموضوعية وتغليب المصلحة العامة والذي صار بعيد المنال في ظل التنافس الحزبي المحتدم على الشعارات والمنفصلة عن الواقع .
قانون ولجنة التفكيك(الطوطم المقدس ).
اخطاء جسيمة ارتكبتها قوى الحرية والتغيير وقد عطلت بها الفرصة التاريخية لإستعادة الحياة الدستورية للبلاد كما وقننت للعسكر وعناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد بل وشاركت في إنتاج ادوار سياسية بصبغة مشروعية زائفة لعناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد وانتجت قانون التفكيك المعيب، من خلال المتابعة اطلعت على مقال نقدي منشور للأستاذ عبد المطلب عطية عضو حزب الأمة ولجنة التفكيك في الأسبوع الماضي ذكر فيه بأن قانون التفكيك عبارة عن مشروع لحزب الأمة وتم تجهيز مسودته بواسطة حزبه وفجأة ظهر بنفس الإسم وتم إجازته مع بعض التعديلات على المشروع، مآخذ الأستاذ عطية على القانون واللجنة كانت قيمتها ستكون معتبرة إذا تحدث عنها وهو عضوا بلجنة التفكيك ولكنه التزم الصمت المطبق وقتذاك وخرج مثل غيره للنقد الآن مع ذلك بالضرورة التوقف عند مقاله المشار إليه وتقييمه بما ذكر من مثالب على القانون المذكور والتطبيق الذي لا يعفيه هو نفسه ولا حزبه من المسؤولية فقط بكتابة مقال في الأسافير لغرض التنصل .
أخطاء جسيمة متراكمة :
الوثيقة الدستورية المعيبة جوهريا مرجعية قانون التفكيك كرست لأخطاء متراكمة انتجت المشكلات القائمة حاليا وهذه ليست من مسؤوليات د حمدوك بل مسؤولية المُشرع الدستوري لقوى الحرية والتغيير ،صحيح كان يمكن لدكتور حمدوك توظيف الدعم الشعبي العظيم وغير المسبوق الذي حصل عليه مباشرة من الشارع السوداني العريض والتأسيس عليه بمسار صحيح نحو إتجاه إستعادة الحياة الدستورية للبلاد ولكن المشكلة في مستشاريه ومن حوله من شلة قوى الحرية والتغيير، وفي وزارة العدل رأس الرمح في ابتدار التشريعات في تلك الظروف الإستثنائية ولكن وزارة العدل كانت حصنا لحرس النظام المباد كما أن الدكتور نصر الدين عبد الباري كان اكاديميا يعوزه الخبرات والتجارب وقد دفع بقانون به عيوبا إجرائية جسيمة من منشأه، وخلطا ما بين المهام القضائية واستقلاليتها والمهام التنفيذية وكان هذا القانون قد صار مثل الطوطم المقدس بالنسبة للشارع السوداني لا يقبل بغيره ،وفي جوهره لا يصلح لتحقيق اهداف الثورة في إزالة نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م ، كما والشارع الثائر لا يُدرك ذلك ،لقد اخذ القانون اسم التفكيك هذا الإسم الغريب والذي لا يُعد من ضمن المصطلحات القانونية المعروفة الجامعة والضابطة للمعنى بل مصطلحا مبهما يُصلح للجدل عند تفسيره والتنازع بشأن مدلوله أمام المحاكم ، ولا يُعرف من الذي دفع بمُشرع قوى الحرية والتغيير لهذا المُصطلح الغريب وما به من إبهام وغموض والتشريع السوداني غنيا بالمصطلحات القانونية الضابطة الجامعة والمانعة للأغراض المذكورة والتي استهدفها المُشرع المذكور في القانون المعيب ومنها الإزالة وإعادة الحال إلى ما كان عليه، والبطلان والإبطال ولكن استخدم مُشرع قوى الحرية والتغيير مصطلح التفكيك في غير مكانه الصحيح بمثلما استخدم عراب النظام البائد د حسن الترابي مصطلح التوالي السياسي وكان الترابي داهية له أغراضه وعند البحث عن معنى التوالي في المعاجم والمصطلحات وجد ان من بين معاني التوالي من الخيل والإبل الأذناب والأرجل .
قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين لسنة ٢٠١٩م :
تمت إجازة قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م لسنة ٢٠١٩م في ديسمبر من مجلسي السيادة والوزراء تطبيقا لأحكام الوثيقة الدستورية المعيبة وكان القانون يهدف بصورة اساسية حزب المؤتمر الوطني وحجز واسترداد الأموال المملوكة للحزب وواجهاته التابعه له وللعجلة في إصداره لم يتضمن القانون تفاسير لمصطلحاته ومنها التفكيك نفسه ثم تم إجراء تعديلات على القانون (تعديل) لسنة ٢٠٢٠ لسد الثغرات في القانون المعيب بثغرات اكثر اتساعا وخلطا ما بين التدابير القضائية والتدابير الإدارية والتنفيذية كما ونص القانون على تكوين لجنة عضويتها تتشكل من ١٨ عضوا من ضمنها ممثلا لجهاز المخابرات العامة وممثلا للدعم السريع والمؤسستان المذكورتان من مؤسسات النظام البائد الأساسية، ومن أخطاء مُشرع قوى الحرية والتغيير الجسيمة والذي كان يعوزه الخبرة في مثل ذلك الضرب من القانون أن اعتقد بأن التفكيك يتم بأستهداف الدور والمباني والأموال ولم يُدرك بأن التفكيك بالمعنى الذي يقصده ويتوقعه الراي العام السوداني يتم من خلال الكشف عن بطلان كافة التدابير التي نشأت بواسطة النظام الباند في فترة الإنقطاع الدستوري وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل ٣٠ يونيو ١٩٨٩م وقد كان قانون التفكيك نفسه هو الخازوق والذي صار مثل الطوطم المقدس مثل مرجعيته وهي الوثيقة الدستورية المعيبة جوهريا وبموجبها تم إقرار كل القوانين التي صدرت في ظل النظام البائد بما في ذلك قانون التنظيمات والأحزاب السياسية لسنة ٢٠٠١م كما استهدف قانون التفكيك حزب المؤتمر الوطني باعتباره هو نفسه نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م، وبنص القانون لا يشمل التفكيك المؤتمر الشعبي والذي أسسه د الترابي العقل المدبر لإنقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م ، وحزب المؤتمر الوطني الحالي الذي تأسس في ١٩٩٨م واسسه الترابي والبشير وآخرون هو نفسه في تاريخ إنقلاب النظام البائد على الشرعية الدستورية وتقويض الدستور كان حزبا سياسيا بزعامة الأستاذ عبد المجيد إمام وقد تم سلب الإسم منه كما تم سلب الشرعية الدستورية من البلاد ولكن أخطاء مُشرع قوى الحرية والتغيير طمست الحقائق وصار مُصطلح التفكيك وقانونه مثل الطوطم المقدس بالرغم ما به من الثغرات المتسعة .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x