مقالات الرأي

العلمانية كضرورة لبناء دولة المواطنة المتساوية

بقلم / منصور عبدالحميد محمد

يتميز السودان بتنوع من حيث البيئات والأقاليم والمناخات ( صحراوي ومداري و…الخ ) والثروات الطبيعية ( موارد معدنية ، ومياه و…الخ ) والموارد البشرية من أيدي عاملة مهرة وغيرها ، التي جعلتها من أهم الدول الأفريقية التي لها وزن وثقل علي مستوى النطاق المحلي و العالمي ، وجعلها منطقة صراع وتهافت القوي العالمية لكسبها ونيل شرف التعامل معها سواء عبر تعامل رسمي يعزز التعاون بين البلدان ، أو عن طريق إستغلال بعض أصحاب النفوس الضيعيفة من أبناء الشعب السوداني لتنفيذ أجندة دول وشعوب أخري من أجل نيل الفتات من المال والسلطة وغيرها .

كما يتميز السودان كذلك بتنوع في الأديان والثقافات والأعراق واللغات و من هنا يأتي النقاش في كيفية إيجاد سبيل وطريقة رشيدة يدار بها هذا الإختلافات والتنوع ، ويحقق العدالة والسلام الإجتماعيين وتكفل الحرية والديمقراطية وتحقق دولة المواطنة المتساوية التي يجد كل مواطن سوداني نفسه فيها ، والدولة والتي يقف علي مسافة واحدة من كل الشعب ويعامل جميع الناس علي أساس المواطنة أساسآ لنيل الحقوق وأداء الواجبات .

يأتي الحديث عن العلمانية هنا كضرورة وسبيل لتحقيق حكم رشيد يحقق العدالة والسلام لجميع الشعب السوداني بمختلف إنتمائاتهم العرقية والجغرافية والدينية و..الخ ، وقبل الخوض في الحديث عن العلمانية والعلمانية التي أقصدها ، يجب علينا معرفة لماذا تم طرحها في الساحة السياسية السودانية ؟ وما الأسباب الموضوعية التي جعلتها تصبح ضرورة في واقعنا السوداني ؟
لو نظرنا لواقع الدولة السودانية وتاريخها القديم والمعاصرة والحديث نجد أن هنالك حكومات تعاقبت عليها من حكومات دكتاتورية شمولية وحكومات ديمقراطية وفترات إنتقالية بعد ثورات الشعب السوداني ، ولكن ما يهمنا هنا الكيفية التي تم بها إدارة الشعب السوداني وخاصة من ناحية التنوع ( الديني واللغوي و…الخ ) التي يتميز بها الشعب السوداني ، نجد أن هنالك تعامل أحادي من قبل تلك الحكومات التي عملوا علي إخصاء لمعظم أديان وثقافات ولغات الشعب ، وتم فرض لغة ودين واحد من أغلب الحكومات ورغم وجود التنوع ! ، الأمر الذي أشعل الحروب وعمق الصراع ونتج عنها نزوح الملايين من الشعب الي المدن وخاصة الخرطوم وهناك الملايين من اللاجئين في دول الجوار واللاجوار وكانت هي من إحدي أسباب إنفصال دولة جنوب السودان الذين عانوا من تلك الحروب ودفعوا الثمن وقرروا بناء دولة تعبر عنهم ولا يميز بين مواطنيها علي اي أسس غير موضوعية ، وما زال هناك الملايين من الشعب السوداني يدفعون الثمن في معسكرات الزل والهوان في إقليم دارفور والنيل الأزرق ، بل وحتي علي مستوى الأقاليم الأخري في أقصى شمال السودان وشرقها و…الخ وذلك عبر التضييق والفرض والإجبار بتقليد والتسليم لتلك التوجه أو المحاربة من أجل الخضوع والرضوخ ( تضييق في المعيشة والإجبار علي النزوح و….الخ ) .

تلك السياسات العوجاء المتبعة من قبل الصفوة ( الإخصاء وفرض لغة ودين و…الخ ) جعلت هنالك أطروحات وأحزاب سياسية تظهر وتطرح رؤى تحقق عبرها العدالة الإجتماعية وتبنى دولة سودانية وتحل الإشكاليات والأزمات التي خلقتها تلك السياسات ، ومن ضمن تلك الأطروحات (العلمانية ) كحل لتنظيم علاقة الدين بالدولة والتي تعني من الناحية السياسية فصل مؤسسات الدين عن الدولة ، لأن الدين علاقة روحية بين العبد وربه والدين ثابت والدولة سياساتها متنقلة ومتبدلة حسب الظروف والفرضيات والدين لا يقبل النقد والدولة لابد أن تنقد السياسات التي لا يحقق العدالة وغيرها وتبدل بسياسات جديدة ، ولو إعتبرنا ان لابد للدولة أن تتبنى وتحكم بالدين ( كما يدعون الجماعات والأحزاب الإسلامية) في دولة مثل السودان بأي دين يحكم ؟ في ظل وجود العدين من الأديان ! ، وهل ذلك الأمر لا ينتج لنا صراعات وحروبات ؟ وفي ظل وجود العديد من الطرق والجماعات في الدين الواحد نفسه ( صوفية وأنصار سنة و…الخ ) أي واحد منها يطبقونها وهل الأخرين يرضون بذلك ؟ والكثير من الأسئلة والاستفهامات ، وايضآ تعني من الناحية السياسية فصل السلطات ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) .
وتعني العلمانية من الناحية الإجتماعية المواطنة أساسآ للحقوق والواجبات ، أي يتم التعامل مع جميع الشعب علي أساس إنهم مواطنين وإن لهم حقوق وواجبات متساوية والدولة تقيف علي مسافة واحدة منهم بغض النظر عن إختلافاتهم الدينية والعرقية واللغوية و..الخ .
لا يسعنا المجال للحديث بالتفصيل عن العلمانية من نواحيها المختلفة ( العلمانية والأخلاق و الدستور العلماني و…الخ ) نظرآ لأنها تحتاج لسلسلة من المقالات ، ولكن إذا أردنا أن نبنى دولة متطورة ولا يقصى ولا يظلم فيها يجب أن تقوم تلك الدولة علي أساس العلمانية كنظام حكم.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x