مقالات الرأي

السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لا تمتلكان رؤية مدركة للمدخل السليم للإنتقال الديمقراطي في السودان (1)


بقلم: الصادق علي حسن

من غرائب الأقدار ان تكون دولتي السعودية والإمارات من الأطراف الأساسية المشاركة في عمليات ترتيبات الإنتقال الديمقراطي بالسودان ، فالدولتان ليست لديهما اي مواريث أوتجارب ديمقراطية بأي شكل من الأشكال تؤهلهما للقيام بمثل هذا الدور في السودان ، كما ولديهما جيوش سودانية مستجلبة من طرفي الصراع السوداني تقاتل عنهما بدولة اليمن ، ووجود جيوش سودانية تقاتل باليمن ظل يرفضه الشارع السوداني الديمقراطي بشدة كما يرفض التدخل في شئون الغير ، وللدولتين مصالح مرعية بواسطة طرفي الصراع بالسودان وبالتالي فأي مساهمة للدولتين بالضرورة ستكون مقرونة مع مراعاة مصالحهما بالسودان أولا، وقد لا تكون هذه المصالح المرجوة للدولتين ما قد تتماشى مع مصلحة الدولة السودانية نفسها، وهذه من تعقيدات الأزمة السودانية فللوسطاء النافذين في الشأن السوداني مصالح مباشرة، كما وهنالك مثل مصر تسعى جاهدة لتأمين مصالحها بالسودان وقد جذبت لجانبها الكتلة التي تسمى بالكتلة الديمقراطية وعلى رأسها حركتي جبريل ومناوي، وغالبية هذه الأطراف الحزبية والحركات المسلحة وأقعة تحت التأثير الخارجي وصار تدخل الأطراف الإقليمية والخارجية في الشأن السوداني وأقعا لدرجة التماس الولايات المتحدة من أسرائيل بالتدخل لدى حليفيها البرهان وحميدتي لتسوية صراعهما المحتدم على السلطة، ومن يقرأ المشهد الداخلي السوداني بعمق يكتشف ان مرحلة التفاوض برعاية خارجية لم تعد ذات جدوى للسودانيين، لا في الحاضر ولا في المستقبل كما وعقب انتهاء الحرب بين البرهان وحميدتي مهما طالت مدتها ستبرز معادلة الشارع السوداني الذي سيغير المشهد السياسي برمته ، ولن تستقر نتائج أي عملية سياسية ما لم تكن مسنودة بكتل جماهيرية شعبية حقيقية، وستكشف نتائج ما بعد الحرب تأثيرات وأوزان القوى السياسية الفاعلة وغيرها بعد إنحسار الدور الخارجي، فغالبية القوى السياسية والحركات المسلحة صارت تفرض نفسها فرضا على المواطن المغلوب على أمره ومن دون أن تمتلك اي برامج أو خطط لإدارة الدولة بل جميعها متمترسة حول السلطة ومكاسبها الذاتية وقد كشفت الحرب المستعرة ضخامة الأموال التي تذهب للتجييش وآلة الحرب لتستخدم في نهاية المطاف على رؤوس المدنيين وفي تدمير البنية المتهالكة واضعاف قدرات البلاد والمرافق العامة ومراكز الخدمات الحيوية وتشريد للمواطنين .
الوساطة أم الإستعادة :
لا تزال السعودية والولايات المتحدة الأمريكية قابعتان في مربع الوساطة بين طرفي الحرب والأزمة وتعملان من خلال الوساطة لإعادة أطراف طاولة مفاوضات ما قبل نشوب الحرب لمناقشة موضوع دمج الدعم السريع ضمن موضوعات عملية الإنتقال السياسي والإنتخابات العامة للبلاد والتي يرى فيها الغرب وصفة جاهزة للحل ، السعودية بتجاربها السابقة في حرب لبنان وبمثلما رعت الرياض مشروع تسوية هشة بين اللبنانيين ولا تزال عاجزة عن تجاوز محطة حرب اليمن تعتقد في بساطة متناهية ان المسألة بالسودان يمكن ان تكون شبيهة بلبنان بتعزيز ديمقراطية الطوائف ومراكز القوى لتدار الدولة بالريموت كنترول من خارجها ، وقد فات عليها ان دولة لبنان دولة طوائف دينية واجتماعية لها قواعدها وقياداتها الراسخة وان الأوضاع بالسودان تختلف تماما عن الأوضاع في لبنان أو أي مكان آخر ، ومثلما لا تدرك السعودية المدخل السليم لمعالجة أزمات السودان كذلك الغرب والولايات المتحدة ، السودان الآن يحتاج لمساعدة السودانيين لإنتاج الحلول لقضاياهم بما يناسبهم وليس من خلال إستجلاب الحلول التي تتأسس على تقديرات خاطئة، فالحرب الحالية من أطرافها الرئيسة النظام السابق الذي انتهز ظاهرة تمدد صنيعته الدعم السريع ليعود إلى السلطة من تحت ركام انقاض البلاد وقاداته لا تبالي بالكلفة كما وقيادة الدعم السريع تدرك تماما ماذا يعني لها عودة قيادات النظام البائد وهي ربيبتها العاصية، وفي ظل هذه الحرب العبثية الطرف المدني الذي يفاوض بإسم القوى المدنية يفتقر للمؤهلات كما يعوزه المؤهلات الأخلاقية وقياداته تنتظر غير عابئة أو مكترثة لتنتهز أي سانحة لتبرز مرة ثالثة وهي لا تمتلك اي تصور لإستعادة الحياة الدستورية للبلاد وكانت بوثيقتها الدستورية الباطلة قد أزاحت عن مرتكبي جريمة تقويض النظام الدستوري في 30 يونيو 89 صفة التجريم وأسبغت على جريمتهم الجسيمة المرتكبة المشروعية وفي جهل فاضح تتحدث عن تفكيك نظام المؤتمر الوطني وانتخابات عامة تقود إلى حكومة مدنية ديمقراطية، والإنتخابات المنتظرة لا اساس لها ووضحت نتائجها ، مزيدا من الأقتتال للظفر بها في تنافس يغلب عليه الطابع القبلي والإجتماعي لغياب مفهوم الدولة عن اذهان مواطنيها .
لقد آن أوان بروز أصوات الأغلبية الصامتة التي تمثلها قوى الثورة وعدم السماح لأي وساطة مهما كانت لتنتج أزمات إضافية في المشهد السياسي السوداني ، الحرب العبثية الحالية عجلت بوضع الحلول لقضايا ومشكلات البلاد ومدخلها السليم يبدأ بتجريم إنقلاب 30 يونيو 89 واستعادة الوضع الدستوري السليم من خلال استعادة الدولة نفسها في اذهان المواطنين والتأسيس لجيش بعقيدة وأحدة وبأسس عامة ليس من بينها المحاصصات ، جيش يكون الإنتماء إليه بضوابط عامة مجردة وليس جيش يغلب على قياداته الولاء العقائدي لتنظيم سياسي أو اي ولاءات اخرى ، بل يكون مذهب الجيش الولاء للدولة وحمايتها وحماية مواطنيها وليس الإصطفاف في الحروب الداخلية.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x