مقالات الرأي

حرب ١٥ أبريل من صراع السلطة إلى حرب أهلية دموية


بقلم: مزمل الغالي

لم تكن الحروب على مر العصور بعيدًا عن الصراع في السلطة أو الثورة، لذا تشهد تاريخ الإنسانية العديد من الحروب الدموية، ولا سيما الحربين العالميتين الأولى والثانية. لذلك جاءت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتنظيم عمليات الصراع أو القتال لتكون أكثر دقة في حصر القتال بين طرفي النزاع دون حدوث أضرار للأبرياء الذين ليسوا طرفًا في القتال، ولا سيما النساء والأطفال والمسنين، وأيضًا المنشآت والمرافق العامة. لذلك جاء القانون الدولي الإنساني واتفاقيات الجنيف الأربع لتنظيم عملية القتال.

وغالبًا ما تتم السيطرة في مثل هذا النوع من الحروب وتقليل آثارها واندثارها، ولكن اليوم هناك نوع من أسوأ أنواع الحروب التي تفوق السيطرة عليها والتحكم فيها، وهي الحروب الأهلية، لذلك تشمئز الإنسان والحيوان والكون منها. وعبر عنها الزعماء بأبلغ التعبيرات.

“الحروب الأهلية هي الأكثر تدميرًا بين جميع أنواع الصراعات؛ فهي لا تقتصر على تدمير المدن والبنى التحتية، بل تفتت الروح الوطنية وتقسم المجتمعات.” – كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة.

“الحرب الأهلية تعني أن الناس يقاتلون ضد أشقائهم وأبناء بلدهم، وهذا يعني فقدان الإنسانية وانعدام العقلية السلمية.” – دالاي لاما، زعيم التبت.

“لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم دون عدالة اجتماعية، والحروب الأهلية هي نتيجة لفشل العدالة والتمييز والظلم في المجتمعات.” – نلسون مانديلا.

“الحروب الأهلية هي نتيجة للفقر والتهميش وعدم الوعي السياسي، وحلها يكمن في تعزيز الحوار وتحقيق المساواة وتعزيز الفرص للجميع.” – كوفي عنان.

بالرجوع إلى تاريخنا السوداني في الحروب منذ الاستقلال في ١٩٥٦، نجد أن كل بداية الحروب كانت تنطوي على أسباب التهميش وعدم التوزيع العادل للثروة والسلطة. سرعان ما تُحَوَّلت تلك المطالب المشروعة إلى حروب أهلية، حيث نجد أن مطالب زعماء من جنوب السودان في القرن الماضي بحقوقهم تم التعامل معهم بالعنف من قبل النخبة آنذاك، مما تطور تلك الصراعات إلى حروب أهلية أدت إلى انفصال الجزء الجنوبي من السودان (دولة جنوب السودان).

ثقافة حمل السلاح للمطالبة بالحقوق، والعقلية القمعية لدى النخبة الحاكمة أيضًا، قادت إلى حرب أهلية أخرى في السودان، عندما أعلنت حركات الكفاح المسلح في بداية الألفية المطالبة بالحقوق وتغيير نظام السياسي (نظام المؤتمر الوطني). انتهجت حكومة السودان نهجًا قمعيًا غير مقبول في التعامل مع هؤلاء المعارضين، وليس فقط مع المعارضين بل مع حواضنهم الاجتماعية، مما حول طبيعة الصراع إلى حرب أهلية. بدلًا من أن تكون حركات مطالبية تحررية تنادي بتحرير السودان والعدالةوالمساواة لجميع السودانيين، ارتكبت حكومة السودان جرائم فظيعة ضد المدنيين الأبرياء، مثل جريمة التطهير العرقي والإبادة الجماعية، كلها كانت ضد قوميات بعضها تمثل حواضن اجتماعية لبعض زعماء الحركات المسلحة.

ولم يكتف نظام المؤتمر الوطني بالتصدي للمعارضين فقط، بل سعى إلى تكييف تلك الصراعات إلى حروب أهلية ضد مكونات اجتماعية في غرب السودان عبر وسائله الإعلامية وخطابه المضلل، كما كانت في جنوب السودان سابقًا (ساحة الفداء). استطاع نظام المؤتمر الوطني لحدٍ ما، بالتسويق والخداع، أن يؤثر على بعض القبائل للتصدي لتلك الثورة المسلحة. امتد الصراع لفترات طويلة، خلفت دمارًا هائلًا وخسائر في الأرواح والممتلكات.

حرب ١٥ أبريل، بدايتها لم تختلف عن باقي الحروب في السودان، كانت نتيجة لاختلاف بين أطراف في السلطة (الجيش والدعم السريع) تكمن في طموحات للحكم أو طريقة وكيفية الحكم، فبدأت من مركز الحكم، الخرطوم، واستمرت لبضعة أشهر، إلا أنها بدأت تنتقل تدريجياً إلى باقي ولايات ومناطق السودان، وبدأت تتحول إلى حرب أهلية عبر بث خطابات الكراهية ومحاولات جهات دولية استغلال تلك الحرب في تفتيت وحدة السودان وتقسيمها إلى دويلات صغيرة ضعيفة يسهل التحكم فيها ونهب مواردها.

الآن، بعد دخول أطراف أخرى في الحرب وتحويل ساحة الحرب من الخرطوم إلى دارفور، وظهور بعض المظاهر التي تشير إلى أن الحرب أصبحت تخرج عن السيطرة وبدأت تدق ناقوس الخطر والخوف من حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. إن تزايد انتهاكات الدعم السريع في بعض مدن دارفور، جعل بعض حركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا ٣ أكتوبر ٢٠٢٠ تكسر صمت الحياد وتنحاز إلى صف القوات المسلحة السودانية، و إنحياز بعض الحركات المسلحة للقتال في صف القوات المسلحة توسع نطاق القتال وطبيعة المعركة، وخاصة في دارفور، اتخذ منحنى خطيراً لطبيعة طول الحرب في دارفور، وكثافة انتشار السلاح في وسط المدنيين، فضلاً عن الظلم التاريخي ونشر خطابات الكراهية وغيرها من جرائم الحرب التي ارتكبت إبان فترة نظام البشير، كل هذه العوامل ساهمت في تعقيد الصراع وتحويل الحرب إلى حرب أهلية.

لم تدرك المقاتلون في دارفور، سواء الحركات المسلحة أو الدعم السريع، أنهم تم استغلالهم على مدى دورتين من الصراع، في فترة الإنقاذ، حيث كان الجيش مع الدعم السريع ضد الحركات المسلحة، والآن بعد سقوط نظام البشير، الجيش مع الحركات المسلحة ضد الدعم السريع، وهذا التبادل في الأدوار في القتال هو إلا عدم الوعي الكافي والجهل و الضعف ، والذي يتمثل في تعطش نخبة بعض أبناء الغرب في السعي وراء السلطة مهما كانت الثمن، ولو على دمار شعوبهم، و غياب رؤيا إستراتيجية تهدف نحو إقليم دارفور.

ما يجب إداركه هو أن هذه الحرب التي بدأت في الخرطوم، ستنتهي بالتفاوض مهما طال الزمن، ولكن الحرب الأهلية يصعب إنهاؤها بالتفاوض حتى وإن غمض نعرانها وأصبحت رمادًا تحتوي على جمرات ساخنة قد تشتعل مجددًا، إذا لم تجد دولة قوية تفرض قوتها عبر جهاز قضائي مستقل ونزيه وحكم رشيد. لذلك، الحرب الأهلية أشد صعوبة وأكثر خسارة ودمارًا من الحروب التي تقوم على أساس سياسي، أي الصراع من أجل السلطة أو كيفية الحكم أو من أجل تغيير نظام سياسي دكتاتوري، أو إيديولوجي، ستنتهي بإنهاء الغرض أو تفاوض من أجل حل وسط، حتى الأضرار غالبًا تقتصر على الأطراف المتصارعة، أما الحرب الأهلية فلم تسلم منها حتى الحيوانات، فضلاً عن الأطفال والنساء والمسنين الذين لم يسلموا من فظائعها وعنفاتها.

ما نشهده الآن في غرب السودان، في الفاشر تحديدًا وفي الجنينة وأماكن أخرى، يشير بوضوح إلى اتجاه نحو حرب أهلية لا تبقى ولا تزر، حيث تسود الضغينة والكراهية وتنتشر بين الأفراد. لذا، يجب الاعتراف بالوضع والتدخل السريع من قبل المجتمع الدولي لتجنب تكرار جرائم الحرب والإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم البشعة ضد الإنسانية التي وقعت في بداية الألفية في نفس الأماكن.

ويجب أيضًا على قادة أبناء دارفور الذين يقفون في صف القوات المسلحة السودانية ويحاربون ضد الدعم السريع، وكذلك على قادة الدعم السريع، أن يدركوا أن هذه الحرب يجب أن تكون في إطارها الموضوعي (حرب السلطة)، وأن لا ينقلوا تلك الحرب إلى حرب أهلية وأن لا ينخرطوا فيها وسط المدنيين. يجب عليهم أن يوعوا جنودهم وقياداتهم الميدانية التي تقاتل على الأرض بأنهم ليسوا ضد قبيلة أو مكون بعينه، لكي لا تنشأ حرب أهلية جديدة ولا تتكرر الجرائم الفظيعة مجددًا.
والسلام.

13 مايو 2024

*محامي ومدافع عن حقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x