مقالات الرأي

لماذا تدابير الأمم المتحدة؟انهيار أجهزة الدولة السودانية (٧)


بقلم: الصادق علي حسن

دولة ٥٦ والامتيازات التاريخية :
الدولة الحديثة نتاج لتطور التجارب الإنسانية ، تم تقسيم دول افريقيا وترسيم حدودها بواسطة الاستعمار الأوربي وحينما أقر القادة الأفارقة للدول المستقلة بمشاركة رؤساء (٣٠) دولة مستقل ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية في ٢٢/مايو/ ١٩٦٣م بأديس أبابا وتم اعلان المنظمة في ٢٥/ مايو/ ١٩٦٣م كان أول ما تم الإتفاق عليه بين القادة الأفارقة الإبقاء على الحدود التي قام بترسيمها المستعمر و الإستفادة ورفضوا أي إتجاه لإعادة فتح الترسيم رغم أخطاء الترسيم الذي جعل العديد من القبائل والشعوب وأراضيها موزعة بين أكثر من دولة كما أستفادت البلدان الإفريقية من تجارب ومواريث الإستعمار بما فيها من سلبيات و ايجابيات وأسست لنظم الدولة الحديثة وكان من أميز التجارب تجربة دولة جنوب إفريقيا التي ناهضت التمييز العنصري ونجاوزت البلاد بفضل حكمة زعيمها نلسون مانديلا مرارات حقب الفصل العنصري، وقد تكون دولة السودان هي الدولة الوحيدة التي لم تستفد من التجارب ولا تزال مقعدة بالحروبات والنعرات ، العالم يشهد ثورة المعلومات المذهلة وشركات مملوكة للأفراد مثل إيلون ماسك الذي ولد في بريتوريا بجنوب أفريقيا في عام ١٩٧١ وانتقل إلى دولة كندا في الثامن عشر من عمره للدراسة الجامعية ثم إلى الولايات المتحدة ، في عام ٢٠٠٢م وأسس ضمن استثماراته الأخرى شركة سبيس أكس لتصنيع مركبات الفضاء ويخطط لتسيير رحلات السفر إلى كوكب المريخ في عام ٢٠٣٠م بحثا عن حياة لإنسان الحاضر وأجيال المستقبل خارج كوكب الأرض ، وفي عام ٢٠٠٣م أسس شركة نيسلا موتورز لصناعة المركبات الكهربائية وصناعة الأنظمة الشمسية وفي عام ٢٠٠٦م قام بإنشاء مصنع سولار سيتي لتوفير خدمات الطاقة الشمسية وكان في عام ٢٠١٥م أسس شركة ابحاث تطوير الذكاء الصناعي هذه البحوث لم يتعرف عليها الشعب السوداني إلا بعد الجدل حول حياة حميدتي، في فترة وجيزة صار إياك صاحب أكبر نمو مالي في العالم وفي دولة السودان التي تسودها أمراض الفقر والجهل والتخلف واستغلال السلطة وافتقار قيادات الدولة بجميع اطرافها المتنازعة على السلطة والمصابة بأمراض جنون السلطة (البرهان واعوانه وحميدتي وحلفاؤه والقوى الحزبية المهرولة بحثا عن السلطة) للرشد السياسي وصل الحال بالبلاد إلى تدمير البنية التحتية للدولة وتشريد مواطنيها تحت شعار تحقيق الديمقراطية والكرامة. ويشهد العالم نموذجا سيكون الأكثر غرابة في البحوث والدراسات الاكاديمية والسياسية وفي علم المجتمع لظاهرة لم تشهدها الدنيا منذ ان خلق الله تعالى الإنسان. دمار دولة وتشريد شعب تحت شعار تحقيق الديمقراطية والكرامة ، من شعارات الحرب المرفوعة والمصاحبة لتحقيق الديمقراطية (انهاء دولة ٥٦) والراجح ان الذين يرفعون شعارات انهاء دولة ٥٦ لا يدركون ان الدولة الحديثة عبارة عن عدة هويات تبدأ من الأسرة فالعشيرة فالمجتمع المحلي الأصغر فالأكبر فالأكبر ، هويات متعددة التكوينات العرقية والثقافية والإجتماعية والسياسية والجهوية وصولا لهوية الدولة الجامعة لمواطنيها ، وان المواطن نفسه عبارة عن مجموعات هويات بل وفي عالم اليوم قد يجمع الشخص الواحد في نفس الوقت عدة هويات لعدة دول ويكتسب كافة حقوق المواطنة المتعددة . تأسست الدولة السودانية في عام ١٩٥٥م بإقرار قواعد التأسيس الخمس المجازة قبل إعلان استقلال السودان ، أربع منها أجيزت في ١٩/ ١٢/ ١٩٥٥م والخامسة في ٣١/ ١٢/ ١٩٥٥م ، وما حدث في ١/ ١/ ١٩٥٦م لم يكن مجرد الإحتفال باستقلال البلاد من إدارة دولتي الحكم الثنائي بل جمع ما بين إعلان إقرار مشروع عقد تأسيس الدولة السودانية والاحتفال بميلادها وتحرير إدارتها، إن الهوية السودانية نتاج لعدة هويات ، والمطالبة بانهاء دولة ١٩٥٦م بمثابة الدعوة لإلغاء مشروع عقد تأسيس الدولة واعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التأسيس بإعادة فرز الهويات التي تكونت منها الدولة السودانية وإعادة الأوضاع والتكوينات التي كانت قائمة ما قبل اعلان نشأة الدولة السودانية وبذلك إعادة إجرائية للمماليك والسلطنات والمكوك والنظم التي كانت سائدة في المجتمعات التي كانت متواجدة في الأراضي التي أخذت اسم السودان قبل مشروع التأسيس، وفي حال انتهاء دولة ١٩٥٦م لا يجد من يرفعون شعار الإنهاء ويزايدون به سندا لحكم دولة تسمى بالسودان ومن يطالب بإنهاء دولة ١٩٥٦م اليوم في حال الإنهاء ، سيجد نفسه غدا يبحث عن هوية بمماليك وسلطنات ومكوك الخ ما قبل مشروع دولة ١٩٥٦م ليؤطر لهويته في نطاق الجهة التي ينتسب إليها وحيثما توزعت مجتمعات الدولة إلى هويات ما قبل إنشاء الدولة السودانية تأتي مرحلة البحث عن اعتراف الأمم المتحدة في عصر أطلق فيه إيلون ماسك رحلات السفر التجريبية للتوطن في كوكب المريخ ويخطط لرحلات سياحية بحلول عام ٢٠٣٠م . وبدلا من ان يحصد الذين يرفعون شعارات انهاء دولة ١٩٥٦م بانهاء مشروع دولة ١٩٥٦م سيحصدون السراب ففي بساطة لن يجدوا هنالك دولة ، لذلك على حملة شعارات انهاء دولة ١٩٥٦م التمييز ما بين عقد مشروع تأسيس الدولة نفسها والحكومات التي تأسست بموجب عقد التأسيس منذ ١٩٥٦م وحتى الآن، كذلك يجب عليهم معرفة ماهية الامتيازات التاريخية التي اعلنوا الحرب عليها، إن التاريخ مهما به من ممارسات سالبة قيمته المستمرة في الدروس المستفادة منه وليس في نصب المحاكمات بغرض اتخاذه سلما لمكاسب السلطة. منذ تأسيس مشروع دولة ١٩٥٦م وحتى اليوم هنالك من يحصلون على امتيازات تاريخية مستمرة كما وهنالك العديد من الأسماء التي شاركت في مشروع تأسيس دولة ١٩٥٦م ولا توجد اية امتيازات للمتحدرين منها اليوم، فليست هنالك أي امتيازات اليوم لأسرتي اسماعيل الأزهري ومحمد احمد محجوب مثلا كما وان صاحب الامتيازات التاريخية في الدولة السودانية اليوم هو حميدتي الذي صار له وبموجب تشريع ساري المفعول جيش رسمي بقيادته الأسرية وشركات واستثمارات داخلية وخارجية ضخمة ويقرر الآن في مستقبل وجود الدولة كلها كما وقد صارت حياته شاغلة لكل السودانيين الذين تركوا وراءهم كل شئ وهم الآن يبحثون فقط عن الأمان وسلامة النفس . إن رفع شعارات معاداة اصحاب اي حقوق تاريخية سابقة أو حالية ليس من المنطق والموضوعية في شئ ، فالبلاد تحتاج إلى التأسيس وإرساء قواعد تعاقبية للدولة تكون مستدامة ومحترمة بواسطة الأجيال الحالية واللاحقة وليس إلى إطلاق شعارات وخطابات الكراهية التي تكرس للمنازعات الأهلية الدامية، إبن خلدون رائد علم الإجتماع قبل قرون كتب بان (العقل ميزان منصف في قياس الأشياء ، إذا لم يستخدم في قياس الأشياء الهلامية) .
د أحمد محمد آدم من كمبالا عبر الأخ مدثر فضل أرسل لي رسالة لأهميتها في النقاش أننقل ما جاء بها أدناه بالنص دون أي تدخل فالتعليق عليها .
(اللجوء الى تدابير الأمم المتحدة قد يبدو في ظاهره الرحمة وحل للاشكال الآني ولكن في باطنه قد تحمل بذرة فناء الدولة السودانية والى الأبد .
الأمم المتحدة ليست فقط لوائح وقوانين ، هنالك اللاعبون الدوليين الكبار الذين لن يتنازلوا أبدا عن ولو مثقال خردل من مصالحهم والتي هي المحرك الاساسي لكل حرب في هذا الكون . وحيثما حلت هذه الدول الكبيرة حل معها الارهاب والذي بالضرورة هو بدفع من المنافس الكبير الآخر .
ثم أن دولة 56 اللعينة والتي يحاول استاذ الصادق ان يقول انها مرتكز الدولة السودانية القائمة الأن هي في الاساس ليست نابعة من عميق ايمان شعوب السودان بهذه الوحدة المنافقة وعمودها الفقري 56 .
هذه الوحدة التي صنعها المستعمرين اتراك وانجليز بعد استنفاذ اغراضهم أو سريان قانون الكون القاضي فيهم ، اورثوا هذه الدولة لمن هم كانوا عونا لهم في اضطهاد بقية شعوب السودان ، وورثوا ذات وهم التفوق وعلو المرتبة ثم زادوا عليه كيل بعير واسقطوه على غيرهم فتوالد الغبن وتكاثر حتي انفجر هذا البركان مخلفا كل هذا الخراب الذي نعيشه الان . ويوم ان قامت هذه الحرب والتي سعوا من خلالها تكريس ما ظنوا انه حق لهم دون غيرهم بحكم وراثتهم المستعمر ، عملوا جاهدين إلا تصل مضاربهم ولو كان الثمن التضحية باقاليم الوسط ومن ثم ارتمائهم مرة اخرى في حضن الجارة الشمالية .
اذا كان من عمل قد يجدي نفعاً ، فالأجدي أن يعمل الناس على وقف الحرب أولا ومن ثم مناقشة جذور اسبابها ، واخيرا فلينظر الناس ان ممكنا ان يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات وشكل الدولة الذي يرضي الجميع دون توهم رفعة فرقة على اخرى أو شعب على آخر .
هناك نماذج لادارة الدولة مجربة وناجحة في كل انحاء العالم قد تصلح معنا وحتى تجربة الحكم الفدرالي التي ابتدرتها الانقاذ ونظرت لها قد تكون مفيدة في حالتنا هذه اذا أحسنا التطبيق .
واخيرا هذه الحرب كانت لتحصل عاجلا ام آجلا فلن يعرف الألم إلا من به السقم ، اذا جرب الجميع السقم فسيبحث الجميع عن العلاج الناجع عن إيمان وقناعة ، مع ان الحروب هذه اسوأ ما يمكن يصيب أو تحدث للبشر، وبعد فقد الارواح ما دونها لا يحتسب . فكل هذا العالم الاول الذي يباهي بنتاج تطوره وعلو كعبه في تجارب رشاد الحكم وقيادة الانسان ، انما شربت من ذات الكأس وتجرعت ذات السم .
ولكن السعيد بشوف في غيره والشقي في نفسه ).
من الأخطاء المرتكبة منذ استقلال البلاد ، لم يتم اطلاع الشعب السوداني على مشروع قواعد تأسيس الدولة السودانية، ففي قواعد التأسيس تم منح جنوب السودان استحقاق الحكم الفيدرالي وتلقائيا وبذلك الاستحقاق فان الدولة بموجب مشروع التأسيس دولة فدرالية، كما أقرت القواعد إنتخاب هياكل وأجهزة الدولة بالإنتخاب من كل اقاليم السودان ووضع الدستور الدائم، كما ان تكوين حكومة تنفيذية مدنية منتخبة ومجلس سيادة مكون من خمسة أعضاء وذلك لتحقيق أوسع رمزية في التعبير لسيادة الدولة في مرحلة التأسيس لذلك فان كل ما ورد برسالة د احمد محمد آدم موجودا في قواعد تأسيس الدولة السودانية ولا يحتاج لفوهات البنادق والحرب العبثية المدمرة – نواصل.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x