مقالات الرأي

البشريات الما خمج (2/2)


بقلم: الصادق علي حسن

ملهاة جدة :
ظلت السعودية توظف الوضع الحالي في البلاد لتعزز نفوذها على طرفي النزاع وتسييرهما بحسب مسار سياساتها المرسومة تجاه السودان ، وفي وقت سابق حرصت وزارة الخارجية السعودية على نفي خبر منسوب للخارجية السودانية حول إتصال وزير خارجية السعودية بالبرهان ولكنها لم تفعل ذلك حول ذات خبر منسوب للدعم السريع بلقاء حميدتي ، والآن وزارة الخارجية السعودية تؤكد بما لا يدع اي مجالا للشك بان حميدتي على قيد الحياة، وفي وضع صحي سليم ويتحدث بنفسه مع وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، كما وفي الأخبار ان وزير الخارجية السعودية تحدث في اتصالين هاتفيين بكل من البرهان وحميدتي وبحث معهما مستجدات الأوضاع بالسودان وتغليب المصلحة الوطنية ، ووقف كافة أشكال التصعيد العسكري ، واللجوء إلى حل سياسي يضمن عودة الأمن والاستقرار للسودان وشعبه، وزير الخارجية السعودية الشاب الذي سنوات عمره في الحياة اقل من سنوات خدمة البرهان في الجيش، يقدم النصح للبرهان لتغليب مصالح بلاده الوطنية، هذه بمثلما تكشف عمق أزمة السلطة بالبلاد ، بها مؤشرات تؤكد نفاذ الوسيط السعودي على الطرفين المتحاربين ، وفي ظل هذا النفاذ ستظل أولويات الوسيط أيضا حاضرة في طاولة المفاوضات بين الطرفين سواء بالخرطوم أو جدة جنبا إلى جنب مع مصالح البلاد .
من المفارقات ، منذ فترة ظل حميدتي في حالة إحتجاب ، لم يظهور ليخاطب الرأي العام السوداني كما ولم يصدر عنه اي بيان بخصوص ما يحدث بالخرطوم واتهامات لقواته بالإستيلاء على منازل المواطنين وإذلال النساء واهانة الرجال وما يحدث بولايات دارفور خاصة مدينة الجنينة التي هجرها سكانها إلى تشاد بعد مقتل واليها وقد نصب قائده بالولاية اللواء عبد الرحمن جمعة تبارك الله نفسه حاكما عليها ، ولكن بعد بيان وزارة الخارجية السعودية الصادر والذي كشف بان وزيرها فرحان تحدث مع حميدتي ، سارع إعلام الدعم السريع بنشر تسجيل صوتي لحميدتي يوجه فيه خطابين للشعب السوداني ولقواته وهو يتأسف فيهما على نتائج الحرب ويقول فيهما بانها فرضت عليه ، كما ولا يزال يتوعد بملاحقة عناصر وقيادات النظام البائد وكأنه ليس له أي صلة سابقة بذلك النظام وقياداته ،كما ولا يزال حميدتي يخاطب الرأي العام السوداني ويردد بأنه يخوض هذه الحرب من أجل تحقيق الديمقراطية للبلاد وكأن هذا الشعب المغلوب على أمره ذاكرته معطوبة ويمكن ان يصدق منه هذه الترهات ، الحقيقة المؤكدة ان الطرفان المتحاربان لا يحترمان الشعب ويعتبرانه مثل الرعية المذعنة التي ما عليها إلا الخضوع والتسليم بأوامرهما، ومن استهتارهما بهذا الشعب فقدت البلاد مكانتها واحترامها في كل المحافل والمنابر ، هذه الأوضاع الخاطئة أوجدتها حالة ترك الأمور من جانب قوى الثورة لقوى الحرية والتغيير ثم قامت قوى الحرية والتغيير بتغليب مصالحها في السلطة الشكلية ومظاهرها وتخلت عن مطالب قوى الثورة وتماهت مع العسكريين الذين ظلوا هم من يقررون في شأن قضايا البلاد المصيرية حتى بعد نجاح الثورة في عزل المخلوع البشير، وتمكن العسكريون في ظل حكومة حمدوك بل صار لحميدتي وآل دقلو دولة داخل الدولة ، الطرفان حاليا بخلاف افتقارهما للتأهيل وقد تلطخت اياديهما بالدماء خاضعان للوسيط وقد أرتكبا كل أصناف جرائم الحرب وبالتالى من السهل اقتياديهما ، والوسيط يدرك ذلك تماما ،الوسيط له تخوفاته من عودة حركة الإسلام السياسي لحكم السودان مرة أخرى والشعب السوداني له تجاربه المريرة مع حركة الإسلام السياسي ، ولكن هذا الشأن داخلي، ويجب على الوسيط ان لا يسعى ليضع تخوفاته في منضدة التفاوض فمثل هذه القضايا يقوم بحسمها الشعب السوداني بمعزل عن تخوفات الوسيط السعودي وبتدابير داخلية وإلا انتجت أزمات داخلية أخرى للبلاد ، في صعيد آخر أصحاب الياقات البيضاء من نخب السياسة والمجتمع المدني لا زالوا في إنتظار صافرة منبر جدة لتكرار انتاج الأزمات ، لقد صار من واجب القوى المدنية السودانية كلها ممارسة الرقابة على أطراف العملية السياسية والوساطة وعدم التزام الصمت ، كما وبالضرورة التمسك بحصر موضوع منبر جدة التفاوضي في الوقف الفوري للحرب وتبعاته من دون الخوض في القضايا الأخرى ، فمن ضمن القضايا التي تتأسس عليها حلول مشاكل البلاد استعادة البندقية المستأجرة بواسطة دولتي السعودية والإمارات من دولة اليمن ، ومن المؤكد ان السعودية لن تسمح بذلك وطالما لديها خطوطها الحمراء فمنبرها لا يصلح لبحث كافة قضايا البلاد بشفافية تامة .
مؤتمر المانحين بجنيف :
فقد السودان مكانته في القارة الإفريقية كما وليس له مكانة مؤثرة في المحيط العربي ، وحينما تعرضت مصر لهزة أقتصادية عنيفة في بداية عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سارعت دول الخليج لتقديم العون المادي العاجل لإنقاذ الإقتصاد المصري من الإنهيار وقدمت المملكة السعودية بخلاف مليارات الدولارات المدفوعة نقدا مليارات أخرى من القروض بتسهيلات ميسرة ولآجال طويلة بمثلما فعلت الإمارات والكويت ودول أخرى بالخليج مما مكنت مصر من تجاوز الضائقة الإقتصادية الحرجة والتعافي الإقتصادي ، والسودان الذي يعاني من أزمة حرب تهدد كيانه لم تسارع دول الخليج ولا السعودية كما فعلت تجاه مصر ،وفي مؤتمر المانحين بجنيف قدمت السعودية مائة مليون دولار للمساعدات الإنسانية للسودان وهذا الدعم الإنساني المتواضع المقدم لدولة تقدم لها جيوشها لحمايتها كما وهي لديها أمكانية مالية ضخمة قياسا بالمدفوع سابقا لدولة مصر في ظروف اقل كارثية، يكشف مدى الإختلال في قيادة الدولة وسياستها الخارجية وقد شبه احد المراقبين الدوليين الدعم السعودي للسودان بمؤتمر المانحين في ظل ظروفه المهددة لإنسانه بالمليادير المجحف الذي يمنح حارسه المخلص الأمين بضعة جنيهات وحارسه في ظروف نكبة كبرى المت به وهذه الجنيهات لا تفي له بالقليل من متطلباته الضرورية مما يكشف عن حالة عدم الإنسانية أو الشعور بالإحترام والتقدير والوفاء .
ظهور مركز الحوار الإنساني :
الأستاذ عبد الرحمن الأمين في مقاله بعنوان البشريات الما خمج ، أهلا بسودان جديد خاتمة المقال ،ذكر بان مصادره بوزارة الخارجية الأمريكية افادته بان مفاوضات الحل السياسي سيتم الإعلان عنها رسميا نهاية الأسبوع القادم ، وسوف تضم القوائم اعدادا كبيرة من الوجوه الطازجة وفيها شخصيات مدنية ومستقلة ذات قبول فضلا عن أعداد كبيرة من السيدات وشباب المقاومة من الجنسين ، كما نشر معهد الحوار الإنساني على نطاق وأسع تصريح صحفى صدر في ١٢/ ٦/ ٢٠٢٣م لاجتماع قام بتسهيل عقده والذي انعقد بنيروبي بما وصفه بمشاركة عدد من الفاعلات والفاعلين من المجتمع المدني السوداني من السياسيين والأكاديميين ، وممثلي المنظمات الأهلية والمدنية والشخصيات المستقلة يومي ١٠ /١١ يونيو الجاري بنيروبي وذلك لمناقشة دور القوى المدنية في إنهاء الحرب وإعادة تأسيس الإنتقال المدني الديمقراطي، وأكد المجتمعون بحسب البيان المنشور (مناقشة الخطوات التي يجب اتخاذها لمخاطبة قضايا وقف الحرب، والجوانب الإنسانية ورسم المسار السياسي المدني المستقبلي)، وطالما قام معهد الحوار الإنساني بتفعيل نشاطه ، من المؤكد قد اكتمل التنسيق بين كل الأطراف الخارجية والداخلية لإطلاق العملية السياسية من منبر جدة التفاوضي كما أكد الأستاذ عبد الرحمن الأمين ذلك ، ولكن ما لا تدركه القوى الدولية ووساطة منبر جدة ان قضايا البلاد تجاوزت بلورة رؤى من نخب منظمات المجتمع المدني والقوى الأخرى كالسابق من داخل صالات ورش العمل ، كما وتجاوزت أطراف الأزمة الرباعية المذكورة في مقال الأستاذ عبد الرحمن الأمين وظهرت مجموعات جديدة ، والقضية لم تعد استعادة مسار الإنتقال الديمقراطي بل استعادة الدولة في ذاتها والتي لم تعد موجودة ،كما ان التقرير هكذا بإسم المجتمع المدني ليس فيه تعزيز لدور المجتمع المدني بل يخرجه من مساره الصحيح ، الآن والحرب في شهرها الثالث أين هو المجتمع المدني المذكور ودوره في الميدان وفي الرصد والتوثيق وفي التوعية والتثقيف لحماية المواطنين ، عشرات الأسماء استغلت شبكة علاقاتها بالمنظمات الدولية وقامت بتسهيل خروج المئات من معارفها تحت غطاء المدافعين الحقوقيين ومئات الطلبات قدمت لدوائر الهجرة الدولية للحصول على الهجرة لدول الغرب ، والبسطاء والعوام يتكسدون بالمعابر الحدودية ولا يجدون حتى ابسط التثقيف بحق اللاجئ ، وهذه الأزمة المدنية قرينة للأزمة السياسية الموروثة وبهكذا حال الحرب ستستمر وإن قد تتنوع وتتعدد وسائلها في كل مرحلة .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x