مقالات الرأي

صهيل الخيل: البرهان والعطا ينسفان محادثات منبر جدة

بقلم: د/ عبد المجيد عبد الرحمن داؤد (أبو ماجدة)

“1”

منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من شهر ابريل 2023م والي الآن فقد دخلت الحرب شهرها التاسع وما زالت اجوائها تخيم على كل ربوع السودان بل هذه الحرب اصابت السودان واهله في مقتل ولم يتعافى منها الوطن والمواطن بحيث شردت ملايين الناس ما بين لاجيء ونازح كما قتلت هذه الحرب العبثية كما سماها الجنرال البرهان آلآف السودانيين من مدنيين وعسكريين.

بدأت الوساطات هنا وهناك من الاتحاد الافريقي ومجموعة الايغاد وجامعة الدول العربية وغيرها من الجهات والحكومات الشقيقة والصديقة التي يهمها امن واستقرار السودان.

إلاّ انّ جنرالات الجيش ظلوا على الدوام يرفضون هذه الوساطات بحجج كثيرة وواهية واخيراً وافق جنرالات الجيش على منبر جدة برعاية المملكة العربية السعودية والوساطة الامريكية وبدات جولات التفاوض غير المباشر بين الطرفين لعدم توفر الثقة بينهما كما اشار الي ذلك ممثل المملكة العربية السعودية المسؤول عن ملف التفاوض.
حينها بدأ التعنت والتصلب في المواقف والشروط التعجيزية خاصة من وفد القوات المسلحة الذين يمثلون كذلك قيادات رفيعة المستوى في النظام السابق خاصة مسؤول وزارة الخارجية السودانية الناطق الرسمي باسم وفد الجيش في لقاءاته الصحفية.

“2”

إنّ المفاوضات بين الطرفين (الجيش والدعم السريع) بمنبر جدة أصبحت مهددة بالتعليق وربما الفشل الذريع وإسدال الستار على المنبر وذلك لعدم إحراز ايّ تقدم يذكر وعلى الرغم من موافقة الطرفين علي الكثير من التفاهمات التي يمكن ان تقود في النهاية الي إنهاء الحرب وبدء عملية التفاوض والحوار بغية الوصول لاتفاق سلام نهائي ومستدام به تعود الحياة العامة الي السودان ويتم فيها إعادة الروح وانسياب الاغاثة والادوية الي المحتاجين.

إلاّ أنّ تبادل الاتهامات بين الطرفين القت بظلال وخيمة وادى كذلك الي فشل جولات التفاوض السابقة والاخيرة مما يعني في الختام نعي منبر جدة وحمل نعشه الي مثواه الأخير.

“3”

إنّ هناك الكثير من الغبار الكثيف الذي اثير بين الطرفين و العديد من الاتهامات المتبادلة في ظل تضليل اعلامي مكثف حجب الرؤية عن حقيقة ماتم ومن هو المسؤول الحقيقي عن فشل جولات التفاوض التي ربما تعلق نهائياً اذا لم يتم استئنافها في غضون الاسابيع القادمة على الرغم من التكتم الشديد من الوساطة عن سير جولات التفاوض وما تم فيها من تفاوض ينهي حالة الحرب.

إلاّ انّ هناك شُح في المعلومات حولها وما تم فيها من اتفاق لوقف اطلاق النار والملف الانساني.
هناك مصادر مطلعة علي سير التفاوض تُشير إلى أنّ وفد الجيش سبق وأن وافق على مقترح تقدم به خبير بمنظمة التنمية الحكومية (‎إيغاد) حول ما يتعلق بمواقع السيطرة التي كانت محل خلافات بين الطرفين وتسببت في إفشال الجولات السابقة.
كما اوردت ذلك صحيفة الشرق الاوسط الي لسان خبير من منظمة (الإيغاد) فقد اقترح تجميد تحركات جميع القوات بحيث يبقى كلٌّ في مناطق سيطرته على أن يتم ذلك مباشرة بعد التوقيع على إتفاق وقف العدائيات الذي تمت الموافقة عليه من الطرفين لكن الجيش عاد ورفض المقترح، وفي منحى آخر اوردت صحيفة الشرق الاوسط كذلك أنّ وفد الجيش المفاوض رفض أيضاً بنداً آخر يتحدث عن بدء (حوار سياسي شامل) بعد خمسة عشرة يوماً من التوقيع على وقف العدائيات وأضافت الصحيفة كذلك رفض الجيش القبول بمقترح (‎المركز المشترك) المعني بمراقبة وقف إطلاق النار الذي يتكوّن من “4” دول برئاسة المملكة العربية ‎السعودية وتُمثل فيه كل دولة (50) فرداً بالإضافة إلى مشاركة من طرفي النزاع (الجيش والدعم السريع).

“4”

يتضح من ذلك ان الجيش الذي يتمسك فقط بخروج قوات (الدعم السريع) من العاصمة فلم ينفذ أيَّاً من المطالب التي سبق وان وافق عليها امام الوساطة وقد أشار الدعم السريع أمام الوساطة الي أن الجيش رفض أيضاً السماح بمرور المساعدات الإنسانية في المناطق المتضررة في العاصمة (الخرطوم وأقاليم ‎دارفور و ‎كردفان و ‎النيل الأبيض) كما رفض منح تأشيرات للعاملين في المجال الإنساني والطبي لمدة شهر وضيق علي عناصر وكالات الاغاثة الانسانية بحجة انتهاء الاقامات الرسمية كما نقلت وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع على مجرى المفاوضات.

إنّ محاولات الجيش السوداني وإشراكه عناصر قتالية وقيادات علياء تمثل الصف الاول من قيادات الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني المحلول شكّلت أحد الأسباب الرئيسية في فشل الجولة الثانية من مفاوضات جدة.

إنّ رفض الجيش بعد توقيع الطرفين في السابع من نوفمبر المنصرم بتوصيل المساعدات الإنسانية وإجراءات بناء الثقة التي شملت 4 بنود أساسية بحيث لم ينفذ منها بنداً واحداً حتى بعد المهلة التي طلبها وفد الجيش والتي تم تمديدها بعد العشرة ايام المحددة لاجراءات بناء الثقة كمهلة إضافية نتيجة تعلل الجيش وتسويفه المستمر.
فبدلاً من المسارعة في تنفيذ تلك الاجراءات الخاصة ببناء الثقة خرج رئيس ‎مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح ‎البرهان وأيضاً نائبه ‎ياسر العطا بتصريحات قضت على كل الالتزامات من بناء الثقة في عملية أشبه بالمقصودة والممنهجة للوصول الي هذه النتيجة من تعليق المفاوضات.
إنّ تصريحات الجنرال البرهان في ولايتي القضارف وولاية الجزيرة وكذلك تصريحات الجنرال ياسر العطا عقب خروجه من سلاح المهندسين وتصريحاته في كرري ووادي سيدنا القصد منها الإثارة والتعبئة العامة للجيش واستنفار المواطنيين للقتال ونسف منبر جدة وتشيعه الي مثواه الاخير بتأجيل المفاوضات او تعليق منبر جدة حتى يتمكن الجيش من الاستعداد لاعادة ما فقده من مناطق سيطرته السابقة علماً بانّ هناك اكثر من ستة ولايات خارجة من سيطرة الجيش عليها ويسيطر عليها حالياً الدعم السريع.

“5”

إنّ اكثر ما يتأسَّف له المرء هو الاجراءات المعقدة التي اتخذها الجيش في الشأن الإنساني وتاخر وصول المساعدات الانسانية الي المتضررين من هذه الحرب.
فكانت هذه الإجراءات مثار اهتمام العالم والميسرين نتيجة لمعاناة الشعب السوداني الذي ضاق الامرين جراء استمرار هذه الحرب العبثية المدمرة بحيث أشاروا بكل حزن الي رفض وفد الجيش دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة في (الخرطوم و ‎دارفور و ‎كردفان و ‎النيل الأبيض) الاّ عبر مطار بورتسودان كما رفض وفد الجيش ايضاً ايصالها باي منافذ اخرى فضلاً عن التضييق المقصود علي منظمات العون الانساني الاقليمية والدولية العاملة في هذا المجال بالسودان .
إنّ هذه الحقائق هي السبب المباشر في تعليق التفاوض بمنبر جدة.
كما اشار الي ذلك المتابعين للشأن السوداني بتعنت وفد الجيش المفاوض في منبر جدة وتنصله عما سبق من اتفاقات وتفاهمات وقع عليها امام الميسرين والمسهلين في التفاوض.

*كاتب وباحث سوداني

Abdulmajeedaboh@gmail.com

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x