منوعات

اليوم العالمي للغة الأُم

الربيع محمد بابكر

جاءت فكرة الإحتفاء باليوم العالمي للغة الأُم بمبادرة من بنغلاديش عندما أرادت تهيئة لغتها البنغالية ، ثم أقرها المؤتمر العام لليونسكو في العام 1999م ، ولاحقاً أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة وأصبح العالم أجمع يحتفي بيوم 21 فبراير من كل عام كيوم عالمي للغة الأُم.
تؤمن جميع المنظمات الدولية الحقوقية بالتنوع والتعدد الثقافي واللغوي وتعمل للمحافظة على لغة الأم من ضمن خطط التنمية المستدامة للأجيال ، كما أن إحترام التعدد والتنوع من أبرز وسائل تحقيق السلام والمحافظة عليه ، لأنه يعزز التسامح والتصالح الإجتماعي وإحترام الآخرين.
من المعروف أن السودان بلد متعدد الثقافات واللغات إذ يتجاوز عدد اللغات المنطوقة حاجز المئة لغة وخمسمائة لهجة تتفرع عن تلك اللغات ، إلا أن الحكومات المتعاقبة كانت عقبة أمام تطور هذه اللغات عبر استخدام سلاح الأسلمة والتعريب القسري ، معتمدين في ذلك على سلاح التعليم و تحديد اللغة العربية كلغة رسمية لكل المجتمع السوداني.
أما تأريخياً فالسودان أرض الحضارات القديمة ففيها قامت حضارة وادي النيل قبل أكثر من ثلاثة آلف عام قبل الميلاد.
قامت الحضارة الكوشية واستمرت لقرون عدة وتفرعت منها ممالك كثيرة في جميع أنحاء السودان واحتفظت جميع هذه الممالك بلغاتها إلى وقت قريب.
تشكل السودان بشكله الحالي في عام 1821م بعد الغزو التركي للسودان والذي تلاه ضم دارفور التي كانت كياناً قائماً بذاته حتي عام 1916م ، وكذلك تم ضم التاكا وكسلا وبعض مناطق جنوب السودان ، ونتج عن هذا التشكل دولة جديد شاسعة متعددة ومتنوعة ثقافياً وعرقياً ودينياً بدلاً عن تلك الممالك القديمة المستقلة.
للأسف أن الحكومات المتعاقبة التي مرت على تأريخ السودان الحديث لم تراعِ ميزة تنوع وتعدد السودان ، مما جعله نموذجاً للإحتراب القبلي والأهلي والصراع السياسي ، وناضلت قوي الكفاح المسلح من أجل بناء دولة مواطنة متساوية بين جميع السودانيين والمحافظة علي تراث وثقافات جميع المكونات السودانية بدلاً عن الدولة الآحادية العنصرية ، وقد قادت هذه الصراعات إلي إستقلال جنوب السودان في 9 يوليو 2011م بعد حروبات دامية استمرت لأكثر من نصف قرن من الزمان ، وبعد أن تأكدوا من إستحالة العيش في وطن واحد ، وفشلت حكومة الخرطوم في جعل الوحدة جاذبة والإجابة علي سؤال هوية السودان وعلاقة الدين بالدولة.
بعد فترة الإستعمار وتشكيل الحكومات الوطنية ، أبعدت هذه الحكومات جميع اللغات عدا اللغة العربية والإنجليزية عن دوائر الإستخدام الرسمي ، واعتمدت على سياسة الأدلجة والتعريب من خلال المناهج الدراسية وتشنيع وتشويه اللغات الأخرى التي تم وصفها “بالرطانة” مع الإهتمام البالغ باللغة العربية دون سواها.
الحديث عن فرض الدولة للغة العربية لا يعني محاربتها ولكن هي حرب ضد فرض لغة واحدة للجميع وإبعاد لغة الأم عن دوائر التعليم.
إن غالبية دول العالم تعترف بلغاتها دون فرز ويتم إدراجها في المناهج الدراسية وفقا لقدرات الدولة بل و تدعم هذه الدول الجمعيات التي تساهم في المحافظة على تلك اللغات ، وهنالك دول بها أكثر من لغة رسمية مثل جنوب أفريقيا ويوغندا وأثيوبيا كأمثلة من محيطنا الأفريقي.
إن كثير من اللغات السودانية تعرضت للإنقراض أو في طريقها للإندثار ، وأخرى لا تزال صامدة وتستخدم كلغة تواصل و، وبعض اللغات تم تطويرها إلى أن أصبحت مكتوبة ، منها لغات: النوبية ، الزغاوة ، المساليت ، الفور ، البجا وغيرها من اللغات السودانية.
إن بعض القبائل والكيانات الإجتماعية تقيم إحتفالات سنوية بمناسبة اليوم العالمي للغة الأُم ، كما أسس بعضها مدارس ومعاهد وجمعيات تقوم بتدريس النشء لغاتهم الأصلية.

22 فبراير 2022م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى