مقالات الرأي

قراءة وتعليق في مقال الدكتور الدرديري محمد أحمد بعنوان (حتى لا نكسب الحرب ونخسر الوطن) (1)


بقلم: الصادق علي حسن

الدبلوماسي السابق الدكتور الدرديري محمد أحمد من منسوبي حركة الإخوان المسلمين بقيادة الدكتور حسن الترابي ، عمل بالخارجية السودانية وبرز اسمه من خلال مفاوضات السلام لجنوب السودان كما وتولى منصب وزير الخارجية في عهد البشير وكان من ابرز مفاوضي مفاوضات نيفاشا التي افضت إلى إتفاقية السلام في عام ٢٠٠٥م بين حكومة المؤتمر الوطني بقيادة البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د جون قرنق ، وقد يكون من القلائل من أبناء جيله من أبناء كردفان عموما ممن نالوا التعليم العالي وحازوا على المناصب الرفيعة في الدولة .
تناول الدكتور الدرديري في مقالين سابقين الأولى بعنوان عربان الشتات ومشروع إعادة توطينهم في السوداني والثاني بعنوان عربان الشتات وكيف نحبط مشروعهم الاستيطاني ، في المقال الأول تناول د الدرديري ما أسماها “تغريبة” عرب بنو هلال والقبائل التي شملتها في هجرتها إلى القيروان وإلى أفريقيا والتي أمتدت لأربعة قرون متواصلة حتى وصول قبائل منها إلى بحيرة تشاد وشمالي مناطق نيجيريا والكاميرون وغربا إلى مالي والنيجر وأحزمة المناطق المتاخمة للصحراء الكبرى (عرب الشوا) وكان ذلك
قبل نشأة وتأسيس الدولة الحديثة، كما وفي المقال الثاني تناول ما اسماها ” تشريقة” عربان الشتات وكيف نحبط مشروعهم الاستيطاني ، المقالان بهما معلومات عن هجرات العرب إلى جنوب الصحراء وغرب أفريقيا وأرض السودان ، ثم انتقل الدكتور الدرديري لمقال الثالث بعنوان حتى لا نكسب الحرب ونخسر الوطن وفي مقاله الثالث افترض هزيمة عرب الشتات وكتب جملة نصائح لما بعد كسب الحرب حتى لا يقترن كسب الحرب بخسارة الوطن .
قصد الدكتور الدرديري بعربان الشتات كما ذكر في مقالاته الثلاثة عربان مالي والنيجر كما وشمل الوصف عربان دولة تشاد ومناطق الحزام الأخرى بالغرب الأفريقي الممتدة والمتاخمة لدول الصحراء الكبرى (عرب الشوا)، لم يربط د الدرديري ما اسماها “تشريقة” عربان الشتات بعرب السودان بل في مقاليه ذكر عدم وجود روابط ثقافية بين عربان التشريقة والعرب بالسودان سوى روابط الهجرة القبلية الضاربة في القدم منذ قرون وقد تفرقت السبل ونشات ثقافات مختلفة باختلاف البيئات في الدول والأوطان التي ينتسبون إليها، ووصف التشريقة بالمشروع الاستيطاني لخلخلة المجتمع السوداني التقليدي كما ورد بمقاله الأول مما ننقل منه الآتي نصا (وإن مشروع عرب الشتات جزء من مشروع كبير يهدف لإبدال النخب السياسية في بلاد الواق واق بنخبة علمانية المزاج نخبة تهيئ لتجاوز الثقافة التي ولدت لاءات الخرطوم الثلاث ،تلك اللاءات التي لا تزال اسرائيل تعتبرها شوكة في خاصرتها بل نخبة تتجاوز ما يسميه البعض سودان ٥٦، وإذا كان تغيير النخبة السياسية هو مشروع الغرب كله تقوده أمريكا وتقرها عليه أوربا وتحركه إسرائيل من وراء ستار ،فإن لفرنسا مشروعا خاصا بها ترجو تحقيقه بإعادة توطين عربان الشتات بالسودان فهي ترغب في التخلص من هذه المجموعات العرقية التي ترفض الاندماج في مجتمعاتها المحلية في الامبراطورية الفرنسية بغرب أفريقيا وتنشط في تهريب البشر والاتجار في الأسلحة الصغيرة ،وترتبط بمنظمات إرهابية من شاكلة بوكو حرام وبعصابات إجرامية عابرة للحدود . خلال العامين الأخيرين دخل تنفيذ هذه العملية مراحل متقدمة ،وتولاه ميدانيا نفر مرتبطون بالأمارات ومن خلالها بفرنسا واسرائيل .إذ تولى الإشراف العام على تنفيذ المخطط محمد صالح النظيف وزير خارجية تشاد الذي ينحدر من ماهرية تشاد . وقد كلف في مارس ٢٠٢١ بدعم معلن من فرنسا ، وبتدبير خفي من الموساد ولا شك بشغل منصب “الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في منطقة غرب أفريقيا ومنطقة الساحل”، ذلك ليدير كامل المسرح على اتساعه ببشره وبجره. وتزامن تكليف النظيف مع انتخاب محمد بازوم رئيسا للنيجر في أبريل ٢٠٢١ من سكان تلك البلاد .بالطبع توافق هذا كله مع تولي حميدتي منصب نائب الرئيس في السودان). لقد ذكر الدكتور الدرديري في مقاليه السابقين الأول والثاني مصادر ومراجع عن هجرات العرب إلى أفريقيا والسودان واسباب ودوافع هذه الهجرات، ولكن تناولنا سيكون حول رؤيته فيما اسماها بالتشريقة وما قدم عنها من حيثيات تؤكد ارتباطها بمخطط قادم للسودان من الشرق الأوسط وضلوع دولة فرنسا بخلاصتها المنقولة بالنص اعلاه .
نظرية المؤامرة :
أكد الدكتور الدرديري ان تشريقة عربان الشتات تجاه السودان الحالية ناتجة عن مؤامرة كما وتحدث عن نفر من الإمارات ومشروع اسرائيلي توافق مع مخطط فرنسي للتخلص من عربان الشتات بابعادهم إلى السودان وإعادة توطينهم بإبدال المجتمع السوداني ، نظرية المؤامرة تغلبت على الدكتور الدرديري لذلك بدأت حيثيات مقالاته غير متماسكة وحملت في ذاتها دلائل هشاشة في التسبيب، وقد أكد ان دخول عربان الشتات في معادلات السياسة الدولية في عام ٢٠٠٣ بحسبما ننقل من مقاله الأول بالنص الآتي (دخل عربان الشتات لأول مرة في معادلات السياسة الدولية عام ٢٠٠٣ حينما تم أستخدام قسم منهم لإشعال الحرب في دارفور ، ثم توسع نطاق استخدامهم في عملية عاصفة الحزم التي اطلقت في مارس ٢٠١٥ حيث تم استجلابهم إلى اليمن تحت مظلة الدعم السريع ليكسروا شوكة الحوثيين.وأخيرا أتي بهم لإجتياح الخرطوم .وفي هذه المرة يتضمن السيناريو جعل السودان وطنا بديلا لهؤلاء العربان لتغيير التركيبة السكانية فيه على نحو يخلخل المجتمع السوداني التقليدي) ، في الفترتين المذكورتين بتواريخهما بواسطة د الدرديري عن إستخدام عربان الشتات في المشروع الذي ذكره (٢٠٠٣ و ٢٠١٥)،كانت السلطة في عهد حزب المؤتمر الوطني وفي قبضة البشير ونظام حكمه الذي استعان بهم في محاربة الحركات المسلحة في دارفور عام ٢٠٠٣ ،كما كان الحال كذلك حينما تم ابتعاث الجنود السودانيين من الجيش والدعم السريع في عام ٢٠١٥ كبنادق مستأجرة وذلك للمشاركة في حرب اليمن وكسر شوكة الحوثيين ، وفي خلال تلك الفترة تولى د الدرديري نفسه منصب وزير الخارجية ،وطالما تم تنفيذ ذلك المشروع في عهد حزبه ونظامه الحاكم وهو قد تولى وقتذاك أهم المسؤوليات والوزارات ، فالمسؤولية تثبت على حزبه وعليه هو أيضا ، طالما كان يمتلك المعرفة والإلمام التام بكل تلك الخطط وابعادها حتى لو كان قد علم بها وانكرها والتزم الصمت .
قيمة كتابات الدرديري حول عربان الشتات :
كان يمكن ان تكون لكتابات د الدرديري عن عربان الشتات قيمة معتبرة إذا لم يلجأ لإخفاء دور حزبه حتى إذا لم يسع لتبرئته وقد ذكر تواريخ أستخدم ما اسماهم بعربان الشتات في السياسة السودانية كما اعترف بنفسه بان أول مشاركة لهم حينما تم أستخدام قسم منهم لإشعال الحرب في دارفور في عام ٢٠٠٣ ثم توسع نطاق استخدامهم في حرب اليمن في عام ٢٠١٥ تحت مظلة الدعم السريع ، هذه من الحقائق ولكن أين موقعها من المؤامرة التي تحدث عنها وأرجعها لنفر لهم علاقات بالإمارات ومخطط لإسرائيل ، كما وفي مقاله الثالث اعتبر الدرديري ان الحرب قد إنتهت وتحدث عن نصائح (حتى لا نخسر الوطن) وواقع الحال الحرب مستمرة ولم تتضح مآلاتها بعد ، ومن السابق لأوانه الحديث القاطع عن نهايتها وقد تمددت في ولاية دارفور وتوسعت رقعتها بولاية الخرطوم، وتشهد مناطق بولايات دارفور وكردفان من وقت لأخر اعلانات لقيادات اهلية وضباط بالقوات النظامية بالإنضمام لقوات الدعم السريع وبروز إنقسامات مجتمعية وأضحة مما تضعف من قيمة ما ورد من نصائح للدكتور الدرديري والآن ما اسماهم بعربان الشتات قد صاروا طرفا في المعادلة السياسية السودانية واستقرار البلاد وبالضرورة النظر لهذا التطور بعمق بعد ان صارت الخرطوم العاصمة مثل عواصم دول الحزام الأفريقي الغربي كانجمينا ونيامي وبانغي والتي يمكن ان تشهد في اي وقت متى ما تهيأت الظروف لإنطلاقة مجموعات متكاثرة من المجموعات القبلية المسلحة لتحاصر العاصمة من اجل انتزاع السلطة، وقد دخلت الخرطوم هذه الدائرة بالفعل وليس من السهل الخروج منها بتصورات تتجاوز إغفال الحقائق ، بل قد يكون السودان الآن اكثر حوجة من غيره لدراسة مستقبل اوضاع بدو الصحراء الكبرى ،وذلك بغض النظر عن نتائج الحرب الدائرة حاليا ،كما والبحث ضمن دول المنطقة الأخرى حول ماهية الوسائل الصحيحة للتعامل مع هؤلاء العرب الرحل حتى يتحولوا إلى مجموعات مستقرة وأين وكيف ؟ ولو لم يحدث ذلك ، فإن هذه المجموعات المتكاثرة ستساهم لسنوات قادمات ولأجيال متعاقبة في نشر الفوضى وعدم الإستقرار السياسي في عدة بلدان وقد صار السودان جزءٓٓا لا يتجزأ منها . نواصل .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x