مقالات الرأي

أصاب أنجلز وأخطأ ماركس


بقلم: معتز محمد بشير “تروتسكي”

بعد إنهيار وسقوط سور جدار برلين(Fall of the Berlin wall) في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 1989م، لم تقتصر التغييرات على التنظيمات الماركسية الشيوعية، بل تصاعدت ذروة الحماس الليبرالي وفق ما ذكره “فوكوياما” بأن ما حدث ليس فقط نهاية الحرب الباردة، أو مرور فترة معينة من تاريخ ما بعد الحرب، ولكن نهاية للتطور الأيديولوجي الماركسي الشيوعي للبشرية وتعميم الديمقراطية الليبرالية الغربية كشكل أخير لحكم البشرية. هو ما دفع بشكل تلقائي مجموع التنظيمات الماركسية والشيوعية للوقوف لعمل مراجعات نقدية، دفعت بها الظروف الموضوعية بسقوط جدار برلين وتفكك الإتحاد السوفيتي كمرجعية للمراكسة والشيوعية، وتراجع عديد الدول لتغيير نمط حُكمها والإنتقال للديمقراطية الليبرالية.

طبيعة هذه التغييرات أنطوت على أن ما حدث تسببت فيه القفزات وحرق المراحل وفق اللوحة الخماسية أبان فترة “لينين” ليكمل “إستالين” هذا الأسلوب، وهو ما دفع لحدوث خلل وأضح أفضت نتائجه لنتائج ما بعد 1989م، إذ يبدو أن الرعيل الأول للشيوعيين في الأتحاد السوفيتي، دفعت به الثورية العاطفية التي جعلته يفقد إتزانه والإلتزام بالنظرية والإرتكاز على قوانينها حول قانون التراكم (تحول الكم إلى كيف) والتمرحل في سبيل تسريع الأفق الشيوعي، متجاهلين قانون آخر (أي تغيير بدون تمرحل سينشأ عنه خلل في البنية الإجتماعية).

تمظهرات هذه التغييرات من محاولة نقد للتجرية وإستعراضها، هو تنازل الكثير من التنظيمات والأحزاب الشيوعية عن مفردة (الشيوعي)، فنلاحظ ذلك للأحزاب الشيوعية الكبرى في أوروبا، حيث إستعاضت عن شيوعي بمدولات مثل (الإجتماعي – الإشتراكي – الديمقراطي – العمال … والخ) من الدلالات التي تنطلق من التأسيسات الفكرية للماركسية نفسها، كواحدة من المعالجات، هذه الخطوات دفعت بالأحزاب الشيوعية الكبرى إلى الإنقسام لتيارين هما تيار الجمود أو الإنفتاح والتحديث، فشاهدنا نمو تنظيمات ذات خلفية ماركسية شيوعية، أو أستعارت كثير من التأسيسات النظرية للماركسية، بأخذها مكانه وسط الطبقة السياسة والجماهير على مستوى التصويت والإنتخاب، في المقابل أصبحت الأحزاب الشيوعية التي حافظت على مسماها، من ضمن الأحزاب الصغيرة.

دواعي التنازل ليس لنزهة أو لإنحاءة للموجة والهجمة الليبرالية الشرشة ولكن لأسباب موضوعية فكرية وعقلانية متصلة نفسها بالماركسية وقوانينها، في محاولة لترميم أخطاء القفزات التي حدثت أبان فترة الإتحاد السوفيتي، فتبنت تلك الأحزاب الإشتراكية أكثر من الشيوعية لمحاولة خلق
أرضية لها ووعي كامل بها؛ وهنا نجد نموذج الحزب الشيوعي السوداني الذي بذات المسوغات الموضوعية دفع بتغيير الأسم في أحدى مؤتمراته (المؤتمر الخامس)، ومن ثمّ طرح مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية، والذي هو مرحلة ولوج للإشتراكية نفسها، بالإضافة لدفعه بتغيير هيكلة حزمة التفكير الإقتصادي من إشتراكي قح إلى إقتصاد (مختلط).

مرد هذه التغييرات يجب إرجعاها إلى “فريدريك إنجلز” فهو صاحب القدح المعلى، بالرغم من جهود “ماركس”، إذ أن الماركسيين والشيوعيين في العالم دفعوا بطرح “ماركس” دون النظر والإعتبارات لما قدمه “إنجلز” لذا يمكن نقول أن صح القول إنه ظُلم في ظل وجود هالة “ماركس” العظيم.

قدم “ماركس” إطروحة تأميم جميع المصانع بشكل مُفرِض وقابض، وهذا ما إعترض عليه “إنجلز” بأن هذا يمنح الدولة سيطرة أكثر من اللازم، وعلى المدى الطويل، ستبدأ الدولة بإستغلال المواطنيين، وقد عنى في ذلك “إنجلز” تصوراً متقدماً إشتغلت عليه معظم الدول بعد تفكك الإتحاد السوفيتي الأن في طريق المراجعات، وهو بأن تتملص الدولة من قبضتها القوية بالشكل المعيق، لحين عمل نقلة وعي بماهية الاقتصاد الإشتراكي.

أهتم “إنجلز” برؤيته الثاقبة للوقف على وجوب إقتصاد ناجح عوامله [الإزدهار والنمو – المساواة الإجتماعية – الإستدامة]، وفي هذا توجد بعض الملابسات حول ما قام به “جون مينارد كينز”، حيث هدف إلى إستقرار إقتصادي مع خلق مزيد من فرص العمل، يقول العديد من الخبراء الاقتصاديين بأنه حالة أشبه للتوازن بين “آدم سميث” وتصوراته الإقتصادية القائمة على فلسفة السوق الحر والتجارة الحرة، و”ماركس” ذو الإتجاهات الإقتصادية المتعلقة بأهداف تحسين حياة العمال والثورة، بالرغم من ان “كينز” يقع ضمن رزنامة الاقتصاديين الرأسماليين لكنه يجنح لجعل الرأسمالية منظمة بتدخل الدولة وفي ذلك يتقاطع مع “إنجلز & ماركس” بالرغم من تباينهما في مسألة التدخل والسيطرة، بالإضافة إلى إستبداله لمفهوم (يد السوق الخفية) عند “سميث”، بـ(دوامة الإقتصاد) وجل هذه التنظريات التي حاولت تقليل توحش الرأسمالية، يرجع كذلك مردها “لإنجلز”، الذي جعل فكرة الإستهلام من تأسيساته النظرية للاقتصاد مصدر للإشتراكيين والرأسماليين على حدِ سوا، وهو ما يبرز عبقريته المطموسة.

عليه ما تطرق إليه “إنجلز”، هل يمكن أن يكون هو النواة لما يُعرف بالاقتصاد الاجتماعي (Socioeconomics)، هو ذاك النمط الإقتصادي الذي يخلق صلة بين دراسة العلاقة المتبادلة بين العلوم الاقتصادية من جهة والفلسفة الاجتماعية – الأخلاق وكرامة الإنسان – لذا حدد بأن دخول الدولة في العملية الاقتصاد ضروري لمنع أن تكون الجماهير تحت رحمة السوق، وعموماً فأن فكرة الاقتصاد الإجتماعي، أو الإقتصاد المختلط (Mixed economy) هي تصورات بعيد عن الجمود والاقتصاد الأرثوذكسي المتمظمهر في الاقتصادات المعروفة، حيث إستلهمت تصورات “إنجلز” مع إعطائها خصوصية، لكن بأي شكل يظل “إنجلز”، عنصراً عظيماً في جل الإطروحات التي تحاول أن تخلق لنفسها مساحة بعيدة عن الرأسمالية أو الإيغال في الإشتراكية، مع الحفاظ على السمة الرئيسية الأ وهي (عنصر الدولة)، والتي تتدعي الضرورة وجودها مع عدمها تحولها لوحش يتخلق ضد الشعوب.

“إنجلز” الثري ناصر البروليتاريا بقوة، غير وفكك كثير من المفاهيم حول ولوج رأس المال لفلسفة “ماركس”، فعديد المراكسة قديماً وحديثاً هم من الجمود بمكان حول دهشتهم في كيفية قولبة الرأسمال والرأسمالي داخل الماركسية، متناسيين بأن الماركسية نفسها أسست علاقتها مع الرأسمالية على أساس جدلي ديكالكتي؛ كما عمل “إنجلز” على رعاية “ماركس” مادياً من أجل كتابة (رأس المال)، ولم تقف إسهاماته هنا حين عمل على إكمال ونشر الجزئين الثاني والثالث لرأس المال، بالإضافة لنظم تخمينات “ماركس” فيما يمكن تعريفه [برأس المال الجزء الرابع]، ولن يكون من المبالغة القول بإنه هو واضع الماركسية، فقد كانت تلك المساهامات والمساعدات لإعتبارات مقدرته المالية لأنه من الطبقة الرأسمالية، كما كان عنصراً مهماً في كتابة البيان الشيوعي، والعائلة المقدسة أو إنتقاد النقاد، وكتابه الشخصي (حالة الطبقة العاملة في إنجلترا)، ليكون تأسيساً ضخماً للإشتراكية العلمية، كذلك (شلينغ والرؤيا) والكثير من الكُتب والأعمال الفكرية، عليه وفق هذه الخطوات المنقذة للمراكسة وإقتصادهم بتقديم روشتة حلولية كانوا قد غفلوا عنها، لا يمكننا إلا أن نقول [أصاب إنجلز وأخطأ ماركس].

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x