مقالات الرأي

الإتفاق الإطاري إعادة إنتاج لتجربة عاجزة (٣)


بقلم: الصادق علي حسن المحامي

الدستور يمثل التعاقد الحكمي الأسمى بين كافة مواطني الدولة بما فيهم الذين لا زالوا في أرحام امهاتهم فيخرجون للحياة ويجدون تلقائيا قد اكتسبوا جنسيتها بالميلاد، وينشأ للجنين وهو في بطن امه ومولودا لا يدري ما حوله قبل ان يكتسب إسمه لحقوق دستورية بمجرد ميلاده بموجب أحكام الدستور ، ومن سمات الدساتير المستقرة انها تحوز على إحترام شعوب الدول وتحرص الدول المحترمة على تيسيير الإلمام بدستورها لكافة أفراد شعبها وفي بعض البلدان مثل الولايات المتحدة تطبع نسخ كافية من الدستور لتملك للكافة من أجيال البلاد المتعاقبة وحتى للزوار والسواح فينشأ الطفل ملما بدستور بلاده وحينما يبلغ سن الرشد والإنتخاب والترشح يكون ملما بحقوقه الدستوري وإرادته الحرة المستقلة من التأثيرات حوله لذلك في الدول المتقدمة قد يظهر مرشحا من خارج الأحزاب المتنافسة ويفوز على مرشيحها في الإنتخابات العامة من خلال البرامج وفي بعض البلدان يمنح نسخة من دستور البلاد إضافة للخرائط بالمعالم الرئيسية بالبلاد للزائر كما في المتاحف العامة وحتى في وكالات السفر والسياحة وخدمات الإستثمار في الترويج للأماكن ومعالم البلاد الأثرية والسياحية والحقوق والحريات المكفولة بموجب أحكام دستور الدولة ،فالدستور عنوانا ومقياسا لمدى رقي الدولة واحترامها لحقوق الإنسان والحريات وحقوق الإنسان وممارسة الديمقراطية ،ولا يستقيم عقلا ولا منطقا مباشرة عملية وضع دستور لأي دولة ولو كان مؤقتا أو إطاريا وتعمد تغييب المواطن المعني به بصورة تامة كما يفعل الآن طرفي الإتفاق الإطاري الحالي الموقع عليه من بين قوى الحرية والتغيير وعناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد والذين يسعون من خلاله لتأمين المصالح والمكاسب الذاتية التى حصولوا عليها مثلما يسعى البرهان وحميتي اوالحصول من خلاله على السلطة والإستحواز عليها كما يفعل الطرف المدني الذي اطلق على نفسه مسمى الطرف المدني الموقع على الإتفاق الإطاري والذي صار في بحثه عن السلطة من دون رشد يتلون كما تتلون الحرباء في الخريف ، غارقون في البحث عن مصالحهم ريثما يتنازعون في ما لا ناتج من ورائه سوى الطموحات الذاتية والمزيد من أسباب التشرزم والتنازع، مجموعات متخندقة في غرف مغلقة مع رجال الأعمال ووفود تتبارى في التجوال لتلتقي بقادة الدولة التي ترتبط مصالحها بمصير البلاد في مسلسل يكشف قلة الحيلة وانعدام البصيرة .
الأجسام القمرية وطيور الزينة :
صديقي المحترم د محمد جلال هاشم في اكثر من مرة ذكر لي بأن هنالك من يستخدم هيئة محامي دارفور مثل إستخدام الأجسام القمرية التي يؤتى بها في المناسبات لتؤدي ادوار طيور الزينة وتنتهى وظيفتها بالإحتراق وفي كل مرة ارد عليه بنفس الإجابة المكررة بأن الهيئة مؤسسة حقوقية دورها في ممارسة التثقيف المتواصل وتقديم العون القانوني مباشرة أومن خلال حملات المناصرة ، وعملية التثقيف تظل متواصلة لأنها رسالة لا ترتبط بوظيفة او نوال ، وطالما هنالك من يرغب او يمارس بالفعل محاولات إستخدام الهيئة بفهمه الخاص به كطيور الزينة فالهيئة لا تكترث وتظل تمارس دورها في التوعية كما هو دور الرسل وما على الرسول إلا البلاغ ، وبالرغم من موقف الهيئة من الوثيقة الدستورية المعيبة سعت لتعزيز والمشاركة في تفعيل الممارسة المدنية السليمة ما بعد ثورة ديسمبر وذهاب البشير وفي ظل حكومة حمدوك التقت الهيئة اكثر من مرة بالدكتور حمدوك وأمدته بتصورات لتوظيف الدعم الشعبي غير المسبوق الذي وجده للتأسيس لإعادة مسار الحياة الدستورية للبلاد وعلى مستوى المساهمة الشخصية شاركت ضمن مجموعة صغيرة اختارها د حمدوك للمشورة معه حول قضايا البلاد وفي إجتماع بمكتب مديرة جامعة الخرطوم د فدوى عبد الرحمن علي طه قلت له من الأفضل لك أن تخرج منها بأقل خسارة ممكنة كما قال له الأستاذ كمال الجزولي في ذات الإجتماع دولة رئيس الوزراء استرد سلطاتك التي يتغول عليها مجلس السيادة اولاً ومن بعد اطلب منا ما تريد وستجدنا جاهزون ، حمدوك رد علي بالقول إذا طلب مني الشارع السوداني الذي اتي به الذهاب ساذهب وانه أتى إستجابة لإرادة الشعب وليس متمسكا بالمنصب ، ولاحقا تقدمت للدكتور حمدوك بتصور شفاهي حول تكوين لجان تسييرية لإتحادات الطلاب والمرأة والروابط الشبابية وتسليمها كل الدور والمعدات والأدوات التي كانت بحوزة تكوينات النظام البائد ووافق على المقترح وبحماس شديد قال سيصدر به قرار على الفور واتفقت معه على تقديم التصور مكتوبا لوزير شؤون رئاسته والذي كان حاضرا في إفطار رمضان بمنزله للإجراء وبناءا على ما تم الإتفاق عليه مع د حمدوك قمت بكتابة تصور متكامل وظللت اتابع مع خالد سلك صياغة القرار وإصداره ولكنه لم يفعل حتى اصدر البرهان قرارات ٢٥ اكتوبر ٢٠٢٢م، لقد قصدت بذلك ان ارد على البعض الذي يطلب من الهيئة وقياداتها عدم المشاركة في بعض المنتديات بحجة انها ستكون مثل ادوات الزينة وقد اعتمدت نهج التأسيس للحوار وإبراز الحقائق والمواقف في كل المنابر والمحافل بمنطق إستخلاص الدروس والإستفادة منها والمثل الشعبي البليغ بيقول (كل شوكة بسلوها بدربها) ،عضوية الهيئة في كل التنظيمات االسياسية تلتزم بمواقفها الحزبية في الإطار الحزبي اما بالنسبة للهيئة ففي مصلحتها المشاركة بالرأي في كل المنابر والمحافل ، فالقضايا العامة لا تحتمل الخصومة الحزبية والتشرذم طالما استهدفت المصلحة العامة وقد ظلت الهيئة من خلال منسوبيها تشارك وتدلي برأيها في كل المنابر .
أخطاء قانون التفكيك الفادحة :
أرتكب وزير العدل في ظل حكومة حمدوك د نصر الدين عبد الباري خطئا فادحا وقنن بإصدار قانون التفكيك استثناء القوات المسلحة وجهاز المخابرات العامة والدعم السريع من التفكيك المعيب وفي تكوين لجنة التفكيك نص قانون التفكيك المعدل لسنة ٢٠٢٠م على تشكيل لجنة التفكيك بعضوية للأمن والمخابرات والدعم السريع وتم تعيين الفريق ياسر العطا رئيسا للجنة التفكيك وصارت اهم أجهزة النظام البائد مشاركة في لجنة التفكيك وكأن المطلوب منها ان تشارك في تفكيك نفسها بذات نفسها، والمعلوم بالضرورة ان الفريق اول البرهان من قيادات النظام البائد العسكرية التي صارت قريبة جدا من البشير في ايامه الأخيرة كما وكان معتمدا لمحلية نيرتتي بوسط دارفور ورئيسا لحزب المؤتمر الوطني بالمحلية ، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي من ركائز البشير والذي سن له قانونا خاصا لجيشه الدعم السريع وكان يكنيه ب (حمايتي) فكيف يعقل ان يتم تفكيك نظام المؤتمر الوطني بهكذا قانون وهكذا لجنة .

  • عقب إجازة قانون التفكيك قمت بالإتصال بالدكتور نصر الدين عبد الباري وزير العدل وتحدثت معه عن مآخذ على القانون المذكور وعيوبه الجوهرية ولكن بحسب ما قاله لي في تلك المكالمة واذكر ما قاله لي جيدا بانهم قاموا بالإطلاع على تجارب نظم دولية مشابهة واستهدوا ببعضها وان الغرض ضمن أمور أخرى الحفاظ على الأموال العامة التي بحيازة عناصر النظام البائد من الضياع ومنع الاستيلاء عليها والمملوكة للمؤسسات والكيانات والنقابات والهيئات ولتكوين لجان تسيير تضطلع بمهام حفظ الأموال العامة من الضياع وتسيير دولاب العمل ، لم اتفق مع الوزير في الرأي فقد كانت تبريرات وجيهة في ظاهرها ولكن في جوهرها ومن حيث لا يدرك كانت تقنن لتجزئة المشروعية وتأطير التفكيك في المؤتمر الوطني ومنسوبيه فقط، وهذا ما قد حدث بالفعل وقد ظل الطيب مصطفى رئيس ومؤسس منبر السلام العادل يمارس نشاطه من دار حزبه بالخرطوم ٣ وهو غير مشمولا بالتفكيك كما في التطبيق وبموجب قانون التفكيك تمت ملاحقة عثمان يوسف كبر الذي التحق بحزب المؤتمر الوطني في سنواته الأخيرة واستفاد من التنافس المحموم داخل عناصر الحزب المذكور وصار قريبا من البشير بل منافسا لعبد الرحيم محمد حسين في الحظوة لدى الحاجة هدية والدة البشير .
    النائب الأول :
    قوى الحرية والتغيير الموقعة على الإتفاق الإطاري لم تستفد من الدروس ولم تجر حتى الآن دراسة تقييمية جادة لتجربتها السابقة كما صارت قياداتها ولا اقول قواعدها بعيدة عن الشارع او الشارع الثائر بعيدا عنها وبالتالي لم تعد تعبر عن الشارع وكان من الأفضل لها لو انتهجت نهج الدكتور محمد ناجي الأصم والذي ابتعد وأخلى الساحة لشباب المقاومة ولم يتمترس حول نفسه وظل يمارس النقد الذاتي بصورة مدركة للحقائق ،ولكن بقية المجموعة المندفعة من زملائه لا تزال على ذات نهجها والممارسات غير المدروسة او المتأنية في ظل ظروف ومآلات دولة تحت التأسيس تعمقت مشاكلها وتجذرت ليرتبط مستقبل البلاد ومصير شعبه برغبتي البرهان وحميدتي،وحميدتي يشغل منصبا لا وجود له في الوثيقة الدستورية المعيبة نفسها وقوى الحرية والتغيير الموقعة على الإتفاق الإطاري فاقدة البوصلة وتجد منها من يقول ببساطة (ما البديل) .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x