مقالات الرأي

الحماية القانونية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة (1)

بقلم الأستاذ: محمد عثمان عبد الرحمن
المحامي

تعريف المدنيين:

كلمة مدني تعود إلى اللغة الفرنسية القديمة (Civilian) والتي استخدمت في أواخر القرن الرابع عشر وتعني (الخاص بالقانون المدني) وقد استخدمت في وقت مبكر منذ العام 1829م لتشير إلى غير المقاتلين، ولكن مصطلح غير المقاتل يشير إلى من لا يشارك في أي من العمليات العدائية للأطراف المتحاربة في النزاعات المسلحة الداخلية والدولية.

فالمدني هو شخص ليس فرداً في القوات المسلحة أو الشرطة أو أي قوج شبه عسكرية، ويختلف عن غير المقاتل وفقاً لقانون الحرب، إذ أن غير المقاتل قد يكون شخص يتبع للوعاظ والأطقم الطبية او عسكريين محايدين في النزاع، وبذلك يملك المدنيون المتواجدون في مناطق النزاعات الحق بالتمتع بالحماية القانونية وإمتيازاتها وفقاً لقانون الحرب العرفيح والمعاهدات الدولية كإتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1948م.

يُعرّف الدليل العسكري لدولة كولومبيا المدنيين بأنهم ( أولئك الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية العسكرية في النزاع المسلح الداخلي أو الخارجي (الدولي)، وهذا ما جاءت به المادة (50)من البروتكول الإضافي الأول لإتفاقيات جنيف، فذكرت أن المدنيون هم (الأشخاص الذين لا ينتمون إلى القوات المسلحة).

وقد عرفت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية بلاسكيتش سنة 2000م المدنيون بأنهم (أشخاص ليسوا ولم يعودوا أفراد قوات مسلحة) ولهذا فإن أي شخص لا ينتمي للقوات المسلحة أو أي جهة شبه عسكرية والذين لا يشتركون في الأعمال العدائية بشكل مباشر مدنيون، ويتمتعون بالحماية القانونية الكاملة وفقاً للمعاهدات والبرتوكولات الدولية الإضافية، ويفقد الشخص صفة المدني عندما يقوم بالمشاركة في الأعمال العدائية المسلحة وبالتالي يفقد الحماية القانونية بموجب القاعدة (6) من القانون الدولي العرفي، ولكن هناك استثناء علي هذه القاعدة وهو حالة الهبة الجماهيرية للسكان ومواطني الدول الذين يحملون السلاح عند إقتراب العدو في بلد لم يتم إحتلاله بعد من تلقاء أنفسهم لمقاومة القوات الغازية، ولكنهم يصبحوا مقاتلين عند حملهم للسلاح وإحترام قوانين الحرب، وهذه القاعدة تم إقرارها في مدونة (ليبر) وإعلان بروكسل، وقُننت في لائحة لاهاي وإتفاقية جنيف الثالثة.

و قد تضمن البرتكول الإضافي الثاني تعريف للمدنيين ( أي شخص لا ينتمي للقوات المسلحة أو أي مجموعة مسلحة نظامية، وهذا ما أُعتمد بالإجماع في اللجنة الثالثة للمؤتمر الدبلوماسي الذي أدى إلى إعتماد البروتكولين الإضافيين لسنة 1977م.

و قد جاء في البروتكول الإضافي الأول لسنة 1977م إنه (المدني هو فرد لا ينتمي إلى تصنيفات الأفراد التي أُشير إليها في المادة (4)/أ،(1)،(2)،(3)،(6) من الإتفاقية الثالثة، وفي المادة (43) من البروتكول.

في حالة الشك:

أما إذا حدث شك فيما إذا كان الشخص مدنياً أم لا، فيجب إعتباره مدنياً، وهذا يوافق قاعدة (أصل البراء وقاعدة الأصل صحة الأحوال الظاهرة)، وأن وجود أفراد غير مدنيين بين السكان المدنيين لا يسلب أو يفقد المدنيين صفة المدنيين.

الحماية القانونية للمدنيين بموجب المعاهدات الدوليه:

يتمتع المدنيون بالحماية القانونية في المعاهدات الدولية والقوانين الداخلية في النزاعات المسلحة الداخلية بموجب إتفاقيات جنيف الأربع وبرتكوليها الإضافيين، حيث نصت المادة (51) على الحماية القانونية التي يجب أن يتمتعون بها، وينظم الفصل الثالث من البروتكول الأول استهداف الأهداف المدنية كالمستشفيات والمدارس و ةالمساجد والسكن ومصادر المياه والكهرباء والجامعات…إلخ.

المادة (8)/2(ب) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998م يعتبر الإعتداء على المدنيين في قائمة جرائم الحرب، وتنص ( تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد أفراد مدنيين لا يساهمون في الأعمال العدائية)،ويعد استهداف المدنيين خرقاً لقوانيين الحرب العرفية ، وهو ملزم لأطراف الصراع المسلح.

و قد علقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 1958م علي إتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحرب قائلة:
(يجب أن يكون هناك إعتبار في القانون الدولي لكل فرد وقع في يد العدو فهو إما أن يكون سجين حرب وهم العسكريين والذين تشملهم الإتفاقية الثالثة ، أو مدني والذي تشمله الإتفاقية الرابعة، أو فرد من أفراد الفرق الطبية للقوات المسلحة، وهم الذين يحصلون علي الحماية بموجب الإتفاقية الأولى .أما المدنيون إذا ما شاركوا في الأعمال العدائية فإنهم يفقدون صفتهم كمدنيين ويعتبرون مقاتلين غير شرعيين أو ذوي إمتيازات يمكن مقاضاتهم وفقاً للقوانين الداخلية للدول الأعضاء).

دور الأمم المتحدة في حماية المدنيين في النزاعات المسلحة:

تقوم الأمم المتحدة وعبر أجهزتها المختلفة، وخاصة المتخصصه منها كمجلس الأمن الدولي، بدور هام وفعال في توفير الحماية للمدنيين في النزاعات المسلحة وخاصة الداخلية منها ، وخلال التقرير الرابع لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة والذي نُشر لأول مرة سنة 2008م، عرضت الأمم المتحدة سُبلاً لدعم حماية المدنيين خلال الصراعات المسلحة الداخلية وذلك بغرض تشجيع الدول الإقليمية علي ضبط صراعاتها، يشارك مجلس الأمن حماية المدنيين عبر خمس محاور من مجالات عمله الرئيسية، وهي:

  • تعزيز المعايير العامة للحماية، لا سيما القانون الدولي الإنساني.
  • استخدام الفصل السادس من الميثاق لمحاولة منع أو الحد من إندلاع الصراع المسلح.
  • إخضاع الأطراف للمساءلة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وذلك بفرض تدابير محددة كإنشاء لجان التحقيق لتحديد المسؤلين عن الإنتهاكات و إحالتهم للمحكمة الجنائية الدولية.
  • استخدام الصلاحيات الواردة في الفصل الخامس أو السادس أو الثامن للتأثير علي الأطراف لمراعاة معايير الحماية.
  • استخدام الصلاحيات الواردة في الفصل السابع لتكليف الأمم المتحدة بمهام حفظ السلام أو تكليف منظمات إقليمية كالإتحاد الإفريقي وغيرها من المنظمات، أو مجموعة من الدول الأعضاء لإتخاذ تدابير تتضمن استعمال القوة لحماية المدنيين.

نخلص مما تقدم إلى أن المدنيين والاعيان المدنية يجب أن تتوفر لهم الحماية الكافية أثناء النزاعات المسلحة الداخلية كما يحدث عندنا في السودان هذه الايام في الخرطوم وغيرها من مدن السودان التي تدور فيها الإشتباكات، دون مراعاة للحماية والقدسية التي توفرها المعاهدات الدولية وقانوننا الداخلي، حيث أن الأمر كذلك يعد أي إعتداء على المدنيين أو الأعيان المدنية بالمخالفة للمعاهدات الدولية وعدم مراعاة قوانين الحرب التي سبق ذكرها، ويعد جريمة حرب مكتملة الأركان، وبالتالي يعرض الفاعلين للمساءلة القانونية وفقاً للمعاهدات الدولية والقانون الداخلي.

5 مايو 2023م
الدوحة – قطر

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x