مقالات الرأي

الصفوة السياسية في السودان

بقلم: أحمد محمد عبد الله

” الصفوة ” هي أقلية من المجتمع تستحوذ على الدولة في هياكلها التنفيذية ومجالاتها العملية ؛ السياسية منها والإقتصادية والإجتماعية والثقافية بإتخاذ القرارات الإدارية العليا ، اي النخبة الممتازة في المجتمع بمكانتها السياسية المفروضة قسريا على الآخرين ، وقد شاع إستخدام المصطلح للدلالة على الفئات التي تزعمت الحركة السياسية في المجتمعات العالم الثالث التي تخلفت فيها الجماهير بسبب قصورها المعرفي ووعيها السياسي.

لذا الأزمة الحالية في السودان متراكمة بدأت منذ خروج المستعمر بتسليم السلطة إلى أقلية من أبناء هذا الوطن وتجاهل الأغلبية الساحقة( عامة الشعب ) وفرض ثقافة إيدولوجية محددة ( اسلامو عروبي) على الشعب وهيمنتهم على هياكل الدولة دون النظر إلى الإختلاف العرقي والديني والإثني واستخدم الصفوة سياسة فرق تسد لتفكيك المجتمع السوداني ، والمستعمر آنذاك لم يخرج بضغوط وطنية جادة ولكن خرج بعد التأكد من زرع خلية محلية تخدم مصالحه الخاصة في السودان وسلم السلطة إلى هؤلاء الأقلية.

” صفوة المؤسسة العسكرية ” تأسست الهيكلة العسكرية في السودان بعقلية مكتسبة من الخارج لتفكيك وتعطيل العمل العسكري للحفاظ على الإمتيازات التاريخية الموروثة وتم تسيس المؤسسة العسكرية وخروجها من المهنية وتم تدريبهم بسياسات خاطئة أبرزها الحرب الطاحن في جنوب السودان بدافع الجهاد الإسلامي لأن الجنوبيون يعتنقون المسيحية واليهودية وليست السبب كان بل سياسة مستخدمة لإستغلال العاطفة الدينية في حروب عبثية وكان النتيجة هي إبادة شعب جنوب السودان ومن بعدها إشتعل نيران الحرب في كل ربوع البلاد ” دارفور ، نيل الأزرق، جنوب كردفان ، شمال السودان بحرق النخيل وتشيد السدود لأنهم نوبيون ، وأقصى شرق السودان …..” وهو دليل كافي بأن المؤسسة العسكرية هشة بنيت بسياسات خاطئة تخدم أجندة أفراد بدوافع عرقية ودينية وتوجد أيضآ أفضلية وسط الجيش في إدارة الأعمال والرتب العسكرية.

والذي يجب فعله هو إصلاح المؤسسة العسكرية بأسس وطنية مع مراعاة التنصيب الجغرافي للأقاليم بتوزيع عادل في الرتب العسكرية لبناء جيش قومي مؤهل ، يحارب التجاوزات المهنية داخل المؤسسة وبعقيدة قتالية موحدة هدفها حماية المواطن والدفاع عن الوطن و دستوره.

” الصفوة التعليمية ” المنظومة التعليمية في السودان أصبحت بورة الفساد السياسي بإستخدام برنامج تعليمي هش والسبب في ذلك هو هيمنة النخب السياسية على جميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة التعليمية والدافع في ذلك هو إنهيار الأجيال وتدميرهم لضمان بقائهم على كرسية السلطة بتجاهلهم التام لتأسيس نظام تعليمي يهتم بقضايا العمل التربوي و الذي يجب عن يمتاز بقوة معرفية خارقة لتربية الأبناء بأسس ومبادئ تليق بالتربية والتعليم ، اما القيادات التربوية والتعليمية ” الصفوية ” غابت عنها الرؤية الكاملة لتطوير المناهج ، اما التعليم العالي والبحث العلمي في السودان أصبح مؤسسة لمنح شهادات التخرج فقط ، وهذا يشير بأننا لا زلنا في قبضة مؤسسة تعتمد على الكم الهائل من الخريجين دون أي وسيلة تأهيلية لهؤلاء الشباب وتوظيفهم.

لذا المطلوب هو عقد مؤتمر تعليمي شامل يضم مجموعة كبيرة من خبراء التربية والتعليم وعبرها يتم تشخيص الخلل المتراكم الذي أصاب التعليم منذ العقود وتوافق على إلغاء المنهج الحالي والقيام بتكوين لجنة مختصة بكفاءة عالية وتقسيمهم في كل ربوع البلاد لمعرفة عادات وتقاليد وخصائص المجتمع السوداني والغاية منها هي وضع منهج قوي تستوعب التعدد والتنوع.

الأزمة في السودان سياسية وبحاجة إلى توافق وطني شامل لعقد مؤتمرات بشأن تشخيص الخلل المتراكم الذي شكل خطورة في أعين الجميع وإيجاد الحلول الجذرية لها ، وصولا لدولة وطنية ( دولة مؤسسات ) ومناقشة هموم ومشاكل المواطن السوداني أهمها الأمن والطمأنينة والعيش الكريم ومؤسسة صحية جيدة ومعالجة القضايا المتعلقة بالنازحين واللاجئين وهوية الدولة وعلاقة الدين بالدولة وبعدها تشكيل حكومة الفترة الانتقالية من كفاءات وطنية مستقلة ببرنامج سياسي واضح مفاده فض النزاعات الداخلية في كل ربوع البلاد وتهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

اما الحرب العبثية القائمة الآن هي نتيجة تمليش وتسليح قام بها الجسم العسكري الغاشم بتصنيع قوات خاصة دون أي عقيدة فقط لقتل أبناء وبنات الشعب السوداني ونأمل أن تتعلم قادة الجيش من تمرد الدعم السريع.

قبل الختام ، العدالة ضرورة حتمية لإعادة الثقة التي افتقدتها ضحايا الإبادات الجماعية ” بتسليم مرتكبي الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية لجبر ضرر الضحايا ولا مجال للعدالة الترميمية كما يزعمون.

المجد للأحرار والأمل ميلاد وطن يسع الجميع.

مقالات ذات صلة

1 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x