مقالات الرأي

الحركات المسلحة والدعم السريع بدارفور والسودان أوضاعهما الحالية والمستقبلية (5)


بقلم: الصادق علي حسن

من تجليات الصراع بين الطرفين

  • حميدتي يؤكد مواصلة الحرب للقبض على البرهان وعقابه، وياسر العطا يؤكد محاكمة حميدتي بالخيانة العظمى .
    الباحث في تاريخ البلاد منذ استقلالها يجد حالة حميدتي حالة نادرة ، فالرجل لم ينل اي قدر معلوم من التعليم، كما ولم يمارس السياسة، ولم يكن معروف أو لديه اي تأثير محلي في دارفور ، وفي ظل هشاشة الأوضاع بالبلاد والتنافس داخل المؤتمر الوطني وفشل المشروع الحضاري للنظام البائد وقيام الحركات المسلحة برز حميدتي من خلال تكوينه لجسم مسلح أطلق عليه الجندي المظلوم، والتوصيف السليم لحميدتي انه من آثار حرب دارفور ونتائجها ،ثم تمكن حميدتي من توظيف نتائج مشروع الترابي الذي أسسه لحكم البلاد وفشل فيه إلى مشروع لآل دقلو ،كما كان يمكن له ولأسرته ان تعيد ترتيب الأوضاع بالسودان وما جاوره خلال السنوات القادمة لولا تعجلت الحرب المؤجلة واندلعت قبل بلوغ الأزمات لقممها الفعلية والإستعدادات الحربية لها .
    في ظل عهد البشير قويت شوكة حميدتي فتمكن من إملاء إرادته على دولة الكيزان من خلال البشير وذلك ما لم يحدث حتى لمؤسس النظام الترابي ، وبالتشريع الذي صدر من برلمان النظام تم تأسيس جيش خاص بحميدتي يقوده هو وأسرته ويمنح ما شاء من رتب لهذا الجيش كما وصار لهذا الجيش علاقات خارجية إقليمية ودولية ومناجم دهب وشركات وتجارة دولية وجيوش عابرة تقاتل في الخليج كما وتدفع مرتبات جنوده من الخزينة العامة ويتحمل تبعاتها دافع الضرائب ، وكان حميدتي يخاطب رئيسه السابق المعزول وتنفذ طلباته على الفور، ومن الأمثلة رفض وزير دفاع المعزول في عز سطوة البشير وجود لجيشين في الدولة فأجبره المعزول على الإستقالة لترضية حميدتي ، أختلف حميدتي مع والي المعزول الأسبق على ولايتي جنوب وشمال كردفان ومساعده الأقرب ونائبه في رئاسة حزبه أحمد هرون حول تجاوزت جيش حميدتي في كردفان فهدد حميدتي خصمه هرون بمصير لا يتحسبه فسارع المعزول بدعوة الرجلين إلى مائدة صلح بقصر ضيافته وأصلح بينهما ولسان حاله يقول حمايتي خط أحمر ، تحدث الإمام الصادق المهدي عن الجرائم المرتكبة بواسطة قوات الدعم السريع في دارفور ومناطق أخرى وخطورتها فزمجر حميدتي ووصل زئر زمجرته إلى قبة تشريع المعزول وتبارت عناصر النظام البائد وتسابقت وعلى رأسها الفاتح عز الدين في الإشادة بالفتى المدلل حميدتي وجيشه وعقدت محاكمة برلمانية للإمام الصادق المهدي اتهم فيها بالخيانة العظمى والتخذيل وتم القبض على الإمام الصادق بتهمة إرتكاب جريمة تقويض النظام الدستوري بحديثه عن الدعم السريع كما وحبس بسجن كوبر لمحاكمته ، وكان الإمام يقول لزائريه بالسجن من فش غبينته خرب مدينته ولكن هذا الرجل ويقصد حميدتي سيمزق هذه البلاد، وكان إعلام النظام يردد بان ما قاله الإمام الصادق في الدعم السريع من بواعث الكيد السياسي نتيجة إنتصارات قوات الدعم السريع، والآن بعد ان شارك حميدتي مشاركة أساسية في إنهاء دور من صنعوه من حزب المؤتمر الوطني وعزل البشير ودخل معهم في حرب يتحدث حميدتي بان الحرب الحالية من أجل الديمقراطية كما وهو من داخل خنادق القتال الدائرة بينه وبين قائد الجيش البرهان مثل أباطرة الحروب في القرون الوسطي يعلن مواصلة الحرب حتى القبض على البرهان وتسليمه للعدالة وعقابه ، ولكن أين هي العدالة او الدولة وأجهزتها العدالية في حد ذاتها التي يتحدث عنها حميدتي، كما أين هي محاكمها، بل وإين مواطنها الذي لجأ وتشرد إلى دول الجوار ومن نزح إلى ولايات البلاد الأخرى البعيدة عن دمار الخرطوم ، وهنالك من هو تحت السرير أو يفترش الأرض خشية من قذائف الصواريخ والدانات والهاونات الثقيلة ومع ذلك يحرص حميدتي كله الحرص في القبض على البرهان وتسليمه وعقابه بزعم الديمقراطية ، حميدتي وحليفه السابق البرهان يتشاركان في هذه الحرب العبثية وفي عقاب كل الشعب السوداني ولا يعلمان ما يحدث للمواطن والشعب المغلوب على أمره من معاناة وترويع وتشريد وجوع وقد صار شهداء الحرب والجرحى لهما مجرد أرقام على الوسائط .
    في الطرف الأخر يوعد ياسر العطا ويتوعد ويعلن بإنه ستتم محاكمة حميدتي بالخيانة العظمى ومن خلفه هناك كباشي ومن خلفهما البرهان .
    النتيجة :
    عقب الحرب تواصل معي بعض من قيادات القوى السياسية والمدنية وسُئٍلت عن توقعاتي حول متى تنتهي الحرب ومن المنتصر، وكنت ارى بان متوسط الفترة حوالي الثلاثة أشهر وان الدعم السريع لن يخسرها كما ولن ينتصر فيها، ولكن سيخرج حميدتي من بعد ذلك من المشهد السياسي ، إما في الولايات التي بها وجود معتبر للدعم السريع ومساندة فئات مجتمعية مثل بعض مناطق ولايات دارفور بخاصة غربها ستشهد صراعات مجتمعية حادة ما بين منسوبي الدعم السريع والمدنيين وإن هذه الصرعات ستتطور إلى فوضى عارمة مثل مدينة الجنينة .
    بين أمرين :
    كنت ارى ما لم تتدخل قيادات سودانية مكتوية بالحرب وليست لها مطامع على السلطة وإن تكون مثل هذه القيادات مسنودة بتأييد قطاعات جماهيرية وأسعة فإن الحرب ستنزلق إلى فوضى شاملة، كما وان اي وساطة خارجية نتائجها لن تؤدي إلى إيقاف الحرب بل تكرس للحروبات الممتدة وإن اي إتجاه لإلحاق المدنيين بالتفاوض خاصة القوى الموقعة على الإتفاق الإطاري يعني خلق مشروعية لهذه الحرب العبثية وتأطير النزاعات المسلحة داخل البلاد وإضعافها للدولة والمجتمع وستفقد أطراف الحرب بعد حين السيطرة عليها وعلى قواعدها والمراكز الأخرى فتعم الحرب البلاد ثم تقدم الدولة للعالم انموذجا أكثر فداحة من النموذجين الصومالي والليبي .
    الحل :
    المفاوضات الخارجية والهدن المتتالية تكرس لإستمرار الحرب واضعاف الدولة وتؤدي إلى وقوع الدولة تحت تأثير الضغوط الخارجية لذلك الخيار الأفضل ان تتحرك القيادات التاريخية بالجيش واقصد بتلك التى لها سمعة تاريخية بالمؤسسة العسكرية من هم بالمعاش وتجلس مع الطرفين المتحاربين وتصل إلى حلول لوقفها الفوري ، وفي الحلول ومن دون مشاركة قيادات الطرفين المتحاربين ان تتشاور قيادات الجيش التاريخية كما ومن دون مشاركة المكون العسكري بالسيادي على تشكيل مجلس عسكري مؤقت يناط به مهام إنهاء كل الجيوش المتعددة بالبلاد ووضع مقترح لتأسيس جيش وطني من دون اي إدماج لأي جيوش بأي أسس بخلاف الأسس العامة المجردة وان تكون في قيادة الجيش مشاركات فعلية من كل ولايات السودان وفقا لقواعد وقوانين الجيش العامة والمجردة .
    ان تتشكل حكومة مدنية لتصريف الأزمات لا تكون خاضعة للتأثيرات السياسية ومن أولى مهامها حصر ضحايا الحروب والمتضررين بكل انحاء البلاد وإن يتم بموجب تدابير إدارية عاجلة وضع يدها على أموال الدعم السريع بالداخل والخارج وشركات الجيش وتدفع حصيلتهما للمتضررين من جرائم الحرب بحسب حجم الأضرار والحالات الإستعجالية للعلاج .
    الحركات المسلحة ومستقبلها :
    بدلا من ان تصبح الحركات المسلحة وفية لشعاراتها التي رفعتها في الكفاح المسلح في مواجهة النظام البائد ، فقد تحولت هذه الحركات المسلحة إلى ما هي شبيهة بالشركات الخاصة التي استثمرت في حروبها للنظام البائد لتحصل على المناصب والإمتيازات الرفيعة في الدولة والمكاسب المالية لعناصرها ، بالضرورة مشاركة جميع القطاعات والفئات السودانية في ترتيبات الدولة التأسيسية عقب نهاية الحرب ومن ضمنها الحركات المسلحة والتنظيمات المدنية الأخرى، ولكن من دون أن تكون هنالك مزايا أو بالإبقاء على أي مزايا لمجموعات مسلحة أو غير مسلحة حتى لا تؤدى هذه المزايا للإبقاء على حالة الأوضاع الإستثنائية بالبلاد وتفعيل اسباب الحرب في الدولة ثم فقدانها لمركزية إدارتها وذلك ما سنتناوله في مقالنا القادم بمشيئة الله تعالى.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x