مقالات الرأي

قراءة وتعليق في مقال د الوليد مادبو (مستقبل السودان الباهر والإشكال الماثل) (2)


بقلم: الصادق علي حسن

د الوليد مادبو في مقاله بعنوان مستقبل السودان الباهر والإشكال الماثل والذي أواصل في تناول بعض ما ورد به من مقترحات بالقراءة والتعليق ، أقترح د الوليد في ذلك المقال الرجوع إلى دستور عام (١٩٧٣) بالحيثيات التالية والمأخوذة من ذلك المقال بالنص (الأسلوب الذي اتبعته الإصابة الإنقاذية في تطبيق الفدرالية تضمن تصميم مركزية سياسية ولا مركزية إدارية وأعفاء المركز من التبعات المالية -وتسبب في خلق اصطفاف قبلي كانت نتيجته خلق مركزيات بديلة هي المتسبب الأول في الحروبات الحالية وإلى حين قيام المؤتمر الدستوري لا بد ان نفكر في أهمية تبني نظام رئاسي على الطراز الفرنسي يمنح “الكتيبة الظافرة”من العسكريين- التي ستحسم الفوضى العسكرية والسياسية الراهنة سلطة تعيين رئيس وزراء مدني تترك له حرية اختيار تكنوقراط يقومون على أمر ترتيب أمر السودان في الخمس إلى عشر سنوات القادمة . متى ما تسنى قيام انتخابات رئاسية ) .
دستور (١٩٧٣) .
أحكام القواعد التأسيسية الخمس للدولة السودانية المجازة في عام ١٩٥٥، حددت كيفية تأسيس الدولة وإدارتها ، ومن خلال هذه الأحكام والتي هي مرجعية التأسيس الدستوري السليم للدولة، فإن كل الأنظمة التي تكونت في ظل الإنقلابات العسكرية السابقة منذ استقلال البلاد وحتى الآن أو التي ستتكون في المستقبل القريب أو البعيد من دون الرجوع إلى قواعد التأسيس المذكورة ، تعد بمثابة نظم غير دستورية تكونت في ظل فترة الإنقطاع الدستوري ، وتنتج هذه النظم طالما حازت على الإعتراف من الأمم المتحدة آثارها القانونية الصحيحة الناتجة عن المراكز التي تنشيئها بموجب إلتزامات المعاهدات والصكوك والإتفاقيات الدولية ، أما على الصعيد الوطني الداخلي فتعد مرجعية إنشاء هذه النظم الإنقلابية غير صحيحة للتأسيس الدستوري السليم ، ودساتيرها تظل معيبة بما في ذلك الدستور الصادر في عام ١٩٧٣، بغض النظر عما بذلك الدستور من أحكام بحقوق مرعية أومكفولة في ظل سريانه أو منشيئة للحقوق بموجب أحكامه ، إجرائيا لا يصلح الرجوع لأي دستور صدر في ظل فترة الإنقطاع الدستوري ، وذلك تلقائيا وإتخاذه مرجعية دستورية، ولكن يمكن الإستفادة من نصوص أي دستور وأحكامه وتجاربه في إنشاء المراكز القانونية في فترة سريانه في ظل أوضاع تصريف الأعمال كما ومن الأفضل في ظل أوضاع ومهام تصريف الأعمال إصدار التكاليف الإدارية والتنفيذية بمراسيم وقرارات إدارية وليس بمرجعية اي دستور، وإلا كان ذلك تقنينا لإنقلاب، عسكري كان أم مدني، ومن الأخطاء الجسيمة التي ظلت متوارثة وأثرت في التطور الدستوري الديمقراطي كما وأعاقت سلامة نمو الديمقراطية بالبلاد عدم مساءلة مرتكبي جرائم تقويض النظم الدستورية الديمقراطية القائمة، وذلك ابتداءٓٓا من إنقلاب نظام عبود، فإنقلاب نظام النميري، فإنقلاب نظام البشير ، ففي الديمقراطية الثانية وعقب ثورة أكتوبر المجيدة ١٩٦٤ اوصت لجنة تم تشكيلها من قضاة بملاحقة مقوضي الدستور المؤقت لسنة ١٩٥٦ بقيادة الفريق إبراهيم عبود وأعوانه بإنقلاب نوفمبر الذي قاده الجيش على الديمقراطية الأولى ، وذلك ما لم يحدث كما وقد شابت مساعي ملاحقة الفريق عبود وأعوانه عقب ثورة أكتوبر المجيدة الكثير من الأسرار والخفايا المرتبطة بالممارسة السياسية والإنقلاب نفسه ، أما وفي ظل الديمقراطية الثالثة وعقب ثورة أبريل ١٩٨٥ ، فقد تمت ملاحقة أعوان النميري وكان النميري في خارج البلاد بمصر ورفضت ألقاهرة تسليمه للخرطوم وأكتفت الخرطوم بمحاكمة أعوان النميري مثل الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم والرائد مامون عوض ابوزيد واللواء خالد حسن عباس والبقية الباقية من الأحياء اعضاء مجلس إنقلاب مايو وبأحكام السجن ولم تكن رادعة ، جريمة تقويض النظام الدستوري من أكثر الجرائم الجنائية فداحة لأنها ترتكب بحق الدولة والشعب كما وكان في ظل نظام مايو قد مارس ذلك النظام العديد من الإنتهاكات الجسيمة التي طالت المدنيين بالقتل الجزافي والتشريد في الجزيرة أبا وودنوباي وغيرهما كما وقام بتصفية الضباط العسكريين والمعارضين المدنيين والنقابيين ولم تكن الأحكام الصادرة بحق قياداتها رادعة بل وأخف من عقوبة جريمة القتل العمد التي يرتكبها الشخص العادي منفردا بحق شخص آخر فتوقع عليه عقوبة الإعدام شنقا حتى الموت ، لذلك وبمجرد حدوث إنقلاب البشير على الديمقراطية المذكورة سارع بإطلاق سراح كل أعوان النميري من السجن كما عاد النميري نفسه من ألقاهرة وأستقبل بحفاوة ولاحقا تولى الرائد أبو القاسم محمد إيراهيم منصب وزير الشؤون البرلمانية ببرلمان نظام البشير واصبحت الدكتورة فاطمة عبد المحمود عضوة بذلك البرلمان كما قامت وآخرين من سدنة مايو بتسجيل الإتحاد الإشتراكي في ظل التوالي السياسي ، أما عقب ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨م فقد قامت قوى الحرية والتغيير بما لم يسبقها عليها في السابق من أحد ، ومن خلال الوثيقة الدستورية المعيبة ولأول مرة في تاريخ البلاد عقب دحر شمولية عسكرية بثورة جماهيرية وذلك بخلاف ما حدث عقب ثورتي اكتوبر وأبريل، منحت قوى الحرية والتغيير السادرة في غيها العسكر حق ممارسة الأعمال السيادية والتشريعية والتنفيذية بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة بل وقبل ذلك أسبغت على قائد قوات الدعم السريع والذي يقود جيشا نشأ من مليشيا الصفة وحق التوقيع على إتفاق سياسي مع ممثل بإسم قوى ثورة ديسمبر المجيدة ، وقد ذكرنا آنفا إجرائيا لا يمكن العودة تلقائيا لدستور (١٩٧٣) ، ولكن هذا لا يمنع النظر في مدى الإستفادة من مواد الدستور المذكور ضمن تدابير نصوص يمكن ان توضع وتصدر في شكل مراسيم وقرارات لتشكيل حكومة تصريف الأعمال المؤقتة، كما وستكون هذه أيضا تكرارا لتجارب الخروج عن المسار التأسيسي السليم ، ولكن في وأقع الظروف والأوضاع الإستثنائية في ما بعد وقف الحرب موضوعية ومبررة، بخاصة ان اي إتجاه لتكوين مجلس عسكري بمسمى إنتقالي بموجب قانون القوات المسلحة في ظل تلك الأوضاع والظروف بالضرورة يكون من خلال مراعاة اقدمية الرتب العسكرية ، وهذا قد يؤدي إلى الأبقاء على الوضع السلطوي على ما هو عليه، كما وقد تحدث المحاصصات مع الحركات المسلحة التي ساندت قيادة الجيش في الحرب ، لذلك الإتجاه الصحيح في خلال فترة الإنقطاع الدستوري الحالي بعد وقف الحرب تكوين حكومة تصريف أعمال لتبدأ أعمالها بتقليص عدد شاغلي الوظائف الدستورية ، وقد لا تحتاج البلاد في مرحلة ما بعد وقف الحرب لأجهزة تشريعية، بل تحتاج لأجهزة إدارية عالية الكفاءة نواتها كوادر الخدمة العامة المدنية والعسكرية من الذين طالتهم ايادي النظام البائد العابثة لأسباب وتقديرات سياسية محضة، وذلك لتسيير الأعمال في مرحلة ما بعد الحرب، ومن الخطورة بمكان الإتجاة نحو اي ممارسة لعملية إنتخابية في ظل هكذا أوضاع ،ما لم تضح الأمور والأوضاع في الدولة ومدى جاهزيتها لقيام إنتخابات ديمقراطية تجرى في ظل أوضاع سليمة ومن خلال إستعادة مشروع دولة ١٩٥٦م وقواعدها التأسيسية .
الديمقراطية سابقة لأوانها :
الوساطة الدولية تجهل تماما حقيقة الأوضاع الإستثنائية بالبلاد ولا زالت تعتقد بان الحلول تكمن في الإنتقال الديمقراطي وقد تراجعت الدولة بالحرب العبثية الدائرة، حتى صار الإنتقال الديمقراطي في ظل هكذا أوضاع في حد ذاته عبارة عن أزمة كبرى ، فالبلاد الآن قد سادتها خطاب الكراهية وروح الإنتقام وأنقسمت مجتمعيا وان أي عملية لإنتخابات ديمقراطية في ظل هكذا أوضاع ستنقل الصراعات إلى المكونات الإجتماعية والعرقية والجهوية، وستكون منطلقات الناخب وشعار المرشح وهدفه القبيلة والعشيرة، وستغيب معالم الدولة المدنية في مثل هكذا إنتخابات عامة ، إن تهيئة البيئة الإنتخابية لعملية إنتخابية سليمة تحتاج لجملة أمور ، وهذه ليست في منبر جدة ولا عند وساطة الإيغاد أو الإتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة، بل من الشؤون الداخلية الصرفة التي تحتاج إلى بلورة الرأي والرأي الأخر بمثل مساهمات د الوليد مادبو والآخرين من المهتمين ومن خلال إطلاق منصات حقيقية داخلية تستهدف إنتشال البلاد من الفوضى التي عمتها .
الكتيبة الظافرة :
الجيش مؤسسة خدمة عامة عسكرية ، والمنوط بالجيش حماية البلاد ، كما ولا يمارس الجيش السياسة بحسب قانونه ، ولكن ومن خلال التجارب العملية ظلت قيادات الجيش تمارس السياسة، وبفعلها السياسي ورطت المؤسسة العسكرية في العمل السياسي، وفي ظل النظام البائد ولا يزال، صار الجيش طرفا أساسيا في الصراع السياسي الدائر على السلطة بالبلاد وتخلت قياداته عن مهام الجيش الأساسية وأنشغلت بالإستثمارات ،كما وأستخدمت قوات الدعم السريع لتقاتل بدلا عنها ، والآن قيادة الجيش تقاتل صنيعتها قوات الدعم السريع بعد ان تعلق الأمر بوجودها ، وفي ظل هكذا أوضاع من الضرورة الحذر كل الحذر من توقع “كتيبة ظافرة” من عسكريين تقوم بحسم الفوضي العسكرية والسياسية لتخول سلطات ترتيب الأمر وتعيين سلطة تنفيذية ناجزة لتتخذ الوسائل الكفيلة بإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، صحيح ليس من الحكمة توقع ان يتم ذلك بواسطة قوى مدنية غير منتخبة وبالتالي لا تمتلك السلطة الدستورية على الجيش،كما وليس من المنطق أو الرشد السياسي تشكيل حكومة مدنية تستمد سلطاتها من منابر الوساطة الدولية أو الإقليمية كما تسعى نخب قوى الإطاري ، فذلك بمثابة الحرث في البحر ، إن دور الجيش في ظل هكذا أوضاع لا بد منه، وكذا الكتيبة الظافرة التي تخرج من رحم الجيش، ولكن ليس من شاكلة تلك التي تكون مسنودة بمثل كتيبة البراء بن مالك، وإذا حدث ذلك ، فذلك المدخل الفعلي للفوضى العارمة وتقنين الإنقسام المجتمعي والتجزئة، فالكتيبة الظافرة ستكون بالفعل ظافرة, إذا كان في قياداتها من أمثال النقيب حامد الجامد وزملائه الذين لولاهم لما تحقق عزل المخلوع البشير ونظامه الفاسد – نواصل

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x