مقالات الرأي

قراءة وتعليق في مقال د الوليد مادبو( مستقبل السودان الباهر والإشكال الماثل) (3 )


بقلم: الصادق علي حسن

ضمن القضايا الهامة التي تناولها د الوليد مادبو في مقاله بالعنوان أعلاه، والذي نجري عليه هذه القراءة والتعليق رؤيته حول مخاطبة مطالب الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو حول العلمانية وذلك بأطروحة أشبه ما تكون إلى الوسطية ، لا تتضمن علمانية سافرة (كالتي يتحدث عنها الحلو)، كما (لا يجعل لمجموعة معينة وصاية أخلاقية على بقية المجموعات)، صحيح في كل الأحوال بخاصة في قضايا المجتمعات التي تتميز بالتعدد والتنوع مثل الدولة السودانية، تعد الوسطية المدخل السليم لتسوية القضايا والمشكلات، ولكن في مثل قضايا الدستور بالضرورة التقيد بأسس ومبادئ عامة وان لا ترتبط الوسطية برؤى مجموعة معينة إلا في إطار أغراض تحقيق العمومية والتجريد .

  • العلمانية التي يتحدث عنها الحلو :
    تجربة القائد عبد العزيز الحلو تستحق الدراسة والبحث ، وقد لا يكون موضوع هذا المقال يناسب الإسهاب في تناول تجربة الحلو في ذات معرض سياق القراءة والتعليق على مقال د الوليد مادبو ، عموما يحظى القائد عبد العزيز الحلو بتقدير كبير لدى غالبية القوى الإشتراكية ودعاة الكفاح من أجل إنهاء أوضاع التهميش بالبلاد ، كما لم يربط الحلو نفسه بالسلطة مثل زميليه السابقين في الكفاح المسلح عقار وياسر عرمان اللذان وجدا ذاتهما في السلطة ، وقد صار يصعب على عقار مغادرة السلطة، أما عرمان فأنتهت مساهماته في قضايا الكفاح وتحرير السودان في مقالات حول مدى إعجابه بقادة التحرر الأفريقي ورموزه ، وهذا الإعجاب لم يتحول لأنشطة وسط الشباب والأجيال المتعاقبة حول التأطير لممارسة الديمقراطية وهو كثيرا ما ظل يستشهد بالمعلم جوليس نايريري والأديب والشاعر نيبولد سنغور وآخرين ، وقد يكون القائد الحلو الذي تبقى من قلة من قادة حركة تحرير السودان التاريخيين والتي تأسست بقيادة د قرنق تتمثل فيه رمزية الحركة التي صارت من مصادر الإلهام لحركات الكفاح في مناطق عديدة من السودان بل وأخذت أسمها وهو في ذلك أوضح رمزية ودلالة من عقار وعرمان ، ولكن ما يعيب على الحلو انه ليس لديه أطروحات حول قضايا تحرير السودان منفصلة عن أطروحات قرنق السابقة ، ولا زالت أطروحات قرنق سائدة على تفكيره كماهية وعلى الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال وأدبياتها من دون أي تحديث أومواكبة حتى بعد إنفصال جنوب السودان ، وفي وأقع الحال حدثت تغيرات كبيرة في عقلية شباب السودان التي أنتجت ثورة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدة ، فلم يعد موضوع الدين وعلاقته بالدولة من القضايا المفصلية، كما لم تعد العروبة والأفريقانية من قضايا الأجيال الحالية وقد صارت لهذه الأجيال نظرة مختلفة من خلال إحترام التنوع والتعدد ، كما وقد صار ما يهمها في الأساس وجودها في ظل دولة تكفل الحرية والعدالة والمساواة ، وفي الإعتبار ان العلمانية نفسها ليست فلسفة أو نظرية سياسية لنظم إدارة الدول، وانما هي رد الأشياء إلى العلوم , فالنظم السياسية الراسمالية من العلمانية، كما والنظم السياسية الإشتراكية وعلى رأسها الشيوعية من العلمانية، كذلك النظم السياسية الملكية من العلمانية ،والخلط الشائع في الإصطلاح السياسي لدى العامة بالسودان (إن العلمانية هي إبعاد الدين من الدولة) وفي وأقع الحال التجارب الثلاث المذكورة وهي الراسمالية والإشتراكية والملكية هي تجارب علمانية صرفة ومن صنع علوم البشر، فعلى ماذا تقوم أطروحة الحلو على العلمانية وعلى اي نوع من ضمن الثلاثة نظم من انظمة العلمانية المذكورة .
  • مشروع الحلو :
    لا يزال القائد الحلو مكبلا نفسه بقيود القائد القتالي وهو يناهز الآن العقد السابع من عمره ، وقد لا تسعفه الحياة لفترة أطول مما قضاه في القتال، كما وقد يظل نطاق تأثيره محدود بالعمليات القتالية والردود على بعض المقالات المنشورة بحسب أهميتها له كما ظل يرد على بعض الكتابات ، وهذه من الأمور والقضايا المحدودة والمؤقتة، ولن تصلح لمخاطبة القضايا والمشكلات المستفحلة ، مثلا لقد بحث كاتب هذا المقال عن أطروحات وفلسفة الحلو لإدارة الدولة السودانية في ظل الوحدة أم الإنفصال ، ولم يجد سوى مرجعيات الحركة التفاوضية مع نظام الخرطوم ، وهذه تتعلق بالمواقف التفاوضية للحركة ،ولكن ماذا بشأن رؤية الحركة الشعبية للشعب السوداني وبرنامجها السياسي لإدارة الدولة السودانية؟ .
  • خيارات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة القائد الحلو:
    من خلال مواقف الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة القائد الحلو والمتاحة للرأي العام ، فانها حصرت نفسها في موقفين هما العلمانية لنظام حكم الدولة أم تقرير مصير جنوب كردفان ، بالنسبة للخيار الأول اي علمانية الدولة وتعني بصورة مجملة إدارتها بواسطة القوانين الوضعية ،فقد صارت من المسلمات، وما كان القائد الحلو ليحتاج لكفالة علمانية الدولة سوى التمسك بإقرار مبادئ فوق الدستورية تضمن الحق في حرية الرأي والحق في حرية الفكر والحق في حرية التفكير والحق في حرية الإعتقاد وبكفالة هذه الحقوق ضمن المبادئ فوق الدستورية للدولة ، تلقائيا هذه هي العلمانية بغض النظر عن نوعيتها شيوعية كانت ام اشتراكية أم راسمالية أو حتى لو كانت ملكية، أما بالنسبة لخيار تقرير المصير فهذا الخيار من الحقوق المكفولة في مواثيق الأمم المتحدة ، ووضع السودان الحالي قد يحتاج إلى كفالة الحق في تقرير المصير بصورة عامة في دستوره، ليكون الخيار نفسه هو الضمان الحقيقي بالعمل من أجل الحرص على تمتين أسباب الوحدة وتعزيزها ، فإذا تم تطبيق الفدرالية تطبيقا سليما كما وتم تحقيق التنمية المتوازنة والمشاركة بأسس صحيحة في إدارة الدولة، فإن إقرار الحق في تقرير المصير قد يكون أفضل ضمان لتعزيز الوحدة بدلا من ترك إتخاذ المطالب المناطقية والجهوية سلما للحرب والإقتتال لغرض الوصول إلى السلطة، كما أصبح يحدث الآن .
    الحٍكمانية :
  • تناول د الوليد جملة مقترحات حول ما يحتاجه السودان برؤية إستراتيجية شاملة ومتكاملة تستهدف قيام مشاريع تنموية في كل البلاد ، وذلك من خلال الإستفادة من الموقع الجغرافي للدولة ، وتجاوز النظرة الجهوية القاصرة ، كما تعرض بضرورة إعطاء الأولوية للحكمانية اي الحكم الراشد مع التفكير في وضع لبنات تؤسس تدريجيا لديمقراطية سياسية قوامها الديمقراطية الإقتصادية والإجتماعية، وأقترح ان تضع “حكومة الفترة التأسيسية” كما أسماها صوب أعينها خمس قضايا أساسية وذلك ما سنتناولها بالتعليق في مقالنا القادم – نواصل .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x