مقالات الرأي

ما هو معيار الوطنية؟!

بقلم: عبد الحميد عبد الله (باقا)

نظرة بسيطة بين ثورة ديسمبر وحرب 15 أبريل بين العسكريين وما نتج عنها من إنتهاكات

لست في حاجة لتعريف الوطنية أو إجراء مقارنة بين المدنيين والعسكريين ، ولكن في حاجة ملحة لأخذ اقوال وافعال كل منهما ولنترك مجالآ للقارئ ليرى اي فئة اكثر اخلاصآ لوطنه .
لا شك في أن الوطنية فخر قومي يعتز بها كل وطني غيور ، وهي تعتبر على أنها تعلق عاطفي والولاء والانتساب لكيان معين أو أمة محددة أو منطقة جغرافية بصفة خاصة واستثنائية عن البلدان الأخرى. مع الاعتبار للجدل الواسع بين التشريعات حول ذلك سيما لمنسوبي الجنسيتين ! وطرح مجوعة من التساؤلات حول هل الوطنية تتجزأ ؟ صحيح الشخص الوطني هو شخص يحب بلده ويدعم كل ما يحقق مصالح شعبه ويصون مصالحه ..
وللسودان تاريخ طويل من الثورات النضالية المسلحة بجانب الانتفاضات الشعبية منها ما افضت بإسقاط الانظمة الدكتاتورية ليتم لاحقآ سرقتها من قبل حلفاء العسكر من المدنيين ثم تنمو وتصل مبتغاها لتولد ثورة أخرى ضدها ، واستمر الأمر حتى تاريخ ميلاد ثورة ديسمبر والتي جاءت في مرحلة تاريخية حرجة تمر بها السودان سيما بعد ان انهكت الثورة المسلحة على نظام الكيزان ، وتفشى الفساد فكان من الطبيعي إصطفاف كل الشعب السوداني خلف تجمع المهنيين وقتها والذي اتخذ شعار واضح إذ به خاطب وجدان الجميع وأبدعو الثوار في كل مناطق السودان بروح وطني عظيم حتى سقطت نظام الاسلاميين ظاهريآ ..
استمرت ثورة ديسمبر اكثر من عام قبل سقوط البشير ، واستمرت بعد السقوط بشكل روتيني حتى فجر 15 أبريل وعلى نظام الجداول ( مواكب ) لتصبح جلمة فترة ثورة ديسمبر اكثر من 5 سنوات متتالية ، بينما الحرب الجارية بين العسكريين في شهرها السادس وهي فترة وجيزة مقارنة مع ثورة ديسمبر ، فمن اكثر حرصآ على وطنه هل العسكريين ام المدنيين ؟
للرد على هذا السؤال لابد من ان نشير إلى أن ما نقوله يشهده الشعب السوداني ان طيلة فترة ثورة الديسمبر وهي فترة ناهزت ال 5 سنوات لم نسمع ولم نر ان الثوار قاموا بالاعتداء على الحقوق الخاصة أو العامة ، ولم نر ثوريآ واحدآ يحرق منزل المواطن أو سحق روح برئ ، ولم يسجل لهم التأريخ القيام إتلاف ممتلكات الدولة بل حافظوا على المكتسبات الوطنية وسجلوا تاريخآ يسترشد به رؤساء اعظم الدول ، ولدت الثورة سلمية واستمرت بسلميتها رغم العنف المفرض التي استخدمتها الشرطة العاجزة عن القيام بواجبها اليوم ولاحقآ انضمت في العنف ضد الثوار كل الأجهزة الأمنية وتآمرت هذه الأجهزة بفض الاعتصام وللاسف الشديد كان العنف تمارس حتى في عهد حكومة حمدوك لأنه كان يفقد السيطرة على هذه الأجهزة ، واستمر الأمر حتى بعد انقلاب 21 اكتوبر لتتحول الأجهزة الأمنية اكثر قمعآ حتى انتهى بهم الأمر بإستخدام الدبابات ضد الثوار السلميين مع فتح بلاغات كيدية عبر عملاء خاصين داخل النيابة العامة بذرائع قوانين الطوارئ والذي كان يفقد الشرعية !
ذات المنهج انتهجته من قبل حركات الكفاح المسلح منذ ميلاد الحركة الشعبية فكان الراحل / دكتور جون قرنق يوصي جنوده بعدم الاعتداء على المواطن وعلى أملاكه فأنتم من أجل المواطن ، ولاحقآ حركة تحرير السودان منذ تاريخ ميلادها ففي غالب معاركها كانت تنتصر على الجيش ولم تنهب حق المواطن ولم تحرق بل كانت تحافظ على الممتلكات عندما تسيطر على منطقة عسكرية معينة ، ثم في واحد من المواقف الأكثر تأثيرآ جنود حركة العدل والمساواة حين دخلوا العاصمة في مايو 2008 رأينا جنودهم يشترون البلح والفول والموز من المواطنين في الوقت الذي كان بإمكانهم نهب كل مدينة أمدرمان ولكن لم يحدث ذلك لإحساسهم وفهمهم السليم لمفهوم الوطن والوطنية .
ولاحقآ حل بنا فجر 15 أبريل وهي من اكثر اللحظات سوءآ على تاريخ السودان ، إذ بدأت حرب القطط السمان بين حلفاء الأمس من العسكريين كل منهم يدعي الوطنية وانه يقاتل ضد الآخر من أجل الشعب في الوقت الذي يتعرض المدنيين للقتل والتشريد بأفعالهما ، زاعمآ كل منهما بأنه يدافع عن الوطن فحدث انتهاكات جسيمة وسط مدنيين من قتل ممنهج لا يعرف احد كم عدد القتلى حتى اللحظة لكثرة الموت وسط المدنيين من الخرطوم وبقية اقاليم السودان ! تحللت الجثث في الشوارع العامة واستحال الأمر أمام المنظمات المعنية للقيام بواجبها ، لا أحد يعرف كم عدد المعتقلين المدنيين لدى طرفي الحرب ؟ وكم منهم مات تعذيبآ ! وبجانب ذلك آلاف المفقودين والمختطفين ، هذا فضلا عن ضحايا المواكب الذين امتلأ بهم مشارح العامة
ملايين المنازل دمر بسبب الدانات وبعض الآخر حرق عمدآ ونهب جميع ما بداخل المنازل المهجورة ، لا أحد يعرف عدد نازحي الخرطوم وكذلك نازحي ولاجئي ولايات دارفور ! لا منظمة وطنية ولا حكومة محلية قدمت العون على هؤلاء المنكوبين اما الخدمات الطبية فحدث ولا حرج ، ولم تسمح للمنظمات الدولية لتقديم الدعم اللازم .
حالة من الفوضى احدثوه هؤلاء العسكر بسبب غياب الدولة ، كارثة انسانية لم تكن لها مثيل في تاريخ السودان وسبب هذه الكارثة هم العسكريين طمعآ للسلطة وليس دفاعآ عن الشعب لان الشعب لم يفوض أحد للقيام بالحرب ولم يستند الجيشين المتحاربين على قوانين الحرب سيما قانون الدولي الانساني بل لم يلتزما بالقوانين المنشئ لهما …
هنا السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل العسكريين اكثر وطنية من المدنيين ؟ ولماذا تخلى العسكريين عن القيام بواجبهم الدستوري والتغول بما ليس من واجبهم هل بسبب ضعف القوى المدنية ؟ ام ان المسألة متعلقة بخلل في الكلية الحربية ؟ واذا افترضنا بخلل في الكلية الحربية ماذا عن مليشيات الدعم السريع والتى تعتبر اكثر انتهاكآ لحقوق الإنسان هل يعود ذلك لأنهم من ربائب المؤسسة العسكرية ؟ لا شك في أن ضعف المنظومة المدنية يتسع مجالآ واسعآ للعسكر ولولا إسناد المدنيين للعسكر لحققت ثورة ديسمبر أهدافها رغم المهددات والمعوقات القصودة من قبل الإسلاميين (الكيزان).

26 إكتوبر 2023م

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x