مقالات الرأي

حرب ١٥ أبريل في ميزان القانون الدولي الإنساني: تحت مجهر اتفاقيات جنيف الأربعة

بقلم: مزمل الغالي – المحامي والناشط الحقوقي

الحرب كظاهرة عرفتها الأمم منذ وجود الإنسان الأول قبل قرون، حيث تختلف الأسباب والوسائل المستخدمة فيها من زمن لآخر. فلا تغيب حقبة زمنية دون أن يوجد فيها صراع أو حرب، ولكن تختلف بناءاً على الزمان والمكان واختلاف الأسباب والوسائل. وعلى مر العصور، وضعت للحروب أعرافاً وقواعد محددة لتنظيمها.

ومع ذلك، تشترك جميع القواعد والأعراف في حماية المدنيين والنساء والأطفال، بالإضافة إلى حماية أسرى الحرب والجرحى. وتم تدوين هذه القواعد والأعراف في العديد من الاتفاقيات والمعاهدات، على سبيل المثال:
اتفاقية هاج (1899م و1907م): قامت المؤتمرات التي جرت في هاج بتطوير مبادئ وقوانين حول الحرب والمعاهدات الدولية.

معاهدة فيرساي (1919م): عقدت بعد الحرب العالمية الأولى وقامت بوضع مسؤولية الحرب على ألمانيا وفرضت عليها غرامات ضخمة.

ميثاق الأمم المتحدة (1945م): كان الأساس لمبدأ عدم الاعتداء العسكري بين الدول، وأهمية حل النزاعات الدولية بطرق سلمية.

اتفاقيات جنيف (الأولى والثانية والثالثة والرابعة) (1949م): والتي تختص بحماية المدنيين والجرحى والمرضى والأسرى وغرقى القوات المسلحة في البحار أثناء النزاعات المسلحة. تعتبر هذه الاتفاقيات جزءاً من القانون الدولي الإنساني، ومن أبرز الاتفاقيات التي تنظم الحرب وتحمي المدنيين والعاجزين عن القتال من القوات المسلحة، لذلك سنضع الحرب التي تدور الآن في السودان في ميزان اتفاقيات جنيف الأربعة.

اتفاقية أوسلو (1993م): أتاحت الاتفاقية بداية التفاوض بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية للوصول إلى تسوية سلمية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

المحكمة الجنائية الدولية (ICC): تأسست في 2002م للتحقيق ومحاكمة الأفراد المتورطين في جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

قبل الخوض في ذلك، ظل السودان منذ استقلاله عام 1956م في حرب مستمرة حتى يومنا هذا. ومن المؤسف أن جل هذه الحروب داخلية، أي بين مكونات المجتمع السوداني، ويرجع ذلك إلى عدم قبول الآخر والتوزيع العادل للسلطة والثروة وتبني نهج حمل السلاح لحل الخلافات السياسية.

إذا نظرنا إلى تلك الحروب، نجد أن أشدها عنفًا وقسوةً هي الأخيرتين، (حرب نظام الإنقاذ مع حركات الكفاح المسلحة) و(حرب الجيش مع الدعم السريع). قسوتها تقاس بضحاياها من المدنيين وعدم احترامها للقوانين والاتفاقيات الدولية التي تحمي المدنيين والقوات العاجزة عن القتال وأسرى الحرب. إذا نظرنا إلى النتائج، نجد أن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي حدثت في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، أثارت قلق المجتمع الدولي وحركت الضمير الإنساني، والتي شكلت تحدياً للسلام والأمن الدوليين، ونتيجة لذلك قرر مجلس الأمن الدولي إحالة تلك الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار رقم 1593 في العام 2005م. بعد أن رفعت لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة تقريرها إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، والذي أشارت فيه إلى أن حكومة السودان والمليشيات الموالية لها مسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ومن ثم أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف ضد الرئيس السابق عمر البشير، ورئيس حزب المؤتمر الوطني والوزير السابق في عهد الإنقاذ، أحمد هارون، وقائد المليشيات علي كوشيب، ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين.

الملفت للنظر أن مخالفة قوانين الحرب والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تختص بالحرب وأوضاع المدنيين في ذلك الزمان، كانت معظمها من طرف الحكومة السودانية (الجيش السوداني والمليشيات الموالية له). لذا ليس من الغريب أن يخالف طرفي الصراع الآن (الجيش السوداني والدعم السريع) قوانين الحرب والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحمي الأسرى والجرحى والمدنيين (من شب على شيءٍ، شاب عليه). بلا شك، إن الدعم السريع الآن هو الأشد خطورة وانتهاكاً لحقوق الإنسان، ويرجع ذلك لطبيعة تكوينها كميليشيات وإرشيفها المليء بالجرائم الدموية، فضلاً عن صناعتها التي تمت على يد رئيس حزب المؤتمر الوطني، المطلوب لدي المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم إبادة جماعية، و جرائم ضد الإنسانية!!!

حرب ١٥ أبريل في ميزان اتفاقيات جنيف الأربعة:

اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان في ١٢ أغسطس ١٩٤٩م.

اتفاقية جنيف الثانية لتحسين حال الجرحى والمرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار ١٩٤٩م.

إذا نظرنا إلى الاتفاقيتين من حيث المواد وثم اسقطناهما على الحرب التي اندلعت في السودان في ١٥ أبريل، نجد أن المخالفات لتلك الاتفاقيات تبدو قليلة من خلال الوقائع والشواهد. وهذا يرجع لعدة أسباب، منها عدم توفر المعلومات الكافية بسبب الوضع الأمني في أماكن القتال. ولكن هناك أيضا مخالفات واضحة من الطرفين المتحاربين لبنود الاتفاقية. وبما أن الثانية تتعلق بالحرب البحرية وأن هذه الحرب لم تمتد الى البحار، فإن الطرفين خالفا اتفاقية جنيف الأولى في المواد (١٦، ١٨، ١٩، ٣٣) والتي تتعلق بدفن الجثث والحماية الطبية، وعدم الاعتداء على المراكز والمنشآت الطبية والكوادر الطبية. حيث ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هناك جثث لطرفي النزاع منتشرة في الشوارع ولم تجد الاهتمام الكافي بالدفن وأيضاً جثث تحللت ، كما أن هناك عدد من التقارير تشير إلى أن الدعم السريع إحتل مستشفيات ومرافق صحية، كما استهدف سلاح الجو السوداني مستشفى البشائر. إذا نظرنا إلى تلك الوقائع كلها، فإنها تخالف النصوص أعلاه من اتفاقية جنيف الأولى التي تهتم بحال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في ميدان القتال.

اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة الأسرى
الوقائع تشير إلى وجود مجموعة كبيرة من الأسرى يحتجزهم الطرفين ويعتبر ذلك موضوعاً حساساً ومهماً للمجتمع الدولي. إن التعامل الإنساني مع الأسرى هو أمر ضروري وملزم بموجب القانون الدولي واتفاقية جنيف بشأن المعاملة الإنسانية للأسرى. يجب أن تتم معاملة الأسرى بكل إنسانية واحترام لحقوق الإنسان ويُحظر بشدة ارتكاب أي أعمال عنف أو قتل غير مشروع بحقهم.

بالنسبة للفيديوهات التي تُظهر أسرى يتلقون الاهتمام والرعاية، يجب التأكد من أن هذا الأمر ليس مجرد تمثيل أو محاولة لتزييف الحقائق. من المهم أن تُتبع المعايير الدولية المعمول بها للتأكد من معاملة الأسرى بشكل صحيح ومهني.

على الرغم من أن قنوات الإعلام التابعة للدعم السريع قد أجرت مقابلات مع أسرى ضباط الجيش، ولكن ذلك لا يُبرر تصرفاتها العنيفة أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان. يجب أن يكون الهدف الرئيسي هو التأكد من سلامة الأسرى ومعاملتهم بكرامة وإنسانية. كما ظهر في الفيديو والي غرب دارفور خميس أبكر أسيراً لدى قوات الدعم السريع، و لم يمضي وقتاً طويلاً حتى ظهر جثمانه مقتولًا، وهذا يمثل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي، و يخالف نصاً صريحاً من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن أسرى الحرب.

إذا رجعنا إلى الوراء في زمن الإنقاذ أثناء حربهم مع الحركات الثورية التحررية، كانت معاملة الأسرى تتم بطرق وحشية من قبل الحكومة السودانية (الجيش السوداني والمليشيات الموالية له). هنا نستحضر تصريحات قادة الإنقاذ، مثل أحمد هارون (رئيس حزب المؤتمر الوطني و والي ولاية شمال كردفان السابق)، وأيضاً أنس عمر (رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم ووالي شرق دارفور السابق)، والفريق عبدالرحيم محمد حسين (وزير الدفاع السابق)؛ جميعهم قالوا: إن الأسرى عبارة عن عبء إداري، ويجب التخلص منهم بالقتل!!! .

اتفاقية جنيف الثالثة تكفل حقوق الأسير من لحظة أسره حتى يتم إطلاق سراحه عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ومن المعروف أن الحرب لم تزر أوزارها، وكل طرف لديه كميات كبيرة من الأسرى. نتمنى أن يتم معاملتهم بمعاملة طيبة تليق بإنسانيتهم، وبعد ذلك يتم إطلاق سراحهم وفقاً للقوانين و الأعراف.

اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في ظل الحرب (١٢ أغسطس ١٩٤٩م)

تنص المادة (٣) من الاتفاقية أنه:
في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السيادية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:

  • الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
    ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:
    (أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.
    (ب) أخذ الرهائن.
    (ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة التي تجرح الكرامة.
    (د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة.

النص أعلاه وكل باقي نصوص اتفاقية جنيف الرابعة تمنع بشكل قاطع الاعتداء على المدنيين، القوات الذين وضعوا أسلحتهم وأصبحوا غير قادرين على القتال، وكذلك المرافق والمنشآت العامة. وإذا نظرنا إلى الحرب التي تدور الآن في السودان، نجد أن المدنيين والمنشآت العامة أكثر عُرضة للضرر. ونود أن نشير إلى بعض الأمثلة.

  • أولًا، تشير التقارير الرسمية من الجهات الفاعلة مثل نقابة أطباء السودان والصليب الأحمر وبعض المنظمات الإنسانية إلى أن عدد القتلى المدنيين يعد بالآلاف، وأصبح الملايين من المدنيين مشردين. يعيش البعض منهم كلاجئين في دول الجوار وآخرون نازحين في باقي مدن السودان نتيجة الحرب بين الجيش والدعم السريع. معظم القتلى من المدنيين لم يتم تحديد هوية القاتل، فهل مات المقتول برصاصة الجيش أم الدعم السريع؟ لذا يتحمل الطرفان المسؤولية بسبب قتالهما داخل المناطق السكنية.
  • ثانياً، ظهرت بعض الفيديوهات من قبل الشهود الفارين من الحرب، والتي يؤكدون فيها أن أفراد الدعم السريع قاموا بنهب منازل المواطنين واستولوا على ممتلكاتهم، مما دفع قائد قوات الدعم السريع حميدتي لإصدار قرار بتشكيل لجنة ومحاكمة ميدانية برئاسة اللواء الركن عصام صالح فضيل للتحقيق في تلك الإنتهاكات.
  • ثالثاً، توجد فيديوهات تشير إلى أن أفراد الدعم السريع ارتكبوا جرائم اغتصاب للفتيات في الخرطوم، وتأكدت بعض المنظمات من وجود حالات اغتصاب في أماكن تمركز وسيطرة الدعم السريع.
  • رابعاً ، في بيان صادر عن هيئة محامي دارفور في 11/7/2023، ذُكر فيه وجود سوق رق للنساء في شمال دارفور. وأشارت الهيئة إلى أنها تلقت بلاغات عن وجود أسواق للرق في تلك المنطقة، حيث تم اختطاف النساء من المناطق التي تأثرت بالحرب (ولاية الخرطوم بشكل خاص). وعلى الرغم من عدم وجود دليل قاطع يؤكد ذلك، إلا أن مصادر موثوقة أفادت أن العرب البدو وعناصر المليشيات المشاركة في الحرب قاموا بأعمال قتل جماعي ونهب مسلح واختطاف للعديد من النساء والفتيات. يُذكر أن بعض ذوي وأقارب المختطفات حاولوا البحث عنهن في شمال دارفور ومدينة الفاشر، وتجري مفاوضات سرية بين بعض أسر المختطفات والخاطفين لتحريرهن مقابل فدية مالية. هناك أيضا شهادات تفيد بأن بعض النساء والفتيات المختطفات تم نقلهن إلى مناطق في شمال دارفور ومدينة الفاشر من قِبل العرب الرحل.
  • خامساً، نتيجةً للمعارك داخل المدن بالأسلحة الثقيلة والمدافع الأرضية وسلاح الجو (الطيران)، دُمرت كثيراً من المنشآت والمرافق العامة والمباني الأثرية.

لذا نناشد الأطراف المتحاربة بالامتثال للقوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحمي المدنيين والجرحى  وأسرى الحرب. كما ندعو المحامين والمنظمات الإنسانية والجهات المعنية بمراقبة وتوثيق الانتهاكات التي تحصل من قِبل الأطراف المتنازعة للحد من الإفلات من العقاب.
و السلام.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x