مقالات الرأي

حرب 15 أبريل وخطاب عبد الواحد نور في نعي الجنرال خميس أبكر (رحمة الله عليه)

بقلم: الأستاذ شمس الدين أحمد صالح

لا شك أن حرب 15 أبريل العبثية قد نقلت مستوى الصراع السياسي والاجتماعي بالبلاد إلى مرحلة جديدة، وكشفت عورات الأنظمة السياسية التى تعاقبت على البلاد بعد الاستقلال السياسي، بمختلف أنواعها. أنظمة العسكرتارية الأولى والثانية (عبود/ نميري) بنهجهما الدكتاتوري الاستبدادي وقمعهما للحركة الديمقراطية التقدمية بالشمال، ونهج الإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة التي أتبعها حسن بشير وزير دفاع الجنرال إبراهيم عبود فى الجنوب، وتقسيم نميري لشعبنا في دارفور إلى عرب وزرقة في محاولة لتمرير سياساته الفوقية ووصاياه على الشعب. مروراً بالأنظمة الديمقراطية الأولى والثانية والثالثة المغلفة بالطائفية السياسية الدينية بشقيها الأنصاري والختمي، ووصولاً لنظام الإنقاذ المسنود من النظام الدولي للإخوان المسلمين، الذي مر بثلاثة مراحل حسبما ذكر أحد الإسلاميين، التجاتى عبد القادر في مقالاته الذى جاء فيها أن الإنقاذ قد مرت بثلاثة مراحل العشرية الأولى- سيطرة عراب الإنقاذ المرحوم دكتور حسن الترابي- وهذه المرحلة كانت شبيهة بنظام الملالي في إيران، أي نظام الفقيه، رجل الدين الأوحد صاحب القرارات المقدسة، ثم مرحلة العشرية الثانية- وهي مرحلة السيطرة العسكرية والأمنية- وكل واجهات السلطة الاستبدادية، ثم مرحلة العشرية الثالثة- مرحلة تحالف البشير مع المفسدين- وهي مرحلة تحالف المال والسياسة والقبيلة.
ثم جاءت الانتفاضة الثورية العظيمة في ديسمبر2018م، لتضع حداً للأنظمة الوطنية الفاشلة وبناء دولة وطنية مبنية على أساس المواطنة، هي أساس الحقوق والواجبات، دولة مدنية ديمقراطية تفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية وأجهزة العدالة (النيابة والقضاء)، دولة تتحقق فيها الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية في جو معافاة من أمراض الواقع المتخلف (العنصرية- الجهوية- المناطقية- القبلية) دولة حرة مستقلة بعيدة عن التبعية والمحاور الدولية، دولة تحقق الرعاية الاجتماعية لشعبها وتحقق العدالة وترد المظالم وتوفق أوضاع المتأثرين بالحروب العبثية من اللاجئين والنازحين، دولة تعمل على تفكيك نهج الأنظمة السياسية الفاشلة، وعلى رأسها نظام المؤتمر الوطني المقبور. دولة تؤسس لديمقراطية مستدامة يتم فيها تداول السلطة وينظم الصراع السياسي والاجتماعي سلمياً، بعيداً عن العنف والحروب والتنظيمات المسلحة.
هذا كان، وما يزال، حلم السودانيات والسودانين بعد انتفاضة الشعب الثورية في 11 أبريل 2019م، إلا أن قوى الثورة المضادة وأصحاب الامتيازات والمصالح الطفيلية، وقوى التخلف داخل مكونات حراك الثورة وخارجه، وتحالفاتها، وظفت كل آلياتها ووقفت سداً منيعاً أمام تطلعات الجماهير، وتحقيق مهام الانتقال، وعبرت عن ذلك بصيغ وأساليب مختلفة بأكاذيب وتضليل ونقض العهود والمواثيق، إلى أن كشفت كامل تآمرها على إنتفاضة الشعب في تنفيذ انقلابها في 25 اكتوبر 2021م.
وجاءت حرب 15 أبريل لتنقل الصراع السياسي والاجتماعي إلى مرحلة جديدة ويحقق فرز تاريخي وحاسم بين تيارين متصارعين: تيار بناء وتأسيس الدولة المدنية الديمقراطية، وتيار التسلط والاستبداد السلطوي؛ لأن حرب 15 أبريل كشفت بأن السودان لم يكن بالدولة حسب المفهوم المتعارف للدولة (شعب، أرض ونظام سياسي). فإذا توفر شرطا الشعب والأرض نجد أن النظام السياسي بمؤساساته غائباً تماماً، وذلك ما أظهرته الحرب بشكل جلي، وشيئاً آخر، لم يكن هنالك من يتوقع أن جيش قوي مقتدر مهني قادر على التصدي لأي عدوان خارجي أو داخلي في أقل وقت وجهد، إلا أن ذلك لم يحدث مما يضع مسؤولية تاريخية، وطنية ديمقراطية، أمام مفكري شعبنا ومناضليه، وقواه السياسية الحية وطلائعها الثورية بأن تعمل من أجل وقف الحرب وبناء جبهة وطنية شعبية للديمقراطية والتغيير من أجل بناء وتأسيس دولة سودانية محترمة ترعى شعبها وفاعلة في محيطها العربي الإفريقي ووسط الأمم الأخرى، في هذا الصدد، كتبت كثير من المقالات والأعمدة ومبادرات كثير من المفكرين والكتاب وصناع الرأى، ومن أنضجها وأشملها مبادرة القائد عبد الواحد نور رئيس ومؤسس جيش وحركة تحرير السودان، في خطاب نعي الجنرال الشهيد خميس أبكر والذي قال فيه (أننا بحاجة إلى التسامح بين كل مكونات الشعب السوداني ونترك العنصرية والجهوية وأمراض الواقع المتخلف وأن نحول الأفعال الشنيعة التى خلفتها الحرب العبثية إلى فعل إيجابي من أجل جلوس كل الشعب السوداني في مائدة واحدة للحوار لا يستثني أحد ما عدا المؤتمر الوطني وواجهاته…) وهذا طرح عقلاني ويتطلب من القائد عبد الواحد نور أن يتخذ خطوات عملية فى جمع شمل السودانيين في هذه اللحظة التأريخية التي لا مجال فيها للتشتت والتعصب والإنغلاق
على الذات، لأن شعبنا قد عانى كثيراً، وفي ظل هذه الحرب العبثية إذا استمرت لفترة أطول، تتعقد الأمور وتتحول الحرب إلى حرب أهلية في كل السودان كما يريد لها الفلول وبقايا النظام البائد، والطامعين في مقدرات وثروات السودان، وأعتقد أن القائد عبد الواحد هو الشخص الذي يمكن أن يجد القبول من جميع الأطراف لعدم تورطه في السابق مع أياً من الأنظمة السياسية الفاشلة، وأملنا أن يستجيب القائد عبد الواحد ليطور مبادرته بخطوات عملية، وربما تكون بوابة لإنقاذ السودان من هذه المحنة التي أدخلته فيها قوى ودعاة الحرب العبثية والفتنة.

أ. شمس الدين أحمد صالح
كاتب ومحلل في قضايا السلام

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x