مقالات الرأي

حرب 15 أبريل 2023م هي إمتداد طبيعي لتمرد 18 أغسطس 1955م….!!

بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

●إن الحرب التي تدور الآن في السودان والتي بدأت شرارتها الأولي بالخرطوم في صبيحة يوم السبت الموافق 15 أبريل 2023م هي إمتداد طبيعي ونتيجة حتمية للصراع الذي بدأ في يوم الخميس الموافق 18 أغسطس 1955م بتمرد الأورطة 18 التابعة لقوة دفاع السودان التي كانت في مدينة توريت بشرق الإستوائية، قبل شهور من إستقلال السودان عام 1956م، والتي اندلعت بسبب المظالم التي حاقت بمواطني جنوب السودان الذين طالبوا بالفيدرالية والعدالة في تقاسم وظائف السودنة، فبدلاً عن تلبية مطالبهم العادلة وحل الصراع سلمياً عبر الحوار قبل أن يستفحل ويستعصي على الحل، عمدت السلطات الحكومية آنذاك إلى استخدام الحلول الأمنية والعسكرية، فتطور الصراع وتمدد إلى مناطق أخرى بالجنوب، وظل السودان ينزف إلى أن تم توقيع إتفاقية أديس أبابا في يوم الأحد الموافق 27 فبراير 1972م في عهد الدكتاتور جعفر نميري، التي أوقفت الحرب لمدة عشرة سنوات، ولكن نكص الدكتاتور عن الإتفاقية، فاندلعت الحرب مرة أخرى، حيث قاد المقدم كاربينو كوانين بول تمرّد الكتيبة رقم 105 في منطقة بور يوم الأثنين الموافق 16 مايو 1983، ولحقت به الكتائب 104/ 106/ 107، والعقيد جون قرنق ديمبيور وآخرون من القادة المؤسسين للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، ومرة أخري تم استخدام الحلول الأمنية والعسكرية بدلاً عن الحوار ومخاطبة أسباب المشكلة التي قادت إلى التمرد ورفع السلاح.

●تعرض الجيش الحكومي إلى هزائم متلاحقة، فاستعانت الحكومة بمليشيات مساندة من المواطنين والعشائر سميت ب “القوات الصديقة” ، فتوالت صناعة المليشيات القبلية والمناطقية مثل: مليشيات المراحيل في حزام كردفان ودارفور، ومليشيات فاولينو ماتيب وبيتر قديت في ولاية الوحدة، ومليشيات التوم النور دلدوم في غرب بحر الغزال، ومليشيات كافي طيار البدين في جبال النوبة ، إلى تم تكوين مليشيا ما يسمى بالدفاع الشعبي في عهد الدكتاتور عمر البشير.

●استمر الصراع المسلح بعد إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية الذي وقع في يوم الجمعة الموافق 30 يونيو 1989، وقد حوّل النظام الحرب من سِمتها السياسي إلى حرب جهادية بين مسلمين وكفار ، وبجرة قلم تم تكفير كل شعوب جنوب السودان وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ، تلك الحرب التي خلّفت أكثر من مليوني قتيل وأضعافهم من المشردين داخلياً وخارجياً، ودفع السودان ثمناً فادحاً في هذا الصراع الذي كانت نتيجته إنفصال ثلث أراضي السودان وثلث شعوبه وثلثي موارده بعد ممارسة الجنوبيون لحق تقرير المصير الذي دشن إستقلال دولتهم في يوم السبت الموافق 9 يوليو 2011م بموجب ما جاء في إتفاقية السلام الشامل التي وُقَِعت بضاحية نيفاشا في كينيا يوم الأحد الموافق 9 يناير 2005م.

●قُبيل توقيع “بروتوكول مشاكوس” بين حكومة البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان، في يوم السبت الموافق 20 يوليو 2002م اندلع الصراع في إقليم دارفور بإعلان ميلاد حركة تحرير السودان بقيادة الأستاذ/ عبد الواحد نور وتحرير قوات الحركة منطقة قولو بجبل مرة وطرد القوات الحكومية منها، وكان ذلك في يوم الخميس الموافق 11 يوليو 2002م. لم يتعظ نظام البشير من التجارب، فإرتكب نفس الخطايا السابقة، وأطلق يد الجيش لحسم التمرد عسكرياً، ولكن قواته تكبدت خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، فلجأ إلى تكوين “مليشيات الجنجويد” التي نفذت بجانب الجيش السوداني جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي وجرائم ضد الإنسانية، وتم قتل أكثر من ستمائة ألف شخص وزهاء ستة ملايين من نازح ولاجيء ، وبات معظم قادة النظام من المدنيين والعسكريين مطلوبين لدي المحكمة الجنائية الدولية.

●طوال سنوات الحروبات بالسودان قد إبرام عشرات الإتفاقيات الثنائية والجزئية، بلغت في مجملها ستة وأربعين إتفاقية “سلام” آخرها إتفاقية جوبا التي تم توقيعها في يوم السبت الموافق 3 إكتوبر 2020م ، ولكن جميعها فشلت في تحقيق السلام الشامل والمستدام وجلب الإستقرار للسودان، لجهة أن هذه الإتفاقيات خاطبت “قضايا الأشخاص والأطراف الموقعة” ولم تخاطب قضايا الوطن وجذور الأزمة التأريخية.

●إن التعاطي الرسمي مع الأزمة السودانية لم يكن واقعياً، وكل محاولات علاجها جاءت بنتائج عكسية فاقمت من المشكل، لأن الصفوة السياسية لم تعترف بالأزمة ودوافعها وأسبابها، وتريد حلولاً شكلية لا تقود إلى تغيير جذري في بنية الدولة والمجتمع بحيث يتساوي الجميع في الحقوق والواجبات، ولا تريد القلة الصفوية التنازل عن مكتسباتها التاريخية التي ورثتها عن المستعمر، فظلت الأزمة السودانية قائمة ، وكذلك عدم العدالة والمساواة بين الأقاليم السودانية ، وقد تبنت الحكومات المتعاقبة “عسكرية ومدنية” سياسات وممارسات تستند على الإقصاء السياسي والثقافي والتمييز الديني والعرقي والجغرافي، وفرض مشاريع أحادية “إسلاموعروبية” في وطن متعدد، ورفض الإعتراف بالتنوع والمواطنة المتساوية بين جميع الشعوب السودانيين، وعملت على تزييف هوية الدولة، مع الإصرار على المعالجات الخاطئة وعدم الإعتراف بالآخر وحقوقه، وسخٍرت كافة موارد ومقدرات الدولة ومؤسساتها العسكرية والمليشوية لقهر وسحق المطالبين بالعدالة والمساواة والتغيير ، وهذا النهج والسلوك لابد أن تكون نتيجته الحتمية هي تمدد الصراعات والعنف المسلح، ومن المؤكد أن النيران التي أشعلوها في أطراف لابد أن يصل لهيبها إلى عقر الدار التي ظلت وعلى الدوام تشن الحروبات وتُحيك الخطط ومؤامرات تفتيت النسيج الإجتماعي والوجدان الوطني، وتصنع المليشيات لإبادة شعوب الريف السوداني التي تطالب بالحرية والكرامة ودولة المواطنة المتساوية.

●رغم معاناة أهلنا في السودان عامة والعاصمة المثلثة خاصة جراء ويلات الحرب المفروضة عليهم، إلا أن ما يجري في الخرطوم من قتال ودمار مرتبط إرتباطاً وثيقاً بإندلاع أول حرب بالسودان، وفشل الصفوة السياسية والعسكرية في معالجة أسبابها وتداعياتها بصورة صحيحة، وهو نتيجة حتمية ومنطقية ل”إنقلاب الساحر على الساحر” وكما تقول البادية: “التسّوِي كِرّيت في القرض، بتلقا في جِلِدا”، فها هي الخرطوم “مركز السلطة” تدفع ثمن ما صنعت يداها، بإدمانها الفشل وصناعة الأزمات ورفض الحلول الموضوعية التي تقود إلى حل الأزمة الوطنية بمخاطبة جذورها التأريخية وليس عبر المسكنات اللحظية وأساليب الإستهبال السياسي والأونطة الصفوية.

19 مايو 2023م

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x