مقالات الرأي

رؤية الحزب الشيوعي النقدية لمخرجات مؤتمر ايوا للسلام والديمقراطية ٢٠-٢٣ اكتوبر ٢٠٢٣م (١٠/١٠)


بقلم: الصادق علي حسن

الغرض من تناول رؤية الحزب الشيوعي لمخرجات مؤتمر ايوا للسلام والديمقراطية يتمثل في فتح المجال لإثراء النقاش حول قضايا هامة بحثها مؤتمر ايوا ، كما وناقشها الحزب الشيوعي بصورة موضوعية، هذه القضايا الهامة ظلت متجددة منذ إعلان استقلال البلاد ومن تراكماتها الحرب العبثية الدائرة حاليا بين شركاء السلطة بالأمس وأعداء اليوم ، كما وليس بالضرورة الإتفاق مع هذا الرأي أو ذاك، سواء تلك الواردة في مخرجات مؤتمر ايوا التاسع او في رؤية الحزب الشيوعي حول هذه المخرجات ،وما يهم هو ذلك النقاش المُثمر الذي قد يفيد في تحقيق المصلحة العامة للبلاد . مولانا عبد الحميد احمد أمين الخبير القانوني وهو من ذوي المساهمات المعتبرة في القضايا العامة ، ارسل لي معلقا بالآتي (احمدت لك انصافك للشيوعيين السودانيين كمواطنين وساسة، وسعدت بالاطلاع على المقالات،وقد يوافقك كثيرون مثلي فيما ذهبت إليه. لكنني أرى بأنه لم يتم التعريف المنهجي لهذا المؤتمر الذي هو أساسا للسلام والديمقراطية. ذلك ليتسنى لقارئ المخرجات التعليق ونقد ناقدها ان ينظر إلى الأمر بعين فاحصة نوعا ما. وهذا لا يقلل شيئا مما وصلت إليه.ولكن كمثال :

  • من القائم بالمؤتمر وراعيه، أهو فرد، جهة اعتبارية محلية، اقليمية ام دولية؟
  • وهل السلام المعني في عمومه الدولي مثلا، ام السودان، ام لجهات وأقاليم أخرى؟
  • ولماذا كان المقر الرئيسي في أيوا؟
  • وهل هنالك مشاركون آخرين من السودان بصفاتهم الرسمية او الشخصية؟
    وهكذا ، فقد يكون مفيدا لما يتعلق بالموضوع من كل جوانبه لإصدار أحكام موضوعية.)، الأسئلة التي اثارها مولانا عبد الحميد احمد امين هامة ، والجهة المعنية بالرد عليها هي منسقية مؤتمر ايوا أو سكرتاريتها ، او من يملك التفويض للرد على التساؤلات والإستفهامات.، ولكن وفي حدود معرفتي بالمؤتمر فإن السودانيين بالولايات المتحدة منذ عدة سنوات بادروا بتنظيم ملتقى سنوى بالولايات المتحدة بمسمى مؤتمر ايوا وذلك لبحث قضايا بلادهم بمشاركة ممثلين من داخل البلاد وخارجها ، اما دلالات اختيار ايوا ،فان القائمون على إدارة المؤتمر هم أدرى بها، المؤتمر التاسع الذي نظم في ٢٠-٢٣ اكتوبر ٢٠٢٣م بواشنطن، انعقد بعد انقطاع لأسباب قد تكون منها جائحة الكرونا )، ولكن وبأعتباري من المدعوين لمؤتمر ايوا التاسع مع انني لم اتمكن من المشاركة بالحضور وقد ساهمت بمقترحات في ورقة ارسلتها للمؤتمر ، ما علمته ان المؤتمر يعتمد في تمويل انشطته على مساهمات السودانيين المقيمين بالولايات المتحدة بصورة أساسية، كما ولا يوجد ما يمنع من قبول مساهمات المنظمات الطوعية غير الحكومية والتي تعمل في مجال الديمقراطية والسلام . إن على القائمين على أمر مؤتمر ايوا نشر المعلومات الكافية عن المؤتمر واهدافه للرأي العام خاصة مخرجات المؤتمر الأخير (التاسع) ليأخذ بها الكافة علما كافيا.
    حالة اللادولة :
    الباحث المُنقب في وقائع استقلال السودان يجد ان توصيات ومقررات لجنة أستانلي بيكر (مقترحات) ، استرشد بها برلمان الحكم الذاتي والمنتخب ديمقراطيا في ١٩٥٣م من كل السودانيين في انتخابات عامة بمشاركة مراقبين دوليين وقد وضع البرلمان المذكور اساس مشروع الدولة السودانية المستقلة، وهنالك من الشواهد بان النخب السودانية التي باشرت إجراءات اعلان استقلال السودان من داخل السودان كانت حريصة على السلطة اكثر من التأسيس وأثر التنافس المحموم على السلطة سلبا على إقرار الدستور الدائم للبلاد، وعقب ثورة اكتوبر ١٩٦٤م ، رفضت القوى السياسية استحقاق جنوب السودان الذي تم إقراره ضمن قواعد مشروع تأسيس دولة السودان الخمس، ، وهذا الرفض يؤكد ان إقرار استحقاق الفيدرالية لجنوب السودان ضمن القواعد الخمسرالمجازة في (١٩/ ١٢/ ١٩٥٥م- ٣١/ ١٢/ ١٩٥٥) بواسطة الأحزاب السياسية السودانية في برلمان ١٩٥٣م ،كان قبولا تكتيكا لإجازة استقلال السودان بالإجماع من داخل البرلمان بموافقة نواب جنوب السودان ، ثم النكوص عنه متى سنحت الفرصة المواتية ، إن توصيات لجنة استانلي بيكر تؤكد حرص المستعمر الإنجليزي على وجود جنوب السودان ضمن الدولة السودانية المستقلة، وبأسس دستورية وذلك بخلاف ما تم ترسيخه في ذهن المواطن العادي بان هنالك مؤامرة من المستعمر وشوكة وضعها في خاصرة البلاد منذ استقلالها كما يشاع، إن نخب الأحزاب السودانية بالشمال دفعت بشعارات لا فيدرالية لشعب واحد في ثورة اكتوبر ١٩٦٤م (no federation for one nation)، وكان ذلك بداية النكوص عن الإلتزام باستحقاق الفدرالية لجنوب السودان واطلق نواب الجنوب على ذلك اليوم باليوم الأسود ، كما تنبأوا بانفصال جنوب السودان (يوما ما)، وذلك ما حدث بعد ستة عقود من فقدان الثقة والحروبات ، هذه من وقائع مؤسفة مرت من تجارب البلاد لكن الأكثر اسفا عدم الإستفادة من الدروس وتصوير الوقائع على غير حقيقتها وكأن هنالك مشروع لدوله تم إقراره بمعزل عن تجربة الإستعمار، كما وفي العقد السابع من استقلال البلاد عادت البلاد إلى منصة مشروع التأسيس وكأن لم يكفيها انفصال جنوب السودان ومن خلال فوهات البنادق المتعددة البلاد الآن على حافة الحروبات الأهلية.
    شكل الدولة ونظام الحكم :
    بداية نشأة الدولة السودانية كانت في ظل الإستعمار التركي ، وقتذاك كان العالم كله عبارة عن مركزيات سلطة تقوم على سلطة الأسر الحاكمة التي تبني المماليك و الامبراطوريات وتتغول على اراضي الغير وتتوسع كيفما شاءت ، كما وكانت مصالح الشعوب رهينة بمصالح الأسر المالكة وتتغير بتغير ملوكها واوضاعهم في السلطة. في رؤية الحزب الشيوعي (المؤتمر القومي الدستوري) الصادر في ٣١/ ٨/ ١٩٨٨م يرفض الحزب الشيوعي الفيدرالية بمبررات وحيثيات لم تعد مواكبة لمخاطبة قضايا الراهن الحالي بالبلاد ، إن الفيدرالية قد تكون من افضل انظمة الحكم التي تخاطب قضايا البلاد ، ولكن ليس من خلال ذات النموذج المطبق في بعض دول الغرب مثل الولايات المتحدة .
  • رؤية الحزب الشيوعي لشكل الدولة ومستقبل الحكم :
    في صفحة (١٥) من طرح الحزب الشيوعي للمؤتمر القومي الدستوري، ذكر الحزب (ان تاريخ الدولة المركزية وتطورها وليس التراجع عنها ، فقدت توحدت الدولة منذ عام ١٨٢١م وضمت مديريات السودان واقاليمه بحدوده الحالية، وتجلى هذا النزوع نحو الوحدة والإنصهار في الثورة المهدية والحركة الوطنية الحديثة ،حركة ١٩٢٤م ، مؤتمر الخريجين، النقابات، الأحزاب، اتحادات الطلاب، حركة النساء والشباب، القوات النظامية التي اسسها الإستعمار على اساس الإنتقاء القبلي فتحولت إلى بوتقة تنوع ووحدة.
    رفض دعوة الفيدرالية :
    يقوم رفض الحزب الشيوعي للفيدرالية كما ورد في طرحه صفحة ١٥-١٦(بان دعوات تقسيم البلاد إلى جمهوريات ، او ولايات فيدرالية هي دعوات منبتة، لا تستند على تجربة دستورية سودانية أو واقع سوداني، بل وهم خاطئ وتقليد لتجارب اخرى، لقد نشأ النظام الفيدرالي تاريخيا في البلاد التي تتكون من عدة ولايات او جمهوريات مستقلة فجرى توحيدها على اساس نظام فيدرالي، اما السودان فقد ظل منذ الغزو التركي دولة موحدة، لذلك فإن الفيدرالية ستكون تراجعا عن ما تم انجازه في الواقع لا خطوة نحو الوحدة كما في تجارب البلدان الأخرى).
    ما يراه الحزب الشيوعي بانه قد تم انجازه من حكم مركزي على ارض الواقع هو في واقع الحال ما فرضه المستعمر التركي تلبية لرغباته في الحصول على موارد البلاد من خلال سلطة قابضة تدين له بالخضوع المطلق في مستعمرته ومن دون تبعات او كلفة إدارية ، وكانت أراضي الدولة السودانية الشاسعة تضم ممالك نشأت في حقب تاريخية بعيدة كالمملكة النوبية القديمة في شمال السودان والتي تعد من اعرق المماليك في التاريخ القديم ، كما وهنالك مماليك الداجو والتنجر والفور والمساليت والفونج ونظم حكم اخرى في الأراضي السودانية ولم تكن مجرد ولايات ثم توحدت بالحكم المركزي التركي، لذلك رفض الحزب الشيوعي للحكم الفيدرالي بتلك الحيثيات قد لا يكون صائبا ، كما وقد لا يستجيب لمصالح الدولة التي ينشدها الحزب بإقرار اسس تضمن مشاركة كل السودانيين في ادارة دولتهم وليس كالمسخ المشوه الذي تم إقراره بواسطة النظام البائد وهو ساري المفعول حتى الآن والذي يكمن في جوهره مركزية السلطة القابضة في الخرطوم. ان تجربة الفيدرالية من التجارب التي تستجيب لتطور المجتمعات وتحفظ تماسك الدولة بمثلما حدث في تأسيس الدولة الفيدرالية السويسرية في ١٢/ ٩/ ١٨٤٨م عقب حرب ال ٢٨ يوما الأهلية (حرب الزوندربوند)، واستهدى السويسريون بدستور الولايات المتحدة الأمريكية وتأسيس الولايات المتحدة من اقطاعيات تأسست كملكيات خاصة بأفراد مثل بنسلفانيا التي أسسها وليم بنسلفانيا او شركات مثل فرجينيا التي اسستها شركة فرجينيا وتطورت التجربة الأمريكية لتجلس الولايات المتحدة الأمريكية على صدارة دول العالم متفوقة حتى على المملكة المتحدة التي نالت منها استقلالها . واستفادت سويسرا من فلسفة وافكار الثورة الفرنسية ومن خلال سلامة الممارسة تجاوزت سويسرا مرحلة المنازعات العرقية ومجموعات الكانتونات المرتبطة بالمعاهدات ، وفي عام ١٩٩٩م حدثت تعديلات في الدستور بإقرار مركزية الحكم.
    تناول الحزب الشيوعي في رؤيته عام ١٩٨٨م سارية المفعول دعاوى الانفصال، ثم الدولة الموحدة اللامركزية وأشكال الحكم اللامركزي ، وخلص لمقترحات ويرى الحزب ان يستمر التقسيم الحالي في الشمال المبني على وجود خمسة اقاليم بالإضافة للعاصمة القومية بأسس تشكل من الإدارة المحلية، كما ويرى ان تنشأ في كل اقليم مجلس محلي وان تنشأ المجالس بموجب أوامر تأسيس يصدرها مجلس الوزراء تفاصيل أوفى من الرؤية صفحة (٢١-٢٨) .
    بالضرورة والدولة السودانية على حافة الإنهيار التام، دراسة كافة التجارب ونظم الحكم التي مرت على البلاد ،والإستفادة من الدروس المستخلصة ، إن الفيدرالية كانت من استحقاق جنوب السودان في مشروع قواعد تأسيس الدولة السودانية في ١٩٥٥م ،والنكوص عنها قاد البلاد إلى حروبات طويلة، انتهت بانفصال جنوب السودان ولم تتوقف مشاكل البلاد وازماتها بانفصال الجنوب بل تعقدت، والآن تعددت المراكز في ظل اوضاع اكثر هشاشة. لقد طرح الدكتور مهدي امين التوم بتاريخ ١٢/ ١١/ ٢٠٢٣م مقترح الولايات المتحدة السودانية، ولعلها تجد آذانا صاغية قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x