مقالات الرأي

التحول الديمقراطي في السودان بين التطبيق و التنظير
الجزء الثاني

بقلم: محمد عبد الرحمن

في مقالي السابق تناولت بشكل جزئي الجانب النظري للتحول الديمقراطي في السودان من محض التنظير و ربطها بمشكلة الساسة و السياسة السودانية و في هذا المقال سأضع بعض الأسس و المتطلبات التي يقوم عليها التحول الديمقراطي و  محاولة تطبيقها في أرض الواقع من أجل ضمان التحول السلمي للسلطة و ممارستها بشكل عادل و شفاف إضافة إلى المعوقات التي تعيق سلم التحول الديمقراطي في السودان و محاولة تجاوزها من أجل ضمان استقرار السودان و تحقيق تنمية مستدامة في كل بقاع السودان الواسع.
اولاً : متطلبات التحول الديمقراطي
لايمكن إحداث التحول الديمقراطي بدون توفير متطلبات اساسية يمكن من خلالها الشروع في عملية التحول الديمقراطي، وتمهيد الأرضية لتأسيس العملية الديمقراطية برمتها و تطبيقها في أرض الواقع واذا صار من المسلم به ان عملية التحول ينبغي ان تأخذ بنظر الاعتبار خصوصية المجتمع، لأن تكون تجربة جاهزة وتطبق في هذا البلد أو ذاك. الا أن عملية التحول ينبغي ان تتوافر على وجود الكثير من المتطلبات في المجتمع ومن ذلك ما يأتي:
1- توسيع قاعدة المشاركة السياسية:
بحيث تمثل في العملية السياسية شرائح المجتمع كافة بمختلف توجهاتها السياسية وانتماءاتها. فضلا ً عن أن تكون ضامنة وقادرة على استيعاب الشرائح الاجتماعية الجديدة ومطالبها المتصاعدة. وهنا تأتي مسؤولية المؤسسات السياسية التي ينبغي أن تكون لها القابلية على التكيف مع التغيرات الحاصلة في المجتمع، وفي الوقت نفسه قادرة على استيعاب تلك المطالب، وبهذا الاجراء يضمن عدم التهميش أو الاستبعاد او الاقصاء من العملية الديمقراطية.
2- ترقية الجانب النفسي (السايكولوجي):
المتعلق بسلوك الفرد والجماعة، والذي بمجمله يمثل سلوك الفرد وتشكله في نظرته الى السلطة، وبالتالي يشكل الموقف من عملية التحول الديمقراطي. وباختصار ترقية الجانب المتعلق بايمان الفرد والجماعة بضرورة التحول الديمقراطي.
3- ترسيخ المؤسسات السياسية:
التي تكفل ايمان الفرد والجماعة بضرورة التحول الديمقراطي (عبر الجانب المؤسسي والتنظيمي مصاغا ً ومبلورا ً في دساتير وقوانين… على أن يكون ذلك دائرا ً في اطار ثقافي يقبل بالديمقراطية والتعدد سبيلاً الى النهضة والتقدم عموماً  وتجسده المشاركة السياسية. 
4- إقرار التعددية السياسية:
التي من اهم اهدافها “ أن تكفل تداول السلطة وحريات التعبير عن الرأي والمصالح والانتخاب… الخ، وعلى هذا الاساس نؤكد  على أن هدف التعددية السياسية وسبب وجودها هو إنشاء الطريقة المؤسسية التي تسمح لاحد اطراف التعددية بالوصول للسلطة مكان الطرف المسيطر ومن يتجاهل هذه القاعدة البديهية يتخبأ وراء إصبعه.
5- ترقية مؤسسات المجتمع المدني:
ظلت مؤسسات المجتمع المدني لحقبة طويلة من الزمن حبيسة ارادة الدولة وسلطانها. فالدولة سلبت من المجتمع وظائفه الحيوية واحتكرتها لنفسها، وجردت الشعب من حقوقه الانسانية ومنها حق المشاركة في الحياة السياسية وحق التعبير عن ارائه المستقلة، ولذلك لابد للدولة التي تريد التحول الى الديمقراطية من أن توجد للمجتمع المدني المناخ السليم لنمو مؤسساته وازدياد فاعليته، لان الديمقراطية تقتضي السماح بتعدد وتنوع واختلاف الآراء بل ان اختلاف الآراء يعد سمة من ابرز سمات الديمقراطية.
ثانياً : معوقات التحول الديمقراطي في السودان

        هناك كثيرمن المعوقات التي اعترضت عملية التحول الديمقراطي في السودان وأثرت سلبيا ً على العملية برمتها بدءاً من اقرار التحول الديمقراطي وصولا ً الى الوقت الحاضر، وبالشكل الذي جعل امكانات ترسيخ اسس الديمقراطية يحتاج الى مزيد من الوقت. واذا سلمنا ان التأثير الخارجي في اجراء عملية التحول كان كبيرا ً (وكثيرا ً ما اصطدم بعدم تهيؤ السودان لمثل هذه النقلة باتجاه الديمقراطية)، فان التأثير الداخلي حملَ بين ثناياه الكثير من المعوقات التي تحول دون اجراء عملية التحول الديمقراطي بيسر وسهولة. ولعل من ابرز تلك المعوقات ما يأتي:
1_ الصراع بين اركان النظام السياسي.
منذ  أعلن نتائج الصفقة في ١٩٥٦، وحتى نهاية ٢٠١٨ النظام السياسي السوداني لم يتجه نحو تدعيم الاصلاحات السياسية التي شرع بها منذ  انشطار الخريجين ١٩٣٤م و هي بمثابة الكتلة الأولية لحل مشكلة السودان في عهدها و عقب خروج المستعمر  ، غير أن الشروع في الاصلاحات وتكريسها لم يحل دون ظهور انقسامات حادة بين أركان النظام السياسي، بسبب تنامي قوة الجبهة الاسلامية للانقاذ. وتكرست تلك الانقسامات في خطين أحدهما اصلاحي والآخر غير إصلاحي . وعمل كل الرؤساء الذين تناوبوا على السلطة على تدعيم الاتجاه غير الاصلاحي مستفيدين من الصلاحيات الممنوحة لهم دون التعاظم لشعبية الدولة
تعاظم شعبية الجبهة الاسلامية للانقاذ، كان من أهم التطورات التي نتجت عن عدم  الاصلاحات وازاء ذلك بدأت   كفة التيار الإصلاحي  من الثوار ، لاسيما بعد أن حصلت مجموعة من التطورات الشعبية التي من شأنها أن تدفع بالاتجاه “الاصلاحي” الى الضغط على النظام  من المؤسسة العسكرية والتيار الإسلامي . الامر الذي صعد من حدة المواجهة بين الإصلاحيين و غير الإصلاحيين (النظام الحاكم)  وحسمت تلك المواجهة لصالح الإصلاحيين (الثوار) بمباركتها لسقوط رموز النظام السابق  
2_  المؤسسة العسكرية
أدت المؤسسة العسكرية دورا ً سلبيا ً في عملية التحول الديمقراطي في السودان، من خلال الدور الذي أدته في ايقاف المسار الانتخابي في بواكير الشروع بعملية التحول وتحديداً بعد إنقلاب ١٩٥٨ بقيادة الفريق إبراهيم عبود، وخرقت دستور عام ١٩٥٦ في براكين الجيش  على العكس من ذلك، عاد الجيش مع عملية التحول الديمقراطي الى بؤرة السياسة السودانية  وقادت عودته الى الاتيان بافتراضات حول موقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات، وجاء موقف المؤسسة العسكرية ليرفض كل الافتراضات ويؤكد على أن هناك خيار و هو  تعطيل المسار الانتخابي، بعد انتخاب الأزهري رئيسا للسودان في ١٩٥٦ و الذي لم تستمر فترته سوى عامين انهت بانقلاب ٥٨ ضد حكومة عبدالله خليل وهو الاجراء الذي لا تنقص العسكر سوى الوسيلة للوصول اليه.
وبالتالي يؤكد هذا الخيار من الدور الذي رسمته المؤسسة العسكرية لنفسها، وسعت باتجاه تعطيل المسار الانتخابي، وظل دور المؤسسة العسكرية هو تتريس عملية التحول الديمقراطي وبشكل مؤثر. و استمر الحال و الوضع بمتعرجات العسكر الي هذا الوقت و استمرار تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية معوقا ً رئيسياً تجاه التحول الديمقراطي، الذي يتطلبه هو و السياسة للعبة مدنية تصريفاً ، ومجالاً مفتوح للمنافسة بين المواطنين، يحكمه الدستور والقانون. وكما القضاء يفصل بين المنازعات المدنية وفي المنازعات بين المؤسسات والاجهزة بمقتضى القانون الذي يعلو على الجميع، ممارساً سلطة يقره الدستور، كذلك الجيش يمارس سلطته التي اقرها له الدستور وهي حفظ كيان الوطن والدولة والامة من الخطر الخارجي الذي يتهددهااو يمكن ان يتهددها. وهي سلطــــة لاتخــوله نقل خطوطه العسكرية الى الداخل، أو الانتقال من حـــــدود الدولة الى حدود السلطة، لان ذلك يخل بوظيفته الطبيعية والقانونية
ويبدو أن تعاظم دور المؤسسة العسكرية و مأزقها يكمن في عدم  انقسامهم حول وحدة الرؤيا في التعامل مع الازمات، وهو الذي لم يفتقره  المؤسسة العسكرية في ذروة هيمنتها على الحكم في السودان.
3 _ غياب المؤسسية : نقصد بذلك غياب الدستور الذي تدير حركة  الساسة و المؤسسة العسكرية و وضعهم في قالب واحد على أنه لا يوجد سلطة علياء في الدولة غير السلطة القانونية و الدستورية باعتبار أن الدستور هو أعلى سلطة في الدولة و هو الفاصل بين إشكاليات الحاكم و المحكوم و يجب أن تؤسس الدستور على ركائز العلمنة (العلمانية ) تمديدا لقيام نظام علماني قويم دون التعاطف  .
و هذا الأخير ساعد في تحول الدول الي ما يمكن أن نسميها دولة الرخوة و التي تخف عاجز تماماً عن تحقق أدنى متطلبات الحياة الكريمة للمجتمع.

ساتناول في الجزء الثالث عن مستقبل التحول الديمقراطي في السودان

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x