مقالات الرأي

قراءة في الإتفاق الموقع بين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وقوات الدعم السريع (ق د س). (١)


بقلم: الصادق علي حسن

ثلة من المهتمين والمتابعين للشأن العام السوداني نقلت لي أهمية إجراء قراءة وتقييم شامل على الاتفاق المبرم يوم ٢/ ١/ ٢٠٢٤م بين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وقوات الدعم السريع (ق د س) وحول مدى تأثيره على إيقاف الحرب الدائرة حاليا،ومجمل العملية السياسية العامة بالبلاد . سأقوم بإجراء قراءة وتقييم شامل على الاتفاق المذكور عسى ولعل ان يفيد القارئ من خلال إبراز بعض الجوانب بالرأي والرأي الأخر. وستنصب القراءة والتقييم على المحاور الثلاثة التالية وهي (الطرفان/ موضوع الاتفاق والتكييف القانوني/ نفاذ الاتفاق) ونأمل ان تكون القراءة وأفية كما والتوضيح ، وللقارئ الحق في التقييم بنفسه وعدم الاكتفاء بالتلقي :
أولاً : الطرفان.
ثانياً : موضوع الاتفاق والتكييف القانوني .
ثالثاً : نفاذ الاتفاق.
كما وقبل تناول المحاور الثلاثة المذكورة بالقراءة والتقييم بالضرورة التوضيح للقارئ ما المقصود بالاتفاق وماذا يعني ذلك قانونا .
في التعريف ، ولتقريب المعنى المبسط للقارئ غير القانوني فان الاتفاق يعني انشاء المراكز القانونية بين طرفين أوعدة أطراف،ويكون ذلك الاتفاق اتفاقا نافذا وملزما لطرفيه او لأطرافه ، كما والاتفاق لا يتطلب بالضرورة الكتابة وانما الكتابة من وسائل اثباته ، كذلك يمكن اثبات الاتفاق بالاقرار أوبشهادة الشهود ، كما يمكن اثباته بالقرائن ، وعلى سبيل المثال الشخص العادي حينما يركب مركبة المواصلات العامة من موقف المواصلات هو بالضرورة يعلم بانه سيدخل في اتفاق غير مكتوب بموجبه يدفع قيمة المواصلات (الأجرة)مقابل نقله لوجهته المبينة في تذكرة البص او التي ينادي بها الكمساري في الموقف. كما والاتفاق يختلف عن مذكرة التفاهم، إن مذكرة التفاهم بحسب السائد في المعاملات تعني التعهد بالاتفاق او الالتزام (مشروع اتفاق) لذلك في الغالب تلجأ الجهات السياسية او الجهات التي ترغب في المزيد من دراسة مشروعات الأنشطة المحتملة ومقترحات التعاون إلى توقيع مذكرات التفاهم ريثما تعرض موضوعات مشروعات التفاهم المحتملة للجهات الفنية لدراستها والتقرير بشأنها،وهكذا تفعل الدول والتنظيمات والشركات قبل الدخول في مرحلة التوقيع على الاتفاقيات.
لقد قامت قحت والدعم السريع بتوقيع اتفاق وصار الاتفاق المبرم بينهما نافذا وملزما لهما منذ تاريخ التوقيع عليه، وقد تضمن الاتفاق بنودا لأعمال وانشطة تتعلق بالغير وبالدولة ، وبالتالي تثور التساؤلات المشروعة حول ما علاقة الغير بما تم الاتفاق عليه بين طرفيه والملزم لهما،وما مدى امكانية انفاذ ما تم الاتفاق عليه فيما يتجاوز نطاق طرفيه أوما يتعلق بالغير وبالدولة .

  • لا شك ان البنود الواردة في الاتفاق والتي تتعلق بالغير وبالمجتمع والدولة تتطلب رأي الغير او الإنابة القانونية الصحيحة ، وفي اتفاق قحت والدعم السريع بحسب مقتضى الحال هما يمثلان ذاتيهما ، ولكن وفي ظل ظروف البلاد الحالية والحرب الدائرة فلا شك ان أي جهود لوقف الحرب إذا كانت مبراءة من العيوب ومن غير اي شروط ستجد الإعتبار والموافقة وعدم الأعتراض ، ومن أي جهة أتت وذلك كمبدأ،بإستثناء تجار الحروب وأصحاب المصالح الذين يستثمرون في الحروب والأزمات ويرفضون بشدة وقف الحرب، لذلك الراجح فان أي جهود او بنود تأتي في سياق اي اتفاق ثنائي او جماعي بتفويض او بدونه من أجل وقف الحرب أو إطلاق سراح أسرى أو معتقلين، إذا كانت تلك الجهود غير مقيدة بأي شروط تصبح تلقائيا من الأمور المقبولة لدى العامة بلا أي تحفظات او تردد ، اما ربط إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين المذكورين في البند (٢) (ص ١) من الاتفاق المذكور وعددهم (٤٥١) شخصا بالصليب الأحمر الدولي (طرف ثالث) وانشاء مراكز اتفاقية أخرى مستقلة عن الأتفاق الأساسي وبنود تتعلق بالتزام لطرف ثالث وهو من الغير اي ليس من أطراف العقد ، ليس له ما يبرره على الإطلاق، وقد يكون لذلك الطرف الثالث المذكور في العقد (الصليب الأحمر الدولي) وهو ليس من أطراف العقد له شروطه الخاصة ، خاصة وقد سبق له ان قام بتعليق اعماله بالسودان نتيجة للهجوم على موظفيه بالخرطوم في عملية محاولة لإجلاء عالقين بكنيسة الشجرة بالخرطوم في الأسابيع الماضية مما ادى لسقوط ضحايا وعدة حالات اصابات بين موظفيها والمدنيين ، لذلك فان ربط إطلاق سراح الأسرى و المحتجزين بطرف ثالث (الصليب الأحمر الدولي)سيكون بمثابة الوعد المفتوح وأشبه للدعاية السياسية، فطالما لا يوجد ما يمنع إطلاق سراح الأسرى و المحتجزين المعنيين وعددهم كما ذكر (٤٥١)شخصا ، يأتي السؤال. لماذا ربط ذلك الأمر بالصليب الأحمر الدولي؟ .
    نتناول الاتفاق المذكور من خلال ثلاثة محاور ونبدأ ب(الطرفان) :
    أولاً : الطرفان وهما (قحت وقوات الدعم السريع) . وبحسب الاتفاق بينهما فان الطرف الأول (قحت) والطرف الثاني الدعم السريع .
    ١/ الطرف الأول (قحت).
  • في اكتوبر ٢٠٢٣م تم الإعلان عن عقد اجتماعات لمجموعة سياسية ومدنية سودانية على رأسها قوى الحرية والتغيير بأديس ابابا ، كما وفي ٢٦/ ١٠/ ٢٠٢٣م اعلنت ذات تلك المجموعة عن تسمية رئيس الوزراء المستقيل الذي سبق ان تم تعيينه بموجب أحكام الوثيقة الدستورية ٢٠١٩م(المعيبة) د. عبد الله حمدوك رئيسا مؤقتا للتحالف الجديد و(المسمى بتنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية قحت) والذي تم تكوينه من ٦٠ عضوا ، وذلك لمتابعة التحضير للمؤتمر التأسيسي للتحالف الجديد ، كما وتم الإعلان بان عضوية المؤتمر التاسيسي المذكور تتكون من (١٠٠٠عضوا) وان (٧٠%) من عضويته ستكون للقوى المدنية و(٣٠%) من عضويته للأحزاب ، والملاحظ مع ان الإعلان عن مشروع التحالف الجديد قد اوضح بجلاء بان المؤتمر التأسيسي للتحالف المذكور سيقوم بمهام التأسيس لتحالف سياسي جديد إلا ان الاتفاق اللاحق الذي ابرم مع قوات الدعم السريع قد كشف بان اللجنة التحضيرية للتحالف الجديد قامت بمباشرة مهام تحت غطاء مشروع التحالف الجديد قبل اقراره بواسطة المؤتمر التأسيسي المقترح للتحالف الجديد . كما ان من الملاحظ ان نسبة عضوية قوى المجتمع المدني في التحالف الجديد أكثر من ضعفي نسبة الأحزاب والواضح الغرض من ذلك استغلال مظلة المجتمع المدني المعني بالرقابة والخدمات ويشير ذلك الخلط والتوجه بان القوى السياسية التي تقف خلف تكوين (تحالف تقدم) تهدف في الأساس إلى توظيف الظروف الاستثنائية واستغلال غطاء المجتمع المدني الهلامي في خدمة اجنداتها السياسية بالحصول على غالبية مقاعد في التحالف الجديد تضمن لها السيطرة على القرار في التحالف المذكور من خلال مظلة المجتمع المدني ، وهذه المجموعات في الواقع عبارة عن نخب تنظيمات سياسية لا تمتلك قوى جماهيرية حقيقة تجعلها مؤثرة بقدر حجمها في الشارع السوداني العريض .
  • إن مشروع تقدم عبارة عن تحالف سياسي تحت التأسيس ولم يعقد حتى الآن مؤتمره التأسيسي كما ولم يتم تحديد مهامه أو من يمثله ونطاق تفويضه ، وما تم الاتفاق عليه مع قوات الدعم السريع بحسب بنوده عبارة عن عملية سياسية متكاملة مما يكشف عن استخدام مشروع التحالف الجديد (قحت) واستغلاله في عملية سياسية ، وهذا العمل يعد من قبيل الإنتهازية السياسية .
    ٢/ الطرف الثاني (قوات الدعم السريع).
    قوات الدعم السريع(ق د س) جعل منها النظام البائد بموجب قانونها الصادر في ٢٠١٧م عبارة عن قوات عسكرية خاصة ذات مهام عامة وتتبع للقائد العام، ثم في عقب ثورة ديسمبر المجيدة قام القائد العام لقوات الشعب المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وبصفته رئيسا لمجلس السيادة وفي غياب الجهة المناط بها التشريع (مجلسي السيادة والوزراء)بالغاء المادة (٥) من قانون الدعم السريع والتي تنص على تبعية قوات الدعم السريع للقائد العام لقوات الشعب المسلحة وبذلك صارت قوات الدعم السريع قوات عسكرية خاصة تقوم بمهام عامة ولها صلاحيات معتبرة وتعمل تحت إمرة قائدها قائد قوات الدعم السريع . لقد كان من اغراض المخلوع البشير ضمن أمور أخرى استغلال قوات الدعم السريع في مشروعاته الأسرية الاستثمارية وحمايته الشخصية مثل الحصول على نسب مالية مقدرة من عائد تفويج الجنود تحت غطاء قوات الدعم السريع للحرب في اليمن وذلك بعيدا عن اعوانه بالمؤسسة العسكرية، كما ومن بعده سار البرهان على نفس نهجه . لقد كانت مهام قوات الدعم السريع مهام عسكرية صرفة، وتم تخويل قوات الدعم السريع والقوات المسلحة حق ممارسة العمل السياسي لأول مرة في ١٧/ ٨ / ٢٠١٩م بتوقيع الإعلان السياسي بين المجلس العسكري وقوى ثورة ديسمبر المجيدة وقد وقع عن قوى ثورة ديسمبر المجيدة ممثلها معلم مادة الفيزياء احمد ربيع وعن المجلس العسكري نائب رئيسه الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) ليتكرر نفس السيناريو في ٢/ ١/ ٢٠٢٤م بتوقيع الاتفاق السياسي بين ممثل تحالف تقدم د عبد الله حمدوك وقائد قوات الدعم السريع الفريق اول محمد حمدان (حميدتي).
    في مقالنا القادم ساتناول موضوع الاتفاق السياسي بين قحت والدعم السريع ، وما به من قصور وخلل ، ومضار الاتفاق على العملية السياسية بالبلاد.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x