مقالات الرأي

كيف وصلنا إلى هنا، وما هو المخرج ؟!

بقلم: محمد رورو

في مقالي هذا لم أعود الي الوراء كثيراً لئلا يكثر أسطُره، فقط سريعا سوف ألمّح علي السنوات السبّاقة للاستقلال حيث كنا نملك فيها الأدوات الكاملة لبناء سودانٌ شاسع متنوع الإنسان والمورِد. وللأسف كان لرمِي فلسفة علي عبد اللطيف حول السودانية والتغاضي علي إشراك جميع السودانيين في مصير بلدهم وقعٍ خطير علي السودان الذي نعيشه فقد طغي عليها وقتها تبعية برامج الجمعية والمؤتمر وعقلية الطوائف علي جهات خارجية لا تُعير مصلحة للوطن الآتي وهذا ما ذهب إليه الأفندية بتنفيذهم مشروع لا علاقة له بالواقع السوداني وسِجلها النضالي الغابر ورأينا ذلك في اول حكومة وطنية وتوجهها المناقض لواقع السودان مؤكدا نفسها علي مشروع رعاهُ مُلوك وباشوات مصر من جهة وعلي عقول تملّكَها حكومة المملكة المتحدة فاخرج لنا وطن أحادي مختل.
وقد نبه القائد الجنوبي! فرانكو وول قرنق علي ذلك في العام 1958 بتصريحه: (إنني أقرر هنا ان استقلال السودان لم يستقر إذا لم يستقيم الوضع في الجنوب. فنحن لم نضمر شراً لاستقلال السودان ونحييه ونحرص عليه كأي شخص منكم لكننا نريد ان يكون هذا الاستقلال حقيقيا لا ملوناً واننا نريد ان ننال حقوقنا كأُمة في السودان المستقل ونقف الآن شفا حفرة…) ولِـنقُل ان هذه الرسالة لم تخص الجنوب فقط انما تشمل كل أقاليم البلاد المترامية ومع ذلك شهدنا مزيداً من الإبعاد والإرغام وتفاقم الإقصاء حينما إقتسم أبناء المهدي كرسيٌ البلاد وطاوُلتها بل دخلنا في معترك جديد تجلي خطورته في إعلان النميري نفسه إماما للمسلمين وتعريب دواوين البلاد متجاوزاً حقيقة التنوع والتعدد فيها لتأتي اللحظة الحاسمة من الإنتفاضة الشعبية التي قال فيها الدكتور جون قرنق: ( انا بقول ناس تطلع انتفاضة وما تخلُّو الصادق يشيل حكومة او ميرغني يشيل حكومة او اي عسكري يشيل حكومة، انا بقول تطلعو عشان أنتكم تشيل حكومة وده انا بسميه حكومة انتفاضة وSPLA بأيد الحكومة ده) حديث بسيط في اللغة، عميق المعني أطلقه الدكتور دون ان يبالِ به أحد لتمضي السنين وتفتح هشاشة الحكومة الجديدة نفاجات واسعة لإنقلاب الثلاثين من يونيو ، الإنقلاب الأطول عمراً والأكثر فتكاً للبلاد.
ورغم كل ذلك توالت الإحتجاجات والثورات في ربوع البلاد ما ارغم النظام الإنقلابي الغاشم علي تشكيل عدد من الحكومات داخل حكومته وتبرير دكتاتوريتها بدورتي انتخابات مصورة وخوض عدد من الاتفاقات الترَضية ظناً منها بإسكاتها الأصوات المُحتجة في الوقت الذي تزايد وعي الشعب وعلاَ صوتهم وكثُر الوسائل منها الوسيلة المسلحة التي أرهق النظام وأفقر خزينة البلاد ، وعلي الضفة وعي متراكم للمواطن وتمرده علي الوضع الاقتصادي والسياسي المترديان فإلتحم ذلك الاسباب ومخّض منها أعظم ثورة شعبية وهي ثورة ديسمبر 2019 التي كانت الفاصلة النهائية بيننا وبين هؤلاء الطغاة والإقصائيين، وأتيحت لنا فرصة تجميع تجاربنا في الاتفاقات ومراحل الإنتقال للحكم سابقا وإعادة النظر في البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فإكتشفنا ان ما نرمُو إليه بتوحيد الصف السياسي الوطني في هذه المرحلة المهمة والحساسة لم تهتم به قوي الحرية والتغيير التي ذهبت باحلامنا ادراج الرياح بتوقيعها مع الجيش علي وثيقة سيئة السمعة حاولو تعديله في أكثر من مناسبة فدخلو في أخطاء كارثية متعمدة كل مرة الي ان جاءت لحظة المفارقة والطلاق الذي اعاده الإتفاق الإطاري الهش ايضا، ومن جانب آخر كان الشي المرجو بعد عنجهية وأستاذية قحت ان يتوحد قوي الكفاح المسلح للضغط علي اصحاب الإمتيازات الزائفة والوصول معهم لوطن يتمتع الجميع بخيراته بكل كرامة وحرية لنصطدم ايضا بإتفاقية جوبا الهزيلة التي كسر شوكة القوي المسلحة الموقعة عليها.
في كل ذلك والشعب السوداني يأمل علي الغد الآتي، كانت كل هذه الاتفاقات الثنائية والعهود الكاذبة تفسح المجال لتمكين القوي العسكرية لا سيما تقوية مليشيات الدعم السريع الذي قال عنهم قائد الجيش البرهان ذات يوم انها من صميم القوات المسلحة وتعمل معها جنباً الي جنب ولا يمكن المساس بها بل ألبس لها صلاحيات من العدم، كما إعترف بها الوثيقة الدستورية وأشرَك قائدها حميدتي في السلطة نائبا للسلطة السيادية وإعترف بها جوبا رجلاً للسلام ، كل ذلك وهي تتوسع مساحةً وتُطور عتادها وتقوي علاقاتها الخارجية. وعندما أدرك الجيش ذلك إصطدم بهم في حرب ضاري اشبه بحريق شب وسط غابة كثيفة الأشجار والحشائش حيث زال الصدام مستمر منذ 15 ابريل 2023 والسبب كافي للجميع وهو أنانية القوي السياسية التقليدية وغرور الجيش المؤدلج وضعف حركات الكفاح المسلح الموقعة علي اتفاقات سلام.
وللخروج من هذا المأزق التاريخي علينا التدارك ان التكتلات السياسية واللجوء الي خلق علاقات ردة فعل مع دول جارة وغير جارة ليست حلا البتة، وهوس قائد الجيش لزيارات الدول لم تُوقِف الحرب بل تزيد لهيبها وتوسع نطاقها وجرائمها وتستنزف البلاد بسبب تدخلات الدول وإملاءاتهم للاطراف المتحاربة.
إن تصريحات الاعلاميين والصحفيين والسياسيين والنشطاء الرومانسية لم تحسم الحرب وقد رأينا ذلك التصريحات في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه لأكروانيا والتي ذهبت جفاءا كالزبد، كما ان الجيش السوداني لم يحدث قط انه أخمد تمرد ما طيلة السبع عقود في وقت كان سلاح التمرد أكثر بدائية وحجمه العددي اقل بكثير من الدعم السريع وعتادها وعلاقاتها الخارجية.
هذا الوضع المتهالك يتطلب توحيد الصف السياسي من كل القوي السياسية الرامية للتغيير بشقيها المدني والعسكري يخاطب الطموح الشعبي ويتخذه آلية ضغط علي الاطراف لإنهاء الحرب ويمكن ان تكون نفس الآلية هي التي تخاطب المجتمع الإقليمي والدولي للضغط علي طرفي الحرب المباشرَين خاصة وان سلاح الجيش ليس فاعلاً ولم تملك الإرادة الكافية لخوض المعارك حيث لم نري انتصارا حقيقيا للجيش منذ بداية الحرب سوي المؤقتة هنا وهناك او بعضٍ من المناوشات التي يقوم بها قائد الجيش الصادق الفكة في مدينة الفاشر وضواحيها عداها عمليات تنشيط وقصف عشوائي يدفع ثمنه المواطن الأعزل.

—لازم تقيف.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
moru bach
moru bach
7 شهور

سرد تاريخي

زر الذهاب إلى الأعلى
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x