مقالات الرأي

هل إختيار الشيخ عبد الرحمن دبكة لتلاوة مقترح استقلال السودان من داخل البرلمان كان بمثابة الرد على نتائج مؤتمر دوماية بنيالا (٢)

إستقلال السودان
وقائع تاريخية مخفية

بقلم: الصادق علي حسن المحامي

تلقيت عدة رسائل على المقال (١) من مقالي بالعنوان اعلاه وكلها افادتني كثيرا بمعلومات هامة، فهنالك من زودني بمراجع بحثية وكتب صدرت بالمكتبات ومن أولئك السيد مبارك الفاضل الذي علق المقال (١) بالآتي نصه ( عبد خليل والدته من ام كدادة وترشيح قيادات مهنية يحتاجها الحزب في الحكم في دوائر مضمونة يعبر عن قومية الحزب وقد استمر حتى عام ١٩٦٨ بفوز محمد أحمد محجوب في الجزيرة أبا وقبلها الدويم وفوز د عبد الحميد صالح وداؤود عبد اللطيف وفاروق البرير عام ١٩٦٥ في دوائر القضارف ، إقرأ كتب د فيصل عبد الرحمن علي طه السودان على مشارف الإستقلال وهو كتاب وثائقي مهم ، الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان ١٩٣٦-١٩٥٣، مشكلة جنوب السودان في سياق تاريخي ١٨٩٩-١٩٨٦) ، كما أمدني الأستاذ مدثر فضل موسى بالكتاب الذي اصدره السيد احمد المهدي مؤخرا واهداه له باعتبار ان والده فضل موسى من مؤسسي حزب الأمة بشمال دارفور ، الكتاب باسم (الإمام عبد الرحمن المهدي رؤية جديدة للحركة الوطنية السودانية) ،لقد استفدت كثيرا من التعليقات والكتب التي بالإمكان الحصول عليها والتي صارت بحوزتي وهنا لا بد أن أوضح بأن المعلومات التي بحوزتي غالبيتها من الروايات الشفهية والوثائق التي حصلت عليها من الشيخ مصطفى حسن ورجال الأنصار بنيالا وبأمدرمان من أمثال المغفور لهم بإذن الله تعالى المجاهد الأنصاري خالد محمد إبراهيم الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار السابق والشيخ مزمل عبد الرحيم والأسطى بدر اسحق وزوجته الحاجة فاطمة الرشيد وغيرهم لقد صٌرت وكُثر من أحفاد الفقيه محمود حزب أمة ونشأنا اطفالا نتابع معاناة الشيخ مصطفى حسن مع جهاز الأمن المايوي، و عند مجيئي إلى الخرطوم لغرض الدراسة كنت اتردد كثيرا على الجزيرة ابا لأسباب اجتماعية ، توفي الشيخان مصطفى حسن محمد وعبد الرحمن دبكة في الديمقراطية الثالثة وكان حزب الأمة حاكما للبلاد وفي نيالا قمت بتجميع كل الوثائق التاريخية ومكاتبات الشيخ مصطفي حسن والذي كان له مكتبا بقبة الإمام يستخدم في مكاتباته الرسمية ترويسة (قبة الإمام المهدي الشيخ مصطفي حسن محمد نائب دائرة مقدومة نيالا) اما في مكتاباته الأخرى المتعلقة بشؤون الأنصار يستخدم ترويسة (الشيخ مصطفي حسن محمد وكيل الإمام) وهنالك خطابات ومراسلات عامة لفترة ما قبل ترشحه وانتخابه نائبا لدائرة مقدومية نيالا مع السلطات المحلية للمستعمر بمركز نيالا ومع الأعيان ونظار القبائل ،كتابات في سنوات مختلفة عن الأوضاع السياسية على المستويين المحلي بجنوب دارفور مقدومية نيالا وكما وهنالك القومي بالبرلمان ، في الديمقراطية الثالثة تشاورت مع قيادات حزب الأمة بنيالا على إقامة فعالية وثائقية لاسبوع عن الشيخين مصطفى حسن وعبد الرحمن دبكة وعن استقلال السودان ومشاركتهما فيه وان يصحب الأسبوع التوثيقي برنامجا تثقيفيا للأجيال التي تعاقبت عن الاستقلال واحداثه وساندت قيادة حزب الأمة بنيالا المقترح وقمت بنقل ما حصلت عليها من وثائق إلى أمدرمان لتتبنى الأمانة لحزب الأمة المقترح ولكن صادف ذلك ان شهدت الأمانة العامة لحزب الأمة تنازعا داخلها وقام السيد الصادق المهدي رئيس الحزب بتعطيل الأمانة العامة المنتخبة والمكونة برئاسة د عمر نور الدائم وعضوية السيدة سارة الفاضل محمود و د آدم مادبو والسيد بكري والسيد نصر الدين الهادي وتم تكليف أمانة مؤقتة برئاسة د علي حسن تاج الدين ود بشير عمر مساعدا له ،لقد كان د مادبو متحمسا لمقترح إقامة المعرض الوثائقي بنيالا عن الاستقلال وذكر لي بان البرنامج سيساعد في تنشيط الحزب إضافة لتكريم القيادات من مؤسسيه الذين شاركوا في بنائه ولكن الأمانة العامة المكلفة اعتبرته مجرد مشروع لمعرض وثائقي عادي ،الأمين العام المكلف د علي حسن تاج الدين احال المشروع لمساعده د بشير عمر وكان هو أيضا مشغولا بتطورات الأوضاع بالبلاد ومذكرة الجيش ومسيرات تخرج بسبب زيادات في أسعار السلع ولم يبد د بشير عمر إهتماما كبيرا وأوصى بان يشارك في البرنامج المقترح ممثلان أحدهما من نواب الحزب والثاني من أمانة الشباب وإذا تعذر بسبب التكلفة يشارك نائبا من نواب الحزب ، لقد كان المشروع وكما تم اعداده كبيرا يهدف لتسليط الضوء على مساهمات رموز من نواب الإستقلال فذهبت بالمشروع للسيدة سارة الفاضل محمود نسأل الله تعالى لها المغفرة وبعد ان أخذت تنويرا عن المشروع والهدف منه تحدثت لي عن دور الرجلين وآخرين من دارفور في الاستقلال وقالت لي بعض القيادات الشابة بحزب الأمة لا تعرف قيمة اعمال الشيخان مصطفى حسن ودبكة للحزب والبلاد وختمت قولها ساتولى بنفسي الإشراف على البرنامج الوثائقي وسأذهب لنيالا للمشاركة في البرنامج كما سيذهب السيد الصادق المهدي رئيس الحزب لحضور البرنامج والمشاركة في انشطته ، ولكن أثناء الإعداد وقد قمنا بالاعداد لمعرض وثائقي بالصور والمذكرات الوثائقية التي جلبتها لدار حزب الأمة بامدرمان قام إنقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م وضاعت غالبية تلك الوثائق الهامة كما ضاعت الديمقراطية نفسها بالإنقلاب المشؤوم .

  • مكمن الأزمة في الإغتراب الذاتي (الوجداني) لرجل أفريقيا المريض :
    الباحث في مشاكل وأزمات البلاد التي اقعدت بها عن الرقي والتقدم قد يجد مكمن الأزمة في الإغتراب الذاتي (الوجداني) للنخب الحاكمة بالبلاد قبيل واثناء وبعيد استقلال البلاد من المستعمر لدرجة إنكار الحقائق ، لقد كان السودان من بين ثلاث مستعمرات إنجليزية حظيت بنظم حكم مدنية حديثة ومتطورة (كندا ،استراليا السودان) وترك المستعمر الإنجليزي عند الجلاء بخزينة الدولة السودانية الوليدة مبالغ معتبرة بمقايس ذلك الزمان كما كان الجنيه السوداني عند الاستقلال يربو على الثلاثة دولارات والنصف وكان دخول السودان للمستثمرين بعد الحصول على تأشيرة من شروطها الكفاءة المالية كما وضع المستعمر للبلاد نظاما مدنيا متقدما للتأسيس للإنتخابات حرة ونزيهة بموجب قانون الحكم الذاتي وتقرير مصير السودان لسنة ١٩٥٣م لضمان انتقال السلطة للوطنيين باسس ديمقراطية سليمة ليس كما كان حال الإنتقال من الإستعمار للحكم الوطني في بعض البلاد الأفريقية مثل بلدان المغرب العربي الذي تحول فيه رمز التحرر الوطني لملكا مثل المغرب أو رئيسا دائما مثل تونس أو الصراع السياسي في زيمبابوي بين زانو وزابو بين الدكتور جوشو انكومو وموغابي. وقد كانت قارة أفريقيا وقياداتها تتوقع من السودان ان ترعى حركات التحرر الوطني الأفريقي وقد نالت البلاد استقلالها في فترة مبكرة في منتصف الخمسينيات قياسا بغالبية الدول الأفريقية الأخرى والتي تأخرت في استقلالها ولكن النخب السودانية التي كانت تقود البلاد لم تكن راغبة في التوجه الأفريقي وكانت تبحث عن تأكيد لهويتها العربية، ليقود أفريقيا كوامي نكروما من غانا بغرب أفريقيا وجوليس نايريري من تنزانيا بشرقها على الرغم من حصول دولتيهما على استقلالهما في اوائل الستينات عقب اكثر من خمسة سنوات من استقلال السودان كما وظهرت في سماء افريقيا اسماء لامعة من أمثال نيوبولد سنغور في السنغال وأحمد سيكوتوري في غينيا وباتريس لوموممبا في الكنغو وكانت مساهمات السودان في المحافل القارة الأفريقية والدولية متواضعة بمثل المشاركة في حضور مؤتمر عدم الإنحياز وانشودة اسياء وافريقيا لتاج السر الحسن، بالمقابل كانت القاهرة والزعيم المصري جمال عبد الناصر اكثر تاثيرا في قضايا التحرر الأفريقي من السودان وزعمائه وأسس إذاعة صوت أفريقيا وفتح بلاده للزعماء الأفارقة وتدخل عبد الناصر لحماية الزعيم الافريقي لوموممبا رئيس الكنغو الديمقراطية والذي اغتيل بواسطة عملاء المستعمر البلجيكي فنقل اسرته إلى القاهرة ولمواقف السودان الخجولة تجاه قضايا افريقيا اُطلق عليه رجل افريقيا المريض، وهنالك من يزعم بالقول بان اول من أطلق هذا الوصف على السودان الزعيم الغاني كوامي نكروما لتقاعس السودان عن دوره المأمول فيه تجاه قضايا القارة ، ولاتزال البلاد بعد اكثر من ستة عقود ونصف من استقلالها عبارة عن مشروع دولة تحت التأسيس تجتمع الآليات الدولية وتنفض لتشكيل حكومة للبلاد لتضطلع بمهام إنتشالها من ازماتها المتراكمة وقياداتها السياسية تتنازع على السلطة من دون رؤى استراتيجية وهنالك ملايين النازحين واللأجئين بفعل الحرب والإقتتال المسلح وعشرات الحركات المسلحة حتى صارت مطالبات الحقوق بالبندقية أو الإضراب عن العمل لتدخل البلاد في مرحلة الفوضى الشاملة، بلاد وأسعة في اراضيها قامت أعرق الحضارات الإنسانية وممالكها مثل مملكتي المغرة وعلوة وممالك الفونج والفور والمساليت وغيرها وهي لا تزال حتى الآن مقعدة عبارة عن مشروع لدولة تحت التأسيس ،تعاني البلاد من مشكلات وقضايا الهوية وتخشى القوى الكبرى ان تنزلق وتنهار لتنهار معها غالبية انظمة دول الجوار الأفريقي والمماثلة في الهشاشة .
    في مقالنا القادم بمشيئة الله تعالى سنتناول لجنة استانلي بيكر التي كونها الحاكم العام السير روبرت هاو وتوصياتها ، وإنجاز مشروع دولة السودان من داخل البرلمان السوداني المنتخب بإرادة سودانية حرة .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x